رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


التقارير المالية والدراسات.. إشكالية الأهداف والمصداقية!!!

دخلنا في الآونة الأخير وفي موضة التقارير والدراسات وتقييمات أسواق المال أو أسعار بعض الأسهم وتحديد القيم السوقية "العادلة" للبعض منها، وهو أمر حديث في بيئتنا الاقتصادية نوعا ما. وكأي أمر جديد، هناك اختلافات متعددة في طريقة التعاطي مع الموضوع على المستوى الرسمي والشعبي. ولن أدخل في تفاصيل التأكيد أو النفي بالنسبة إلى سلامة الأهداف والمصداقية، حيث يتضح أن الميكافيلية دخلت في أسواق المال والاقتصاد عموما على غرار ما هي عليه في عالم السياسة.
ولكن وحتى يمكن لنا معرفة مستويات المصداقية والأهداف يجب مناقشة الموضوع بموضوعية ومعرفة لماذا تكتب تلك التقارير أصلاً سواء كانت من مصادر خارجية أو حتى محلية؟ فهل يعقل أن يكتب تقرير بدون هدف وبالذات عندما يوجه إلى عامة الجمهور وليس خاصتهم؟!
بداية أقول إننا ومن خلال تعاطينا من كل التقارير التي تصدر عن المملكة كمؤسسة اقتصادية أو عن الشركات والمؤسسات المالية والتجارية العاملة في هذا الاقتصاد وليس في سوق الأسهم وحده، فإما نعطيها الكثير من المصداقية من خلال الترحيب الكبير بها والتطبيل لها والاستشهاد بها بشكل شعبي ورسمي في بعض الأحيان! ولا داعي للتذكير كدليل على هذا الكلام، بالتطبيل لتقرير صدر حول بلوغ سوق الأسهم السعودية المركز الحادي عشر عالميا كقيمة سوقية في عام 2005م رسميا وشعبياً، وإما نجعلها (أي تلك التقارير) نكرة بحيث إنها ذات أهداف استعمارية وتخريبية لا خلاف عليها ويجب عدم تصديق حرف واحد مما ذُكر فيها. وهي ازدواجية غير سليمة وتعاط غير عقلاني مع المسألة، ويجب أن يكون لدينا ميزان واقعي للحكم على الأشياء باستخدام أدوات المنطق والعقل.
لذلك دعونا نتفق على الكيفية التي تكتب بها تلك التقارير حسب أنواعها والجهات المعدة لها وآليات عملها وهي بشكل عام على ثلاثة أصناف:
النوع الأول، خاص بالتقارير الصادرة من قبل المؤسسات الدولية الرسمية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والمؤسسات التابعة لها ومؤسسات المجتمع المدني الدولية كمنظمة الشفافية العالمية، وهي تقارير تبنى على أسس واضحة وتعتمد بالدرجة الأولى على الدولة المَعد عنها التقرير ورغبتها في كشف المزيد من المعلومات لمعدي التقرير حتى يمكن لهم إعطاء الصورة المستخلصة من المعلومات، والمشكلة الرئيسية في هذا الخصوص لدينا هي أن الكثير من الأجهزة أهملت لسنوات الدور المهم الذي تلعبه تلك المؤسسات في تقاريرها حول الدول وأهميتها. والمتابع لهذه التقارير في السابق يجد أن المملكة من الدول التي معظم المعلومات غير متوافرة عنها Nil أو معلومات يشكك فيها العارفون ببواطن الأمور بكل بساطة لأنها مبنية على مصادر مجهولة أو افتراضات! مع ملاحظة أن هناك تغيرا واضحا في السنوات الأخيرة في هذا النهج حيث تقوم الجهات المسؤولة بتزويد تلك الجهات بالبيانات المطلوبة بشكل دوري ومن خلال عمل مهني تشكر عليه، الأمر الذي غير كثيرا من الصورة السلبية عن المملكة، اقتصاديا على الأقل، في المحافل الدولية، رغم أن المشوار لا يزال طويلا في هذا الخصوص، ويحتاج إلى جهود كبيرة ومستمرة وليست موسمية.
وللتدليل بحالة عملية، فقد درجت مؤسسة التمويل الدولية IFC وهي إحدى أذرع البنك الدولي على إصدار تقرير سنوي لها عن بيئة الأعمال في دول العالم المختلفة. وفي 2004 وبحكم عملي لاحظت أن الجزئية الخاصة بمناخ الاستثمار وبالذات المتعلقة ببند "ببيئة الحصول على الائتمان" تضع المملكة في تقييم ضعيف جدا في هذه الناحية (0.2 من أصل 6) لا يتناسب مع حقيقة ما أعرفه عن هذا الموضوع بالذات، الأمر الذي أثار فضولي في معرفة المشاركين في إعطاء المعلومات عن المملكة، لأن ذلك لا يمكن أن يكون صحيحا، وكانت المفاجأة أن معظم المزودين لتلك المعلومات هم أفراد أو مكاتب خاصة غير معروفة ولا يعرف صفة مشاركتها في تلك التقارير!!! ولا يعرف مصادرها!!! وفي عام 2005 وبعد مشاركة رسمية من قبل الجهات المخولة بإعطاء البيانات الدقيقة عن "بيئة الحصول على الائتمان" صدر التقرير عن المملكة للبند نفسه ليصبح (5 من أصل 6) أفضل بيئة شرق أوسطية على الأقل، وهو كما تلاحظون تغير جذري خلال سنة بين تقرير وآخر، ولم يكون التغير الجذري في التقرير نتيجة تغير ما حدث في "بيئة الحصول على الائتمان" خلال عام في المملكة ولكن مصدر المعلومات تغير وأصبح يأتي من المصدر المناسب وفي الوقت المناسب ورفعت أوهام السرية والخوف غير المبرر. وهنا نقول إننا ونحن نتحدث بهذا الشكل يجب ألا ننسى الجانب السياسي في تلك المؤسسات والدور الذي تلعبه، ولكن ذلك حسب الدولة وقدرتها على كشف الحقائق قبل استغلالها سياسيا من قبل المتربصين.
النوع الثاني من هذه التقارير، هي تلك التي تصدر من جهات دولية خاصة كشركات التقييم الدولية وصناديق الاستثمار العالمية والمصارف العابرة للقارات توأم الشركات العابرة للقارات. وهذه لها قصة أكثر تعقيدا من تقارير المؤسسات الدولية في النوع الأول. حيث إن هناك في تلك الشركات أو الصناديق أو المصارف الدولية تداخلا واضحا للمصالح التجارية وفي ظني السياسية وإن كانت بدرجة أقل وبالذات تلك التي تأخذ صفة الدولية أو العالمية أو العابرة للقارات. وهي صفة لا أدري من يمنح شهاداتها أو مصداقيتها؟؟؟ وبالتالي يجب قراءة أهداف التقارير بعناية قبل قبول ما يمكن أن يأتي فيها وبالذات عندما يتعلق الأمر بالاستثمار في أسواق المال وبيئة أعمال الدول، وما تجربة النمور الآسيوية عنا ببعيدة في عام 1997. ومن المسلمات أن يكون من شبه المستحيل أن يصدر تقرير عن تلك الجهات دون وجود هدف معلن وأهداف أخرى غير معلنة حتى لو كانت جزءا من عملها والذي قد يكون تسويق استثمارات أحد عملائها الكبار في المنطقة أو ما شابه، وما قد نعلمه أكبر من التصريح أو إمكانية التلميح به. وقد كان ولا يزال الإعلام المحلي وبالذات الخليجي الوسيلة الأسهل والأرخص لتلك المؤسسات لتسويق تقاريرها بحسن نية من الإعلام وخبث ومكر من قبل معديه أو كبار عملائهم المحليين لنشر ما يرغبون في نشره للسوق بشكل يوحي بالاستقلالية أو الحياد في تلك التقارير كونها دولية أو عالمية.

النوع الثالث والأخير من تلك التقارير، هو التقارير الداخلية المصدر والخبر والتي تحاول الاحتكاك بنظيرتها الغربية، وهي لم تزل في مهدها وحديثة عهد، مثل مراهق يحاول تقليد نجم تلفزيوني أو سينمائي، فبئس المَقلد والمقلد. والنتائج الأولية لتوجه تلك التقارير لا تبشر بكثير من الخير المرجو منها، فقد بدأت بسطحية غريبة وعجيبة في نتائجها ومصادرها وهي أشبه بالفضائيات العربية في نقل برامج الواقع من تلفزيونات الغرب تقليدا لسيئ بشكل أسوأ. وأقولها، وأتحمل مسؤولية كلامي، إننا يجب أن نحذر كل الحذر من تلك التقارير بمختلف أشكالها وبالذات في هذا النوع حيث تكون الصورة ضبابية في شأن المصداقية وأخلاق العمل مع فقدان كامل للمحاسبة والمتابعة. فعلى المستوى الرسمي لن أطلب أي شيء منه لمعالجة الوضع، فقد تعلمنا الفعل وردته، بل قد تكون بعض الجهات الرسمية تتخذ قراراتها بناء على تلك التقارير بسبب أن العديد من الأجهزة الحكومية لا تتكلم مع بعضها وتستقي معلوماتها من تقارير خارجية ومحلية.

وعليه نقول إن هناك ثلاثة أنواع تميزها ثلاث علامات استفهام حول كل منها، وهي: تداخل العنصر السياسي في النوع الأول وتداخل عنصر المصالح العابرة للقارات وكبار العملاء للمؤسسات والشركات والصناديق الدولية في النوع الثاني. فيما يبقى النوع الثالث وهو ابن شرعي لبيئته بامتياز.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي