رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الدكتور الدكتاتور ظاهرة يجب القضاء عليها

[email protected]

يقول لي أحد مديري المدارس الثانوية إنه تلقى نقدا شديدا من أحد أولياء الأمور عندما رآه قد أتاح الفرصة لأحد الطلبة أن يحاوره بكل حرية، حيث عد ولي الأمر تصرف المدير ضعفا لا يجب أن يكون منه لأن ذلك سيجرئ المزيد من الطلبة على المدير باعتبار أن محاورة الطالب للمدير لإبداء رأيه والمطالبة بحقه قلة أدب.
ويكمل المدير قائلا: إنني أوضحت لولي الأمر حقيقة مفادها أننا في وزارة التربية والتعليم "التربية أولا"، وأن التربية تعني أن نربي الطلبة على المفاهيم السليمة لكي ترسخ في أذهانهم فيتمثلوها سلوكا في حياتهم اليومية، خاصة أن هؤلاء الطلبة شباب اليوم رجال الغد سيكونون في موقع مسؤولية وسيتعرضون في حياتهم الشخصية والعملية للكثير ممن يريد محاورتهم لإبداء رأيه أو للمطالبة بحقه، فإذا نحن قمعناهم اليوم ومنعناهم من المحاورة بما لدينا من سلطة، فبالتأكيد سيقمعون هم بدورهم كل محاور أو مطالب بحقه لأي سبب كان بالسلطة المتاحة لهم، وعندما علم ولي الأمر ذلك تراجع واعتذر وأثنى على تصرفي مع هذا الطالب وأمثاله.

تذكرت هذه القصة وأنا أستمع لأحد الطلبة في إحدى جامعاتنا الحكومية وهو يشتكي من ديكتاتورية الدكاترة، وخصوصا السعوديين، حيث يقول إننا لا نستطيع أن نحاورهم في نوع أو كم المادة أو طريقة التدريس أو مراجعة أوراق الامتحانات أو الاعتراض على النتيجة، موضحا أن معظم الطلبة في حالة إحباط من هؤلاء الدكاترة الذين يمارسون أقسى أساليب التسلط على الطالب، ويضيف الطالب أن معظم الدكاترة السعوديين لا يمكن محادثتهم أثناء أو خارج المحاضرة بحال من الأحوال، وعندما نحاول محاورتهم أو محادثتهم نجد الجفاء والاستهزاء والتندر معا.
تذكرت هذه القصة وأنا أطالع ما نشرته صحيفة "الجزيرة" عن الدراسة الاستطلاعية لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني حول قضايا التعليم والتي أوضحت أن ثلث الطلبة والطالبات لا يسمح لهم المعلم (المعلمة) بإبداء الرأي والاختلاف في وجهات النظر إلا في حالات نادرة، ونحو نصف الطلبة والطالبات يسمح لهم بإبداء الرأي والاختلاف في بعض الأحيان، وأن الربع فقط يسمح لهم بإبداء الرأي والاختلاف في وجهات النظر في معظم الأحيان.
أكثر الآراء المحللة لظاهرة الإرهاب الفكري والمادي تشير إلى أن حرمان الأسرة والمدرسة والجامعة للأطفال وللشباب من حرية إبداء الرأي والاختلاف أدى بشكل تلقائي لغياب مفاهيم الحوار وتقبل الرأي الآخر لدى أفراد المجتمع السعودي، كما أدى إلى سيادة الروح القمعية التي تنادي بالتنميط الفكري والاجتماعي للشباب والتأكيد على توحيد مصادر التلقي ورفض الآراء والثقافات الأخرى والدعوة لمحاربتها فكريا كمرحلة أولى وماديا كمرحلة ثانية.
هذه الآراء لم أجد لها محورا في الحوار الذي أجرته الجزيرة مع مدير جامعة الملك سعود الذي أكد ضرورة انطلاق الجامعة في ممارسة أدوار أخرى إضافة لدورها التعليمي وركز على الدور البحثي والاقتصادي للجامعات ولم يأت على دورها المنتظر في قيادة الحراك الثقافي من خلال تعزيز القيم والأفكار والمفاهيم السليمة ومعالجة السلبي منها. تناسى أيضا ضرورة تطوير قدرات كوادر الجامعة التواصلية ليكونوا قدوات لطلبتهم في تطبيق القيم والمفاهيم السلمية وتحويلها من النظرية إلى الواقع.
إن الدكتور الذي يتقبل رأي الطلاب ويستمع لهم ويحفزهم على التفكير والحوار ويؤكد لهم أهمية الوقت والإنتاج والتفريق بين المنتج والمتقاعس إلى غير ذلك من المفاهيم ويثبت لهم ذلك بالقدوة الحسنة لا شك أنه سيكون مربيا فاضلا يسهم في تخريج طلبة مسلحين بالعلم والمعرفة والقيم والمفاهيم لكي يكونوا سواعد بناء لا معاول هدم، أما الدكتور الدكتاتور فما هو إلا أحد مغذيات جذور القمع الفكري لطلبته المساكين الذين سيتقمصون دوره الدكتاتوري حالما تتاح لهم الفرصة ليمارسوا دوره على من يقع تحت سلطتهم وللأسف الشديد.
ما أرجوه حقيقة أن يتكفل كل مدير مدرسة ومدير جامعة أو كلية بتأهيل الطاقم التعليمي تربويا ليلعب دوره التربوي جنبا إلى جنب مع دوره التعليمي ليتخرج لدينا طلبة أسوياء قادرون على التعامل مع زملائهم ومرؤسيهم والمراجعين وغير ذلك بكل كفاءة واقتدار، طلبة يتمتعون بكفاءة تفكير عالية وقدرة على تقبل الآراء الأخرى والتفاعل معها بإيجابية، وقدرة أكبر على تحمل الآخر والصبر على الاستماع إليه وإن كان مخالفا. وكل ذلك سيكون له أكبر الأثر في مكافحة الفكر المتطرف والإرهابي الذي أخذ يلتف على أعناق الوطن الغالي بشكل لافت للنظر.
ختاما، أتوجه بكلمتي هذه إلى الإخوة الدكاترة العاملين في حقل التعليم الجامعي قائلا لهم إن أبناءنا الطلبة الشباب أمانة بين أيديكم وأنهم يمرون بمرحلة حرجة من العمر وإن دوركم التربوي أخطر من دوركم التعليمي، وأن الأعذار في التقاعس عن الدور التربوي لن تقنعنا مهما كانت، ذلك أن كل مشكلة يمكن حلها بالإصرار، وكلنا ثقة بكم وبحرصكم على بناء الطالب الناجح علميا وأخلاقيا، وكلنا أمل أن نسمع يوما أن الدكتور الدكتاتور أصبح نادرا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي