توحيد وبناء .. شعار يجب ترسيخه في أذهان شباب اليوم والغد
لقد كنت ولا أزال معجبا إلى حد كبير بشعار المئوية اللفظي "توحيد وبناء" فهو يلخص ببساطة أن المملكة العربية السعودية قامت على جهود رجال مخلصين بذلوا الغالي والنفيس والتضحيات العظام من أجل التوحيد، كما أنها قامت على جهود رجال مخلصين آخرين من أجل البناء في عملية مستمرة تنتقل تلقائيا من الأجداد إلى الآباء ومن ثم إلى الأحفاد وهكذا، فمن فاته شرف التوحيد فعليه أن يغتنم الوقت لكي لا يفوته شرف البناء.
ومنذ ترسخ هذا المفهوم في عقلي وأنا أوجه كل جهودي باتجاه البناء طلبا لنيل شرف المساهمة في بناء وطني، وإن كانت مساهمتي غير ظاهرة للعيان، لكني كلي ثقة بأن جهدي البنائي مع جهد زملائي في العمل وجهود الأخوة المواطنين كل من موقعه سيكون بناء تراكميا ظاهرا للعيان يشهده ويلمسه كل مواطن ووافد وزائر، وهذا بفضل الله ما تحقق حيث نرى بلادنا وهي تثب إلى مصاف الدول المتقدمة رغم المشكلات والعوائق التي تعترض مسيرتها.
يقول لي أحد الأصدقاء إن الأيام تمر علينا بسرعة مهولة وكأننا لا نشعر بالوقت، فقلت له إن ذلك من كريم العيش وسهولته، ذلك أن السنوات الطويلة السعيدة تمر كلحظات بينما اللحظات القصيرة المملة والمؤلمة تمر كسنوات، وإن كريم العيش الذي نسعد به اليوم لم يكن لولا فضل الله ثم الجهود الكبيرة التي بذلتها الحكومة في مسيرة التنمية حتى بات المواطنون ينعمون بالأمن المفقود في مرحلة ما قبل التوحيد، وينعمون بالمسكن الملائم المزود بجميع الخدمات الضرورية وحتى الكمالية بعد أن كانوا يسكنون في أبسط صيغ السكن (بيوت الطين والشعر)، كما ينعمون هم وأبناؤهم بكل الخدمات الأساسية من تعليم وعلاج وطرق بعد أن كانوا فريسة الجهل والمرض. نعم، لقد كان الوقت يمر طويلا على أجدادنا الذين يمضون الساعات الطوال تحت لهيب شمس الصيف وقرص برد الشتاء، من أجل لقمة عيش أو شربة ماء في بيئة تفتقد أبسط قواعد الأمن.
أنا ومن هم في عمري الذين عشنا أواخر أيام ضنك العيش، كما عشنا هذه الطفرة الاقتصادية والحضارية حتى بتنا لا نستطيع ملاحقة التطور الثقافي والحضاري، نعرف تمام المعرفة ماذا يعني التوحيد والبناء، ونعرف تماما الجهود الكبيرة التي بذلها المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - رحمه الله - وأبناؤه البررة من بعده ورجالهم الأوفياء، وما نتج عن تلك الجهود من نتائج فاقت كل التصورات حيث حققوا أكبر تجربة توحيد ناجحة في المنطقة بعد أن جعلوا من الأقاليم المتفرقة والمتنازعة بلدا موحدا، وجعلوا من أبناء البادية والقرى رجال دولة بعد أن سلحوهم بالعلم والمعرفة.
لكن أبناءنا الذين يشكلون اليوم أكثر من 65 في المائة من السكان ولدوا في نعيم العيش ولم تترسخ في أذهانهم معاني التوحيد والبناء ولم يدركوا الجهود المضنية التي بذلت للوصول إلى ما نحن فيه من نعيم وتقدم في وقت قياسي، وهذا ما جعلهم يظنون أن الوضع الذي يعيشونه اليوم هو وضع طبيعي لا استثنائي، وأن الحكومة مقصرة كونها لم تصل إلى ما وصلت له الدول الغربية المتقدمة متناسين أهمية عامل الزمن في التطور الحضاري، ومتناسين أنهم جزء مهم في تحقيق النهضة الشاملة والمستدامة باعتبارهم القوة الدافعة للوصول إلى مصاف الدول الغربية المتقدمة، فكل ما يريدونه حلول جاهزة دون أن يبذلوا استحقاقات التقدم.
جزء من شباب الوطن - وللأسف الشديد - يريد أن يحمّل بلادنا ما لا طاقة لها به، إذ يريد أن تعالج المملكة العربية السعودية جميع القضايا العربية والإسلامية الساخنة، ويريد من المملكة أن تكون في وجه المدفع في التصدي لجميع خطط الأمم الأخرى في العالمين العربي والإسلامي، ويريد لها أن تتصدى لهذه القضايا بالتحدي والقوة والصدام مهما كانت النتائج، فهم غير راضين تماما عن الدور الذي تلعبه بلادنا في التصدي لهذه القضايا بحكمة وعقلانية بالتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة، وهذا ما جعلهم يشكلون الخلايا الإرهابية بهدف القيام بهذه المهمة وبالطريقة التي يريدون والتي لا تخرج عن لغة الصدام والتدمير داخليا وخارجيا.
ما الحل إذن لتعود هذه الفئة عن ضلالها ولكيلا ينزلق المزيد من شبابنا في فكرها وسلوكها التدميري، أعتقد أن الحل يقتضي تعزيز مفهومي التوحيد والبناء لحث شباب اليوم وشباب الغد على المساهمة في البناء لينالوا شرف بناء الوطن ليكون مثالا ونموذجا للنهوض والتقدم، وليكون من القوة بمكان ما يمكنه من الحفاظ على المكتسبات ودعم القضايا الوطنية والعربية والإسلامية، مع مراعاة أن يكون تعزيز مفهومي التوحيد والبناء بلغة عصرية إيجابية عقلانية محببة ابتكارية غير تقليدية ليرسخ هذان المفهوان في أعماق عقول شبابنا ليتحولوا إلى طاقات جبارة في البناء والعطاء والإنتاج من أجل بلد عزيز كريم رفيع المستوى ينعم بالعيش فيه أبناؤنا وأحفادنا.