رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


متى يوجد نظام يمنع خرق شركات التأمين خصوصيات المواطنين؟

[email protected]

لقد سبق أن أشرت في أكثر من مناسبة ومن خلال هذه الزاوية، إلى أن تطبيق التأمين الصحي لم يسبقه التأكد من تكامل الأنظمة التي تعزز نجاح تطبيقه بأقل عدد من الضحايا. لا يعني ذلك أننا نبحث عن حلول مثالية بعيدة عن الواقعية لكن في الوقت نفسه علينا ضمان حد أدنى من الأنظمة والتشريعات التي تضمن حقوق المؤمنين صحيا. ولعل هذا المقال يستعرض إحدى القضايا الحرجة والحساسة التي لم يصدر لها تشريع واضح فمثلا هل يوجد نظام يمنع شركات التأمين من معرفة الجينات الوراثية للعملاء من أجل وضع تسعيرة وفق التاريخ الجيني للمرضى؟ وهل صدرت عقوبة رادعة بحق من يسيء استخدام مثل هذه المعلومات أو يبيعها؟
للأسف الشديد وبحد علمي - إلى تاريخ كتابة هذا المقال - لا يوجد نظام يمنع شركات التأمين من الاتفاق مع مستشفيات القطاع الخاص من أجل حصولهم على الجينات الخاصة بالمرضى لوضع تسعيرة تأمينية وفق التاريخ المرضي، علاوة على ذلك فلا توجد عقوبة رادعة على كل من يسيء استخدام مثل هذه المعلومات أو يتاجر بها!!
قد يقول قائل إن أخلاقيات المهنة تمنع هذا السلوك المشين لكن الالتزام بأخلاقيات المهنة لا يعتبر دستورا ونظاما كافيا فالالتزام بالأخلاقيات يعتمد بالدرجة الأولى على الأفراد وسلوكياتهم. لا يوجد لدي شكوك بأن نظاما سوف يصدر لاحقا لكن السؤال الأهم: متى سيصدر؟ وهل سوف يصدر بعد خراب البصرة كما يقال؟ أو بعد أن يتم تسريب الصفات الوراثية للمواطنين؟ وكيف نضمن بأن المعلومات الوراثية في مأمن ممن قد يعبث بها؟
لا شك أن الأمراض أو الأسرار الوراثية لها ارتباط بالجينات فنحن نعيش طفرة في علم الهندسة الوراثية فالأمراض الوراثية ومعرفة بواطنها وأسرارها من أهم ما تستهلك الميزانيات البحثية به لذا رصدت بعض الدول ميزانيات ضخمة لكشف ومعرفة الخريطة الجينية فمثلا في أمريكا تم رصد خمسة مليارات دولار لاكتشاف المزيد من الأسرار الجينية البشرية فكشف الخريطة الجينية للإنسان من أهم الاكتشافات التي تحققت خلال هذا القرن. هذا الاكتشاف الخطير دعا كلا من الرئيس الأمريكي بيل كلينتون ورئيس وزراء بريطانيا توني بلير في شهر أيار (مايو) عام 2000 إلى الإعلان عن تفاصيل الخريطة الجينية للإنسان أو ما يعرف بـ "مشروع الجينوم البشري". يقول مدير أحد أكبر المراكز العملاقة في أبحاث في هيوستون الدكتور ورج وينستوك وهو الشخص المسؤول عن مشروع الجينوم: "إن هذا الاكتشاف هو مقابل لاكتشاف الميكروسكوب الإلكتروني" فقبل اكتشاف الميكروسكوب الإلكتروني لم نكن نعرف أي شيء عن شكل أو تركيب الخلية، أو حتى عن وجود الجراثيم والميكروبات، وكما غير الميكروسكوب الإلكتروني مفهومنا الطبي فسوف يقوم هذا الكشف بتغيير وإحداث ثورة طبية لعدة قرون مقبلة.
لا شك أن معرفة المزيد من الأسرار الجينية تحقق الكثير من المصالحة الطبية، خصوصا فيما يتعلق بالأمراض الوراثية بدليل ـ كما ذكر العلماء- أن الكشف عن 20 في المائة من حروف الشريط الوراثي أدى في حينه إلى تصنيع ما يقرب من 100 دواء مختلف كعلاج للعديد من الأمراض الناشئة عن خلل في الجينات خلال الـ 20 سنة الماضية. كما أن فك الشفرات الوراثية يسهم بشكل إيجابي في فك الشفرة الوراثية مما يسهم بإيجابية في علاج العديد من الأمراض المستعصية كالسرطان والقلب وغيرها.
في الجانب المقابل، فإن معرفة الأسرار الجينية خطيرة جدا. فمثلا لن تضطر شركات القطاع الخاص مستقبلا عند معرفتها بالأسرار الجينية لموظفيها إلى عمل الفحص الطبي قبل التعيين فالأسرار الجينية ومعرفتها أهم من إجراء فحص طبي لا يعطي بالضرورة كل المعلومات الطبية المطلوب توافرها عن الموظف الجديد.
كما أن شركات التأمين ستحقق أرباحا خيالية بمجرد معرفتها بالجينات الوراثية للمؤمنين. فلن تكون مضطرة إلى معرفة التاريخ التأميني السابق أو إلى إجراء التحليل الطبية الروتينية لأن الجهالة في هذه الحالة محدودة. كما أن التأمين على الحياة سيكون وفق معلومات حاضرة وبعيدا عن الجهالة التي تحاول شركات التأمين التخلص منها أو تقليلها بقدر الإمكان.
نحن بحاجة لإصدار نظام وقانون يمنع المتاجرة بها كما يحدد عقوبات رادعة لكل من تسول له نفسه بمثل هذا السلوك المشين فهل نرى في القريب العاجل قانونا أو تشريعا يمنع إساءة المتاجرة بأسرارنا الطبية؟ كما يفرض عقوبات جسيمة على كل من تسول له نفسه المتاجرة بالمعلومات الوراثية؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي