رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


المستوصفات .. لكيلا يتحول الطبيب إلى مستثمر

ما زالت الخدمات الصحية بحاجة إلى المزيد من المنشآت الصحية من مستشفيات، مجمعات، مستوصفات، مراكز وعيادات، ومعامل ومختبرات، وقد كرست الدولة خلال سنوات طوال جهودا متواصلة ساعية للنهوض بالخدمات في هذا القطاع عبر مستشفيات ومراكز وزارة الصحة وغيرها من الجهات الحكومية كوزارة الدفاع والداخلية والحرس الوطني، وفتحت المجال واسعا أمام استثمارات القطاع الخاص أيضا، فبادر عديد من المواطنين إلى الإسهام بدورهم في هذا القطاع من خلال مشاريعهم الصحية الاستثمارية الخاصة في مختلف مدن وقرى المملكة واستطاع القطاع الصحي الأهلي على مدى عشرات السنين الماضية مساندة دور الدولة في هذا المجال وأبدى جدارته وحرصه على تقديم خدمات نوعية في مختلف التخصصات الطبية.
غير أن أهل القطاع الصحي الأهلي المزدهر وجدوا أنفسهم منذ أربع سنوات أمام نظام جديد للقطاع الصحي الأهلي يشترط أن يكون مالك المجمع والمستوصف الطبي أو أحد الشركاء فيهما على الأقل طبيبا، مما وضعهم في موقف حرج، بين خيارين لا ثالث لهما فهم إما أن يبيعوا مجمعاتهم ومستوصفاتهم وإما أن يبحثوا عن طبيب يشاركهم الملكية.
ونظرا لأن مالكي المجمعات والمستوصفات الأهلية من غير الأطباء يمثلون نسبة تتجاوز 95 في المائة، ونظرا لأن وزارة الصحة يهمها بالتأكيد اتساع نطاق الخدمات الصحية واستمرار نموها من حيث العدد والنوعية، وأنها بحكم الخبرة والمعرفة اللصيقة بعناء إنشاء الصروح الطبية وما يعنيه ذلك من جهود مضنية في التجهيز وتوفير الكوادر الطبية والمساعدة والإدارية وحجم الأموال التي تنفق لذلك، فإن الوزارة تصبح هي الأقدر على معالجة هذا الوضع الحرج، خصوصا والأمر كما يلي:
1 ـ إن مالكي المستوصفات والمجمعات الحالية ضخوا أموالا وبذلوا جهودا لسنين طوال، واشتراط مشاركة طبيب سعودي في الملكية القائمة قبل صدور النظام يعني تملكا بأثر رجعي للقادم الجديد واضطرار المالك القديم إلى التسليم بشروطه التي سيحرص على أن تكون لصالحه، وهي كذلك في كل الأحوال.
2 ـ سوف تفتح مسألة مشاركة الطبيب في الملكية الباب إلى وجود مشاركات صورية يحتال بها من يريد أن ينشئ مجمعا طبيا فيلجأ إلى التستر على طبيب لا وجود له إلا بالاسم فقط، وبذلك نوجد سوقا سوداء تؤثر سلبا في كفاءة الخدمات الصحية.
3 ـ لو افترضنا جدلا أن في الإمكان تطبيق النظام، فإن هذا يتطلب أعدادا كافية من الأطباء السعوديين ليشاركوا في ملكيات المستوصفات والمجمعات الطبية، فكيف والحال تشير إلى أن عدد الأطباء السعوديين لا يتجاوز (8938) طبيبا.
فيما غير السعوديين (34410) أطباء، أي أن نسبة الأطباء السعوديين إلى غير السعوديين هي قرابة 21 في المائة وإذا كان مجموع الخريجين من كليات طب المملكة بمن فيهم أطباء الأسنان لا يتجاوز سنويا (788) طبيبا وطبيبة فهذا يعني أننا نحتاج إلى نحو (43) سنة، حتى يكون لدينا اكتفاء ذاتي، (الكتاب الإحصائي السنوي الصادر عن وزارة الصحة لعام 1426هـ) ومثل هذه الجردة لا يمكن أن تتيح توفير العدد المطلوب من الأطباء للمشاركة في ملكيات المنشآت الصحية، إلا أن يجمع الطبيب السعودي بين ملكيات مجمعات عديدة، وبالتالي تنتفي القيمة الأساسية التي استهدفها النظام، لأن طبيبا بملكيات عديدة، تعني إشرافا صوريا لا غير كما تعني تفريغ الطبيب للاستثمار وخسارتنا له كطبيب.
4 ـ هناك مسألة تتعلق بملكية المستشفيات والمجمعات في غير المدن الكبرى، كالمدن الصغيرة، والبلدات النائية والقرى، ففي ظل عدم وفرة الأطباء السعوديين، لن تجد تلك المدن والبلدات والقرى استثمارات جديدة في الخدمات الصحية، لأن الأطباء السعوديين، في الغالب، لن يتركوا المدن الكبرى حاليا ليذهبوا للأرياف والبلدات النائية.
5 ـ إنه من المفهوم أن تكون ملكية المكاتب الهندسية، القانونية، المحاسبية، ومكاتب المحامين وأشباهها مشروطة بالتخصص لأن المهندس أو المحامي أو المحاسب أو القانوني هو من عليه أن يصادق على المخطط أو الأوراق القانونية، وهذا أيضا يمكن أن يطبق على عيادة الطبيب الذي لا بد وأن يكون مالكها طبيبا لأنه وحده من سوف يكتب ويصادق على الوصفة، أما المجمعات الطبية والمستوصفات فهي مشاريع استثمارية، إداراتها تسند المهام التخصصية للأطباء، وتكتفي هي بإدارة المشروع، وهو إجراء متبع في مختلف أنحاء العالم.
أما إذا كانت الخشية (في حالة عدم وجود طبيب مالك) أن تحدث مخالفات وإشكالات تطول الخدمة وتمثل مصدر خطر على المراجعين، فهي خشية في محلها لكن من قال إن المخالفات والمشاكل لا تصدر أيضا في المجمعات والمستشفيات الأخرى بل وأحياناً في أشهرها.. وطبعا السبيل إلى ردم ذلك المحذور يتم من خلال نظام رقابة صارم على الجميع.
إنني أشير إلى هذه النقاط، وأنا على يقين من أنها لا تغيب عن اهتمام وزارة الصحة، وهو اهتمام نتطلع إلى أن تترجمه الوزارة إلى مبادرة عاجلة لإيجاد مخرج لهذا الوضع باعتبارها حريصة على استمرار بقاء قطاع الصحة الأهلي عريضا واسعا منتشرا مزدهرا يعاضد الجهود التي تدفع بها الدولة في هذا القطاع الحيوي.
يبقى أن أشير إلى أن جهات عديدة ومنها مجلس الشورى، أكدت أن هذا النظام فيه إجحاف بحق الملاك الحاليين، كما أن وزير الصحة أشار في لقاءات سابقة جمعته بأصحاب المستوصفات أن تطبيق النظام يوجد سوقا سوداء، نعرف كلنا فداحة أضرارها، وقد وعد بالسعي إلى تعديل شرط إشراك الطبيب في الملكية، لكن الوضع ما زال على حاله، فمتى ستبادر وزارة الصحة إلى إلغاء هذا الشرط غير المفهوم، خصوصا والدعوة عالية لجذب الاستثمار والتشجيع عليه؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي