نحو إعادة النظر في المؤشرات الاقتصادية

[email protected]

كحال الشركات متعددة الجنسيات التي تعتمد على الأبحاث القطاعية الخاصة بدول معينة لتحديد السوق المستهدف ومناطق الإنتاج، يعتمد المستثمر الدولي ونظيره المحلي المحترف على عدة طرق لتقييم الاستثمارات المحتملة، مثل طريقة الخطوات الثلاث التي تعتمد على تحليل العوامل الاقتصادية الكلية، حالة القطاعات الاقتصادية وترابطها، وتحليل شركات معينة مرشحة للاستثمار.
وبتناول الخطوة الأولى من طريقة تقييم الاستثمارات، أي تقييم العوامل الاقتصادية الكلية، نجد أنها تتضمن عدة فروع منها النمو الاقتصادي الحقيقي المتوقع، السياسة النقدية، السياسة المالية، حالة سوق العمل، الميزات التنافسية، والمناخ الاستثماري العام بجانب عوامل اجتماعية وسياسية أخرى. ولربط عملية تقييم الاستثمارات المحتملة بسوق الأسهم، يجب أن يركز التحليل المالي والاستثماري على الربط بين أهداف المستثمر وإمكانياته بجانب المدى الزمني المصمم للاستثمار، فعلى سبيل المثال، إذا كان هدف الاستثمار في شركة معينة هو للمضاربة قصيرة أو متوسطة المدى فتحليل النمو الاقتصادي الحقيقي يجب أن يتمحور حول الدورة الاقتصادية أو دورة الأعمال Business Cycle لكونها تستمر بين ارتفاع وانخفاض في هذين المديين، ومن الضروري معرفة حالة الدورة الاقتصادية في وقت الاستثمار، بينما حين يكون هدف الاستثمار طويل المدى، فتحليل النمو الاقتصادي المتوقع، وبالتالي تضمينه في تحليل العوامل الاقتصادية الكلية يجب أن يتمحور حول النمو الاقتصادي الحقيقي المستدام على المدى الطويل.
ولكيلا يتشعب الموضوع، سنركز في هذه المقالة على النمو الاقتصادي الكلي المتوقع لكونه من أهم الفروع المؤثرة في العوامل الاقتصادية الكلية من ناحية ارتباطه وتأثيره المتبادل في الفروع الأخرى كالسياسة النقدية والمالية وسوق العمل، وغيرها. فمن نافلة القول إن تحليل النمو الاقتصادي يبنى أولاً على مراجعة المؤشرات الاقتصادية القيادية Leading Economic Indicators كأسعار الأسهم، عدد ساعات العمل، التضخم، أسعار الفائدة، القطاع العقاري، والائتمان المصرفي. ثانياً، المؤشرات الاقتصادية الآنية كمستوى الأجور، التغير في الناتج المحلي الإجمالي، والدخل الفردي. وثالثا، المؤشرات الاقتصادية التابعة Lagging Economic Indicators كمعدلات البطالة والتغير في المستوى العام للأسعار. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن المؤشرات الثلاثة السابقة يجب أن تختلف من اقتصاد لآخر تبعاً للهيكل الاقتصادي ومرحلة النمو الاقتصادي التي تمر بها كل دولة على حدة، فمن غير المنطقي سرد هذه المؤشرات الاقتصادية عند توصيف الاقتصاد السعودي دون تضمين حالة أسواق النفط، أو أن يتم اعتبار دور السوق المالية السعودية الناشئة بأدواتها غير المكتملة لحد الآن، وبمرحلة نضجها الحالية، كدور الأسواق المالية العريقة في اقتصاديات الدول الصناعية.
لا ريب أن أسعار النفط العالمية المستقبلية من أهم المؤشرات الاقتصادية الكلية للمملكة، إلا أن التنبؤ الدقيق للتحركات المستقبلية لأسعار النفط لهو أمر في غاية الصعوبة، ومحفوف بالكثير من الانحرافات الإحصائية والظروف التي تغير التوقعات بشكل جذري. لذلك أرى أن تحليل هيكل الائتمان المصرفي، نموه، وتوجهاته، يشكل أحد أهم المدخلات التي يجب أن يعتمد عليها تقييم النمو الاقتصادي المتوقع، خصوصاً أن قطاع الأعمال السعودي، وعلى الرغم من التوجه الخجول نحو السوق المالية كمصدر للتمويل، ما زال يعتمد بالدرجة الأولى على الائتمان المصرفي كالمصدر الأساس لتمويل المشاريع المستقبلية والنمو ويحتل في الوقت ذاته النصيب الأكبر في هيكل التمويل لقطاع الأعمال.
ولكون قرون الاستشعار والقراءة المستقبلية لقطاع الأعمال لا تخطئ إلا نادراً، وبالذات حين تلجأ إلى الاقتراض من المصارف الحريصة على ضمان استرجاع مبلغ الإقراض مشفوعاً بالفوائد، فقراءة في تغيرات هيكل الإقراض للبنوك السعودية وتحولاتها بين المدى القصير، المتوسط، والطويل، من شأنها أن توضح أفق ثقة قطاع الأعمال والنمو المتوقع للاقتصاد من التمويل الذي يتحصل عليه قطاع الأعمال، فقد بلغ مجمل الائتمان المصرفي قصير المدى عام 2001 نحو 113.5 مليار ريال، مشكلاً ما نسبته 60.5 في المائة من إجمالي الائتمان المصرفي، بينما شكل الائتمان المصرفي متوسط المدى في العام نفسه ما نسبته 17 في المائة مقارنة بالائتمان المصرفي طويل المدى الذي شكل نسبة 22.5 في المائة. وفي عام 2004، أي بعد بداية ارتفاع سوق الأسهم، شكل الائتمان المصرفي قصير المدى نسبة 58 في المائة من إجمالي الائتمان بانخفاض نسبته 2.5 في المائة، وصاحبه في ذلك انخفاض الائتمان متوسط المدى بنحو 4 في المائة ليصل إلى 12.9 في المائة، بينما ارتفع الائتمان طويل المدى ـ لأكثر من ثلاث سنوات ـ بأكثر من 6 في المائة ليصل إلى 29.1 في المائة من إجمالي الائتمان. واستمر التحول في حصة التمويل من المديين القصير والمتوسط إلى الطويل في العامين اللاحقين، لتنخفض نسبة الائتمان المصرفي قصير المدى إلى 55.6 في المائة من إجمالي الائتمان المصرفي، المتوسط المدى إلى 13 في المائة بارتفاع طفيف جداً، ومواصلة ارتفاع الائتمان طويل المدى إلى 31.4 في المائة. وعليه، فالتغيرات في هيكل الائتمان المصرفي واضحة، وتتجه بزخم نحو الائتمان المصرفي طويل المدى على حساب الائتمانيين القصير والمتوسط المدى، ما يشير إلى تنبؤ قطاع الأعمال بنمو محتمل للاقتصاد الكلي وبمساهمة هذا القطاع في النمو الاقتصادي الكلي المتوقع.
أخيراً، إن التنبؤ بالتغيرات الاقتصادية الكلية يجب أن يبنى على المؤشرات الخاصة بالاقتصاد قيد الدراسة، التي قد تتمايز عن المؤشرات الأخرى التي تستخدم في دول أخرى، فلكل اقتصاد خصائص تتعلق بمرحلة النمو، الأنظمة والقوانين، الموارد، الفلسفة الاقتصادية، وأدوات السياسات الاقتصادية المستخدمة. لذلك، من الأجدى أن يتم تصميم مؤشرات الاقتصاد القيادية، الآنية، والمستقبلية من قبل الجهات ذات العلاقة على أن يتم إثبات أهميتها وارتباطها بأداء الاقتصاد، وأن يتم إعلانها مطلع كل شهر لتحقيق المزيد من الشفافية الاقتصادية، التي من شأنها أن تكمل الأساس العلمي لتحليل مختلف القنوات الاستثمارية في المملكة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي