رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


إفشاء المعلومات الشخصية أبسط حقوق الإنسان واقتصاد الوطن ما هو عقابها

[email protected]

مجتمع مسلم ينهى عن المنكر ولكنه قد لا يركز على أهم المنكرات. الستر على عورات الآخرين وعدم إفشاء أسرارهم والنميمة أو متابعة الطائشين المسرعين بسياراتهم الذين يقتلون النفس التي حرم الله بدون حق. وما يهمني هنا هو معلوماتنا الشخصية وما يراه أحيانا المواطن من انتهاك للخصوصية وسرية المعلومات الخاصة به من قبل بعض موظفين مرتزقة وما يقومون به من إفشاء بعض أسرار المواطنين وعائلاتهم أو استثماراتهم أو شركاتهم ومن دون مبالاة. مما يجعل المواطن يتردد أحيانا عن إعطاء بعض المعلومات الشخصية الصحيحة. حيث يقوم بعض ضعاف النفوس بالحصول على معلومات عن المواطنين بسهولة عن طريق أخذ رقم سيارات من يودون معاكستهم أو التحرش بهم لمعرفة اسم العائلة وأرقام هواتفهم لمعرفة مواعيد سفر العائلة وأسمائهم ومن ثم التخطيط لسرقة منازلهم. لذلك فإن الدخول إلى مصادر المعلومات وإن كانت الدولة تمنع وتحافظ على سريتها أصبح مستهانا به من قبل بعض الذين لا يبالون بذلك لعدم وجود رادع أو نظام تأديبي يردعهم في الوقت الذي نرى فيه معظم دول العالم تهتم بسرية المعلومات الشخصية للمواطنين وتعتبر أن كل مواطن له الحق في رفع دعوى قضائية على المخالفين ومقاضاته بالسجن والغرامات المالية الكبيرة.
نحن نعاني معاناة شديدة من تلك التعديات على حقوقنا التي هي من أبسط حقوق الإنسان بينما ينتهكها بعض إخواننا من المواطنين باستهتار شديد، فمتى نردع هؤلاء ويكون لهم عقاب قاس ليتعض الآخرين.
إن الاستهتار بقيمة المعلومات والتهاون في حمايتها، إضافة إلى ما يترتب عليه من خسائر وأضرار اجتماعية يجعلنا لا نعطي المعلومات الصحيحة والدقيقة. لذلك فهو يسبب الاستهتار بمدى أهمية المعلومات كأساس للإحصاءات (تعداد السكان) وتوحيدها ضمن قاعدة معلومات دقيقة عن السكان كأساس لأي عمليه تخطيطية. وبذلك فإن خسارتنا مضاعفة ليس على المجتمع فقط بل على الاقتصاد والتخطيط المستقبلي. فالمعلومة هي أساس وعماد الاقتصاد والاستهتار بها هو استهتار بالاقتصاد والوطن. والإحصاءات ليست مقصورة على تعداد السكان فقط وإنما تشمل معظم المعلومات الشخصية عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للأفراد والمؤسسات. وهي من أهم الثروات الوطنية التي تساعد على إثراء البحث العلمي التي من دونها لا يمكن الاعتماد على صحة أي ما ينشر عن النمو السكاني أو الاقتصادي ولا يمكن رسم سياسات مستقبلية واضحة. ومن دونها لا يمكن لأي كان أن يصرح بأي توقعات سكانية أو اقتصادية سليمة. حيث إن هذه التوقعات قد لا تكون مبنية على معلومات صحيحة أو لم تستخرج بأساليب وطرق الإحصاء العلمية الدقيقة. وإن أي خطأ ولو كان صغيراً يلغي صلاحية هذه التوقعات.
أرى أنه لا بد من إعطاء هذا الموضوع حقه من الاهتمام وأن نسخر ما نستطيعه من الحملات والندوات العامة لتوعية المجتمع إلى أهمية إعطاء المعلومة وأنها ستكون محمية. وإلى ضرورة تسخير مقدراتنا لبنك أو قاعدة موحدة للمعلومات ومركز للأبحاث ولتحري الدقة في المعلومات وإعادة تمحيصها والتأكد من طريقة جمعها بأسلوب علمي يخدم الأبحاث. وبذلك سيتعاون الجميع مع موظفي الإحصاءات للتعداد الوطني وما تطلبه الجهات الرسمية. وأن نحاول أن نتغلب على بعض الممارسات الخاطئة للعملية الإحصائية التي تؤثر على جدواها للتخطيط المستقبلي سواء في دقتها أو طريقة التعامل معها تخطيطياً. فقد دأبت الدولة على الاهتمام بعمليات الإحصاء ولكن هذه العملية ما زالت ممتهنة من الطرفين.
الطرف الأول: مسؤولية المواطن
بعض الأفراد ليس لديهم الوعي اللازم بأهمية المعلومة ولا يخشى ما وضحته أعلاه من امتهان لها. وبذلك لا يساعد على إعطاء المعلومات الدقيقة المطلوبة بكل صراحة. أو اللجوء إلى بعض الممارسة الخاطئة والخدع التي يقوم بها بعض بالنزوح من المدن إلى قريتهم التي ينتمون إليها في وقت التعداد فقط مع أنه سبق تعدادهم في المدينة وبذلك يتم حسابهم مرتين مما يجعل عدد سكان المملكة غير صحيح ومبالغا فيه. ويكبد الدولة تكاليف لاحتياجات غير طبيعية وفوق طاقتها. أو عدم إعطاء المعلومة الصحيحة عن الدخل أو عدد الزوجات والأولاد أو غيره من المعلومات الخاصة بسبب خوفه من إطلاع غيره عليها.
الطرف الآخر: مسؤولية الدولة
ما يراه أحيانا المواطن من انتهاك للخصوصية وسرية المعلومات الخاصة به من دون معاقبة من ينتهكها. وعدم صرف ميزانية وحملات للتوعية بأهمية المعلومات. وتبني مراكز الأبحاث وقاعدة المعلومات.
إن تبعيات هذه الظاهرة خطيرة فهي تعطل الحصول على معلومات دقيقة، ما يؤثر في صحة التوقعات السكانية التي تعاني أساسا من عدم إلمام المسؤولين بتأثيرات المتغيرات المستقبلية عليها. وهذا ما يجعلنا عاجزين عن حل مشاكل الإسكان والسبب عدم معرفتنا الحقيقية لتعداد السكان وفئاته. فتخرج توقعات وزارة الاقتصاد والتخطيط بأرقام متضاربة مع مؤسسة النقد والهيئة العليا لتخطيط منطقة الرياض وغيرها من الجهات الخاصة مثل إحصاءات "سامبا" وبعض شركات العقار. فالتوقعات السكانية عادة تبن على أساس معدلات النمو الطبيعي للسكان (الفرق بين الولادة والوفيات) ومعدلات الهجرة والجذب إلى المدن. وبذلك فإن أي تغير في إعطاء المعلومة، إضافة إلى أي تغير اجتماعي في مستوى الإنجاب أو لجوء الجيل الجديد إلى تحديد النسل نوعاً ما أو تأثير الظروف الاقتصادية في تأخير سن الزواج قد يؤثر في معدل الولادة، أو تميز مجتمعنا بكثرة الحوادث المرورية المميتة يلغي صحة التوقعات المستقبلية للسكان. فالتوقعات السكانية تتأثر كثيراً بتغير القرارات الاقتصادية أو الاجتماعية. فقرار الدولة أخيرا إنشاء المدن الاقتصادية الجديدة في مناطق معينة خارج المدن الرئيسية وإعطاء مغريات مجزية لإيجاد فرص عمل فإن ذلك يسبب هجرة من المدن الرئيسية وبذلك فإن جميع دراساتنا وتوقعاتنا الحالية مختلة وجميع تلك التوقعات تحتاج إلى إعادة دراسة وفق مدى تأثير تلك المدن في متطلباتنا المستقبلية.
وتكمن أهمية المعلومة في مدى الاستفادة منها لتلبية حاجة كل شريحة من شرائح العمر وإعطائها متطلباتها المستقبلية فالأطفال الذين يولدون اليوم سيحتاجون إلى مدارس ابتدائية بعد 6 إلى 7 سنوات ثم متوسطة وثانوية ومعرفة هذه الأعداد لكل سنة مستقبلية مما يساعد الدولة على وضع خطط أدق وطويلة المدى لبناء المدارس وتوسعة الجامعات ومعرفة التخصصات التي تتطلبها كل سنة مستقبلية وبحيث لا يوفر أكثر أو أقل من المطلوب. وعلى غرار ذلك يتم تحديد الاحتياجات من المراكز الصحية والاجتماعية وغيرها. فلو توقعنا على سبيل المثال أن هناك نموا عاليا للسنوات المقبلة للشباب من أعمار 20 إلى 25 سنة (وهي مرحلة الزواج) في ضوء ركود اقتصادي فإننا يجب أن نخطط من الآن لتوفير كمية هائلة من المساكن الصغيرة (الفلل المتلاصقة) أو الشقق حسب تغير الظروف الاجتماعية وتقبل الجيل الجديد لها. يلي ذلك الحاجة إلى دور حضانة والتركيز على توفير العيادات الطبية لأمراض النساء والولادة. لذلك فإن دراسة التوقعات السكانية المستقبلية ونوعيتها هي أساس التخطيط لتلبية الخدمات والبنية التحتية المستقبلية لأي مدينة.
لذلك فإن عدم حماية المعلومات وإعطائها خصوصيتها وردع من ينتهكها سيؤثر في الاستفادة الفعلية من جمع وتوحيد المعلومات الإحصائية، وهو أحد أهم المواضيع الأساسية للتحكم في حجم التنمية ووضع التخطيط المدروس لتحديد الأهداف المستقبلية للدولة. وتأخرنا في ذلك سيجعلنا ندفع الثمن غالياَ مستقبلاّ.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي