رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


المؤسسة العامة للتعليم الفني قواعد تدريب أم جباية؟

يلعب التدريب دورا جوهريا في إحداث التحولات النوعية لعمليات التنمية باعتباره المصدر الأساسي لتكوين الخبرة العملية وصناعة المهارات للقوى البشرية وتأهيلها وشحنها بالطاقة الخلاقة لتحقيق الميزة التنافسية لها سواء في كفاءة الأداء أو جودة المنتج أو فرادته.
غير أن أصداء ما يعانيه أصحاب مراكز التدريب الأهلية (ولست منهم!!) مع المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني في التراخيص والشروط لا يخدم هذا الهدف. فنظرة فاحصة إلى "لائحة التدريب في منشآت التدريب الأهلي" وإلى مدونة "القواعد التنفيذية" لتلك اللائحة تضعنا أمام حشد من الفقرات والشذرات فيها العجب العجاب، وإن كان أبرز ما يلفت الانتباه هو الحرص والتهافت على "جباية" الرسوم والضمانات والغرامات وما أكثرها وما أعلاها!!
هل تريدون أمثلة؟ دونكم التالي: رسوم ترخيص، رسوم تجديد ترخيص، رسوم خروج ممثل المؤسسة، رسوم اعتماد دورة، رسوم فتح فرع، رسوم الإشراف على امتحان، رسوم التصديق على أوراق، رسوم التصديق على شهادات، رسوم إصدار بطاقة، تحديثها، تجديدها، رسوم قيمة إضافة نشاط، رسوم قيمة اعتماد البرنامج، وغرامات عديدة، لعل أغربها: تغريم الجهة إذا لم تتقدم لتجديد تراخيصها قبل انتهائه بستة أشهر، علما أن المؤسسة بالكاد تنهي إجراءات الموافقة على منح ترخيص أو تجديده في مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر!!
لا أدري لماذا هذه الشهية المفتوحة للرسوم والغرامات والضمانات وأي تبرير يقف ـ مثلا ـ خلف دفع رسوم لزيارة مندوب المؤسسة للمركز التدريبي؟ هل يطالب بذلك مندوبو صندوق التنمية العقارية؟ أو مندوبو وزارة التجارة والصناعة، وزارة الصحة، وزارة البلديات..إلخ؟ طبعا لا.. فما "حكمة" تمييز مندوب المؤسسة بهذه الفضيلة؟!
ولو كانت الرسوم والغرامات والضمانات "رمزية" لكان ذلك أمرا مفهوما، أما أن تكون من نوع: خمسة آلاف ريال لزيارة المقر لأول مرة، خمسة آلاف ريال لمعاينة المبنى والتجهيزات مع إضافة ألف ريال لكل برنامج، وثلاثة آلاف ريال لنقل الملكية ورخصتها، في حين تراوح أجور الحقائب التدريبية بين 1500 و2000 ريال، أما أجور الإشراف الإداري والفني فمن 5000 إلى 1000 ريال وبعضها يضاف إليها 100 ريال لكل متدرب, في حين تبلغ أجور متابعة الاختبارات من 200 إلى 100 ريال لكل متدرب و200 ريال أو 50 ريالا لكل إعادة اختبار حسب الدورة، وإذا ألقينا نظرة على الضمانات البنكية المطلوبة لوجدناها تنحصر بين 250 و50 ألف ريال، مع حجز المبلغ لمدة خمس سنوات وتمتع المؤسسة بصلاحية مصادرة الضمان أو جزء منه إذا دعت الحاجة إلى ذلك!!
والسؤال الذي يطرح نفسه: إلى أي حد يحق للمؤسسة أن تفرض هذه "الجبايات" المالية بهذا الحجم؟ ومقابل ماذا؟ ألمجرد تخليص إجراءات روتينية؟ أم لتقييم برامج ودورات تدريبية لا تملك المؤسسة نفسها – بعد - الكوادر المؤهلة لتقييمها سواء من حيث عدد الموظفين المنوط بهم القيام بهذه المهمة أو من حيث التخصصات, وليست لديها تلك الجمعيات المهنية القادرة على الحكم في القيمة العلمية والمعرفية لبرامج مألوفة، فما بالنا والسوق زاخرة بمراكز عديدة وببرامج نوعية يشير إليها عدد الوحدات التدريبية، (مركز، معهد..) تجاوز 729 وحدة أهلية مقابل نحو 114 وحدة حكومية، بعضها تخطى النسق التقليدي في التدريب إلى ما هو حداثي، فهناك الإدارة الذكية ومثلها في التسويق، المحاسبة، الإحصاء، البحوث العلمية، التوجيه الأسري، برامج التعليم بكل تجلياته، انفجارات عالم النجاح بكل أشكاله، فضلا عن عالم تقنية المعلومات والاتصالات وما يتصل به من مهارات في لغات البرمجة المختلفة وتحليل النظم وفي الشبكات وتصاميم المواقع والمواد الإعلامية والإعلانية وغيرها كثير.
كيف تستطيع المؤسسة النهوض بذلك وهي التي أمضت ربع قرن من الزمن لم تستطع خلاله إيجاد كوادر من المهنيين والصناعيين والتقنيين رغم كل الأموال التي ضخت فيها؟ وكان بإمكانها أن تجعل من البطالة رقما لا يذكر وأن تجعل من معزوفة مواءمة مخرجات التعليم لاحتياجات التنمية واقعا حيا لا تدحضه هذه الجموع الغفيرة من العمالة الوافدة من وراء البحار. إذ لا يخفى أن مؤسسات شبيهة في العالم هي التي حملت على أكتافها بزوغ شمس الأمم الصناعي!!
أعرف، طبعا، أن تراكم سلبيات إدارة سابقة لا تحمل وزرها إدارة لاحقة، إنما يظل من الضروري جدا ألا تتورط هذه الأخيرة في مطبات بيروقراطية من نوع ما ورد في اللائحة وقواعدها التنفيذية من فقرات تعكس في مجملها الرغبة في التحكم والإشراف والإجازة فضلا عن جباية الأموال فيما المنتظر أن يكون دور المؤسسة محصورآ في الدعم والمساندة المعنوية العلمية، المعرفية والفنية وأن تترك التدريب لامتحان المنافسة في السوق، فمن لديه ميزات متفوقة سوف يبقى أما غير القادر فالسوق وحده كفيل بإخراجه، بل كان الأجدى لو أن المؤسسة فسحت المجال كله أمام استثمارات مراكز التدريب الأهلي لا أن تنافسها وتخص نفسها بأسعار تفوق أسعار المراكز الأهلية بكثير أو على الأقل ألا تقف لها إجراءاتها الروتينية بالمرصاد عند تقييم برامج لم تخطر لها على بال أو عند إجراءات التراخيص وألا تثقل كواهلها بالجبايات التي تسد شهيتها عن الاستثمار في التدريب، فهل نحن عن كل ذلك منتهون؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي