بلوسي تطعن العرب من الخلف وتقرر محاكمة أوبك

[email protected]

ما زال المحللون السياسيون يحاولون فهم تصرفات نانسي بلوسي، رئيسة الكونجرس، والتي تضمنت رحلة شرق-أوسطية في بداية شهر نيسان (أبريل) الماضي مرت بها على السعودية، أكبر عضو في أوبك. في الوقت نفسه أعلنت عن رغبتها في إجراء مباحاثات مباشرة مع إيران، ثاني أكبر منتج للنفط في "أوبك". حاولت بلوسي أن تظهر بمظهر "المنفتح" الذي سيرمم ما هدمه بوش، ولكنها في الحقيقة أثبتت أنها تبتسم ثم تطعن من الخلف.
في الأسبوع الماضي وافق الكونجرس بأغلبية 345 إلى 72 صوتاً، على مشروع قانون يقضي بمحاكمة دول أوبك بتهمة الاحتكار، والذي صوتت له بلوسي. كيف يمكن لها أن تبني علاقات مع السعودية وإيران ثم تتبنى قانوناً يقضي بمحاكمة هذه الدول؟
في تعليقها على إجازة الكونجرس لهذا القانون قالت بلوسي "إن المستهلك الأمريكي يجب ألا يكون تحت رحمة منظمات احتكارية أجنبية والتي تتآمر لتحديد الأسعار والإنتاج. هذه المنظمات والوحدات الاحتكارية التي تسيطر عليها الحكومات، والتي تسيطر على أكثر من ثلثي كمية النفط المتاجر به عالمياً، تتفادى المحاسبة عن طريق ادعائها بأن لديها حصانة من قوانين محاربة الاحتكار. مشروع هذا القانون يوفر أداة أساسية (لمحاربة الاحتكار) عن طريق إعطاء الصلاحية لوزارة العدل لمحاكمة أعضاء هذه المنظمة الاحتكارية في المحاكم الفدرالية". طبعاً المقصود بـ"المنظمات والوحدات الاحتكارية التي تسيطر عليها الحكومات" هي أرامكو السعودية، وشركة النفط الكويتية، وغيرها من شركات النفط الحكومية.

الجهل.. أكبر مما نتصور واللوم يقع على العرب
ننظر إلى الولايات المتحدة على أنها الدولة العظمى والأكثر تقدماً في العالم. من هذا المنطلق يفترض كثير منا أن أعضاء الكونجرس شخصيات فذة تتمتع بوعي وإدراك يفوق متوسط وعي وإدراك الفرد الأمريكي. ولكن الواقع غير ذلك، فجهلهم بالعرب وقضاياهم لا يخفى على أحد، وأحد أسباب الجهل هو تقصير الدول النفطية في نشر الحقائق المتعلقة بالنفط، وتجاهلها للأثر الإيجابي لتوعية الساسة الأمريكيين والشعب الأمريكي بها وبمصالحها النفطية.
في اجتماع عقد في دبي منذ نحو ثلاث سنوات ضم الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون وكبار رجال الأعمال في المنطقة، أشار كلينتون إلى ضرورة تحرك الدول العربية على عدة مستويات, مشيراً إلى أن اللوبي العربي في واشنطن ضعيف جداً ملقياً باللوم على تقاعس العرب. استدل كلينتون ببعض الحقائق على ضرورة تحرك العرب في واشنطن منها أن نحو 5 في المائة فقط من أعضاء الكونجرس يحملون جوازات سفر، الأمر الذي يعني أن الأغلبية لم تسافر خارج الولايات المتحدة ولا يعرفون إلا القليل عن العالم الخارجي.

ما أشار إليه كلينتون لا يرتبط بالجهل بالمعلومات فقط، وإنما يرتبط بالمنهج وطريقة التفكير أيضاً. ففي يوم الثلاثاء الماضي اتصلت بي مساعدة أحد أعضاء الكونجرس تسألني عما يمكن أن تفعله إدارة الرئيس جورج بوش لتخفيض أسعار البنزين في الولايات المتحدة، والتي ارتفعت إلى مستويات قياسية في الأسابيع الأخيرة. ذكرت المساعدة في مكالمتها أن حديثنا سيستغرق بعض الوقت حيث إن "عضو الكونجرس" سيقوم بإلقاء خطاب في الكونجرس مساء ذلك اليوم ويود معرفة آراء الخبراء. ما أن بدأت بالإجابة عن السؤال الأول حتى شعرت بأنها لم ترتح إلى إجابتي على الإطلاق، واكتشفت أنها تريدني أن أقول ما يريدونه هم. ثم قامت بقطع المكالمة بسرعة لأن إجاباتي لم تتناسب مع ما يريدون. اتضح لي من المكالمة أن "معاليه" ضد "أوبك" وسيصوت مع القانون الداعي لمحاكمة أوبك. لذلك قرر البحث عن دعم لما سيقوله بغض النظر عن "الحقيقة".
ماذا يريدون؟ إنهم يبحثون عن "الخبراء" الذين يقولون بأن على إدارة بوش أن تضغط على دول الخليج لزيادة إنتاج النفط، حتى تنخفض أسعار البنزين. يريدون أن يوضحوا أن الأسعار مرتفعة بسبب قيام "أوبك" بتخفيض الإنتاج، الأمر الذي يعطيها صفة "الاحتكار"، والقانون الأمريكي يمنع الاحتكار. ولكن الحقيقة أن زيادة الإنتاج، حتى لو كان ذلك ممكناً، لن يخفض أسعار البنزين في الولايات المتحدة لأسباب عدة أهمها أن ارتفاع أسعار البنزين في الولايات المتحدة في الفترات الأخيرة لا علاقة له بأسعار النفط، وإنما يعود إلى مشكلات المصافي الأمريكية والتي منعتها من تكرير كميات إضافية من النفط. إن زيادة الإنتاج تعني تراكم النفط الخام وعدم رغبة المصافي في شرائه، وذلك لعدم وجود قدرة تكريرية لديها.

ماذا يريدون؟ يريدون أن يظهروا بمظهر المنقذ للمستهلك الأمريكي المسكين، أكبر مستهلك للطاقة في العالم، وصاحب أحد أعلى الدخول في العالم. هناك العديد من الحلول التي يمكن للديمقراطيين، الذين يسيطرون على الكونجرس حالياً، تبنيها لزيادة إنتاج النفط الأمريكي وزيادة كميات البنزين في الولايات المتحدة. يمكنهم تغيير القوانين بهدف السماح لشركات النفط بالتنقيب عن النفط في المناطق الممنوعة في كاليفورنيا وفلوريدا وكولورادو وألاسكا. يمكنهم تغيير القوانين مؤقتا للسماح للشركات باستيراد نوعيات معينة من البنزين ممنوعة حالياً. يمكنهم تغيير القوانين مؤقتاً بحيث تسمح للمصافي بإنتاج البنزين بكميات أكبر. إلا أن المشكلة أن كل ما سيرفع من إنتاج النفط والبنزين يتنافى مع ما يدعيه الديمقراطيون من حماية للبيئة، لذلك كانت "أوبك" هي المشجب الذي علقوا عليه أخطاءهم التشريعية وما نتج عنها من عجز في إمدادات البنزين.

لقد فشل الديمقراطيون فشلاً ذريعاً في معالجة مشكلات الطاقة في الولايات المتحدة. فهذه المشكلات كلها داخلية ولا علاقة لها بـ "أوبك" ابتداء من مشكلات الكهرباء في كاليفورنيا، مروراً بالعجز في إمدادات النفط والبنزين التي نتجت عن إعصاري كاترينا وريتا، وانتهاء بالقانون الذي أجبر المصافي على مزج البنزين بالإيثانول. أوبك لا علاقة لها بالأزمة. إن مشروع قانون محاكمة "أوبك"، حتى لو وافق عليه الرئيس الأمريكي، لن يكون له أي أثر في حل مشكلات الطاقة الأمريكية لأنه لا علاقة له بالمشكلة.
أوضحت الأحداث فشل بلوسي في فهم العلاقات الدولية والآثار التي يمكن أن تترتب على تبني قوانين لها انعكاسات كبيرة على السياسة الخارجية للولايات المتحدة. فقدت بلوسي مصداقيتها عندما حاولت أن تظهر بمظهر "السياسي الدبلوماسي العالمي" عندما قامت بزيارتها المشهورة للشرق الأوسط، ثم قامت بتبني قانون يناقض ما تظاهرت به. ولعل ما كتبه جيري تايلور وبيتر فان دورين، الخبيران في معهد كاتو في العاصمة الأمريكية، يعبر عن مقدار التخبط في السياسة الأمريكية حيث كتبا مقالاً نشر مؤخراً ساخرين من مشروع قانون محاكمة "أوبك" "بالطبع، من الممكن أن يتم تطبيق قانون محاكمة أوبك متى أتيحت الفرصة. فيمكن مثلاً أن يقوم الجنرال ديفيد برتايس، في اليوم التالي من تبني القانون، برفس باب المبنى الذي يقيم فيه الرئيس العراقي نوري المالكي، ثم يقوم بمحاكمته بسرعة وسجنه بسبب مشاركة العراق في مؤامرة "أوبك" الإجرامية".. ثم استمر الكاتبان في السخرية من القانون, ذاكرين كيف يمكن لشرطة تكساس اعتقال زعماء "أوبك" عندما يأتون لزيارة الرئيس الأمريكي.

خلاصة الأمر، أصبح دعم نشر الثقافة النفطية داخلياً وخارجياً ضرورة وطنية، فهل من من مجيب؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي