مضيق هرمز: أسواق النفط في عنق الزجاجة!

مضيق هرمز: أسواق النفط في عنق الزجاجة!

مع عودة العامل السياسي للتأثير بشدة في السوق النفطية ويعبر عن نفسه في شكل ارتفاع للأسعار، عاد الاهتمام إلى متابعة مختلف عناصر التوتر، ومن بينها مضيق هرمز، الذي يشكل عنق الزجاجة بالنسبة للسوق النفطية والصادرات من منطقة الخليج، التي تمثل الخزان الأساسي لاحتياطيات النفط والغاز وكذلك الصادرات إلى مختلف بقاع العالم خاصة السوق الآسيوية العطشى إلى الوقود الأحفوري.
وفي الفترة الأخيرة أصدر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن تقريرا تحت عنوان: "إيران: النفط ومضيق هرمز"، أعده أنطوني كوردسمان خبير المركز المتابع لشؤون الخليج.
وخلص التقرير إلى نتيجتين رئيسيتين، أن أهمية مضيق هرمز ستتزايد بمرور الوقت مع تزايد حجم النفط الصادر من منطقة الخليج إلى مختلف الأسواق العالمية، أما النتيجة الثانية فهي أنه رغم التوترات المتزايدة وتصاعد المواجهة الإيرانية الغربية خاصة، إلا أن التقرير يخلص إلى أنه ليس من مصلحة إيران إغلاق المضيق لاعتمادها عليه، ولأنه المصدر الرئيس لعائداتها المالية، وهي لن تستطيع إغلاقه كلية.
يمتد مضيق هرمز على مسافة 600 ميل، وهو يفصل إيران عن بقية جيرانها في المنطقة: البحرين، العراق، الكويت، السعودية، قطر، والإمارات. ولهذه الدول ثلث الإنتاج النفطي العالمي و75 في المائة من الاحتياطيات، ولإيران حصة 11.1 في المائة من احتياطيات النفط أو 132 مليار برميل، لكنها تحتل مكانة متميزة فيما يتعلق بالغاز، حيث تملك ما نسبته 15.3 في المائة من الاحتياطيات العالمية، أو 970 تريليون قدم مكعب، مع ملاحظة أن نسبة احتياطيات الغاز الموجودة في منطقة الخليج بصورة عامة تبلغ 2.462 تريليون قدم مكعب، أو نحو 45 في المائة من الاحتياطيات العالمية. لكن أهمية إيران فيما يتعلق بالخليج تتزايد كونها الأقرب إلى الممرات البحرية التي تتبعها الناقلات في مسيرتها إلى الأسواق العالمية، وتضيق مسافة المرور إلى نحو ميلين في بعض الأحيان للناقلات الذاهبة وتلك العائدة مع ميلين آخرين منطقة عازلة. ومعروف أن نحو 17 مليون برميل يوميا، أو 40 في المائة من تجارة النفط العالمية تمر عبر مضيق هرمز.
ويزيد من حجم التوتر أن المواجهة الإيرانية مع الدول الغربية بخصوص ملفها النووي وعزمها المضي قدما في مشروعها لتخصيب اليورانيوم توجد معها توترات ونزاعات داخلية في المنطقة ومع دول الجوار. فهناك نزاع مع الإمارات حول الجزر الثلاث: أبو موسى، طنب الكبرى، وطنب الصغرى، ووصل الأمر إلى مساندة الدول الخمس الأعضاء الأخرى في مجلس التعاون الخليجي للطلب الإماراتي بإحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية، لكن طهران ترفض القيام بهذه الخطوة.
وهناك أيضا النزاع مع قطر حول الحقل الشمالي الذي يحتوي على كميات كبيرة من الغاز، إضافة إلى التوترات المزمنة مع العراق لأسباب حدودية ولوجود تاريخ طويل من مساندة كل طرف للمجموعات السياسية المتمردة في بلادها، وهو الوضع الذي تفاقم بالاحتلال الأمريكي للعراق وبكل ما يحمله تاريخ العلاقات الإيرانية ـ الأمريكية من مصاعب وإشكالات.
وفيما يتعلق بتزايد أهمية المضيق النابعة من تزايد اعتماد أسواق النفط العالمية على إنتاج وصادرات النفط من منطقة الخليج، فإن التقرير يوضح الوضع بالأرقام التالية المستندة إلى تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية العام الماضي، حيث توقعت للإنتاج النفطي الخليجي أن يبلغ 28.3 مليون برميل يوميا بحلول نهاية العقد الأول من هذا القرن، ترتفع إلى 31.1 مليون عام 2020 ثم إلى 36.8 مليون في 2030، وذلك مقابل 18.7 مليون برميل عام 1990، ارتفعت إلى 21.7 مليون في العام التالي، ثم إلى 23.7 مليون في 2003، الأمر الذي يرفع حصة الخليج في تجارة النفط العالمية من الناحية التجارية إلى 33 في المائة في 2020 و36 في المائة بعد ذلك بعقد من الزمان من 28 في المائة عام 2000.
وبالقدر نفسه فإن حجم الصادرات النفطية من منطقة الخليج مرشحة للزيادة من 22.5 مليون برميل إلى 34.3 مليون في 2030، على أن غالبية هذه الكمية ستتجه إلى الأسواق الآسيوية العطشى إلى المزيد من النفط الخام ومنتجاته وكذلك الغاز.
ويضيف تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية أن هذه الأهمية المتزايدة للمنطقة وارتباطها بالأسواق العالمية مع البعد الجيوستراتيجي يجعل هناك الكثير من الأهداف التي يمكن تهديدها، الأمر الذي يضيف إلى عناصر القلق وحالة عدم الاستقرار التي يمكن أن تشوب السوق.
لكن التحليل الذي يورده التقرير عن مصادر عديدة من بينها إسرائيلية، أن طهران تتبنى موقفا طموحا لتطوير أسلحة تقليدية وغير تقليدية يمكن اللجوء إليها وتشكل تهديدا مباشرا للمرافق النفطية على ساحلي الخليج، كما أنها تضع في حسبانها احتمال انفجار الوضع مع الولايات المتحدة، خاصة في ضوء إرسال حاملات الطائرات لتكون في أو بالقرب من المنطقة.
وتركز إيران فيما يبدو على اتباع خطة استنزافية للولايات المتحدة والعمل على إيقاع عدد أكبر من القتلى لما لها من تأثير على الرأي العام المحلي داخل الولايات المتحدة نفسها، الذي يمكن أن يصبح طرفا في تحديد مسار المواجهة. ويرى التقرير أن إيران تتبع استراتيجية دفاعية في الأساس فيما يتعلق بأي مواجهة متوقعة مع الولايات المتحدة، وأنها ستسعى إلى إجهاض أي هجوم بدلا من العمل على كسب المواجهة العسكرية.
ومع أن خلفية النزاعات السياسية والحدودية مع مختلف دول المنطقة وتنامي المواجهة الإيرانية مع الدول الغربية يجعل من المرافق النفطية هدفا يمكن الاتجاه إليه، لكن في المقابل يرى أن طهران ليست في مصلحتها اللجوء إلى هذا الخيار لأنها هي ذاتها أكثر اعتمادا على العائدات المالية التي تستخدمها لتسيير أمورها الحياتية وعلى رأسها إطعام شعبها، وهي بالتالي مرشحة للخسارة من اللجوء إلى خيار الحرب أكثر مما تكسب. وربما لهذا السبب فإن واشنطن سربت أخبارا في أيلول (سبتمبر) الماضي أنها أحيت خططا قديمة لمحاصرة ثلاثة منافذ أمام الصادرات النفطية قرب مضيق هرمز.
ولكن حتى إذا قررت إيران المضي قدما في إغلاق المضيق، لأن الدول تتصرف مثل الأفراد العاديين ومن الصعب إخضاع تصرفاتها إلى المنطق والمعقولية، فإن تلك الخطوة لا يتوقع لها التقرير أن تستمر لأكثر من فترة قصيرة وتراوح بين بضعة أيام وأسبوعين على أكثر تقدير.

الأكثر قراءة