البحث عن خبراء
علقت صحيفة "الفاينانشيال تايمز" قائلة إن الصناعة النفطية المتخمة بالخبراء في القضايا المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط تحتاج إلى تربية خبراء في قضايا القارة الإفريقية، والإشارة إلى هجوم المتمردين على شركة صينية تعمل في إثيوبيا، ومقتل تسعة من العاملين الصينيين واختطاف خمسة، هذا إلى جانب الانتخابات الرئاسية النيجيرية التي أدت إلى رفع سعر البرميل بنحو 3 في المائة في يوم واحد، وهو مؤشر أصاب الكثير بحالة من القلق، كما أنه يوضح الحاجة إلى محللين وخبراء استراتيجيين يمكنهم شرح ما يجري في مختلف دول القارة، ومعنى ذلك بالنسبة للصناعة المتلهفة لمعرفة كل شيء وتأثيره على إمدادات النفط وأسعاره.
وبصورة عامة يبدو أن هذا الوضع ليس مستغربا، فالصناعة النيجيرية ولدت من رحم الحرب الأهلية وانفصال بيافرا في ستينيات القرن الماضي، ومناطق مثل أنجولا التي انضمت أخيرا إلى منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) عانت ولا تزال تعاني من ذيول الحرب الأهلية، بل حتى السودان المنضم حديثا إلى نادي الدول المصدرة للنفط وكذلك تشاد يعانيان من اضطرابات سياسية وأمنية أدت عمليا إلى التغطية على مختلف جوانب تطور صناعتهما النفطية والتركيز على ارتباطاتها السياسية والأمنية.
لكن للأمر جانب آخر، فالتركيز على إفريقيا لتكون مصدرا لإمداد السوق بحاجتها بسبب أن تكون إفريقيا بديلا لنفط الشرق الأوسط. وفي تقدير أصحاب هذه الاستراتيجية أن إفريقيا تمتاز بشيئين، أولهما أنها ليست معنية بالصراع العربي ـ الإسرائيلي، وهو الذي ارتبط بالصناعة النفطية، كون المنطقة صاحبة المخزون الأكبر، كما أن صادراتها إلى الأسواق تمر عبر المضايق وهذه قابلة للإغلاق لأي سبب من الأسباب، والشواهد كثيرة وعديدة بسبب الأزمات المتلاحقة التي تعاني منها مختلف دول منطقة الشرق الأوسط، وأدت فيما أدت إليه إلى حدوث الحظر النفطي الذي لا تزال الذاكرة الغربية عامرة به وتسعى إلى عدم تكرار تلك التجربة بأي ثمن.
ومن البدائل المنظورة اللجوء إلى خيارات أخرى خارج المنطقة، فالنفط الإفريقي، خاصة ذلك المتجه إلى الأسواق الأمريكية من غرب القارة، ليس بينه وبين المستهلكين إلا مياه المحيط. الفكرة القديمة لقيت رواجا أخيرا بسبب تحسن فرص وجود مكامن نفطية في العديد من دول القارة، كما أن أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، تمثل إضافة الهاجس الأمني. ولهذا تصاعد الاهتمام بالمنطقة لدرجة التفكير في إقامة قيادة عسكرية خاصة بإفريقيا تكون منفصلة عن القيادة الوسطى التي تضم إفريقيا إلى جانب الشرق الأوسط. ووصل الأمر إلى درجة اقتراح الأماكن المرشحة لإقامة هذه القيادة، ولو أن الرأي لم يستقر على مكان معين بعد.
لكن الاضطرابات المستمرة في نيجيريا وأدت إلى شل قرابة ثلث الإنتاج النيجيري ومنعه من الوصول إلى الأسواق، تثير تساؤلا حول إمكانية أن يصبح البديل الإفريقي خيارا عمليا لنفط الشرق الأوسط.
علاقة إفريقيا بالنفط ليست جديدة، والحروب والاضطرابات الأهلية فيها كذلك، لكن الجديد هو احتلالها مرتبة تزداد أهمية بسبب زيادة نسبة إسهامها في السوق العالمية.
وفي بعض الأرقام الأولية أن صادرات نيجيريا وأنجولا والجزائر إلى السوق الأمريكية بلغت العام الماضي 19 في المائة، متجاوزة بذلك نسبة الصادرات السعودية التي بلغت ما يزيد قليلا على 14 في المائة. ومع الأخذ في الاعتبار أن المكسيك أحد أكبر موردي النفط الأجنبي إلى السوق الأمريكية العطشى تعاني من بعض المتاعب، الأمر الذي يرشح حجم صادراتها إلى التراجع، هذا إلى جانب متاعب فنزويلا الحقيقي منها والمصطنع، والتردد في الاعتماد على روسيا مصدرا مأمونا للإمدادات مع تنامي احتمالات عودة مناخات الحرب الباردة، فإن الاهتمام صار أكثر تركيزا على القارة الإفريقية وإمداداتها علها تكون بديلا لكل هذا.
لكن في زمن العولمة هذا، فإن حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني تبدو حالة مفتوحة على كل الاحتمالات، الأمر الذي ينعكس بصورة مباشرة على حجم الاستثمارات ومختلف الخطوات المتعلقة بالصناعة النفطية، ما يترجم في نهاية الأمر إلى تراجع في حجم الإنتاج، والحالة النيجيرية خير نموذج، فتحقيق الهدف الكبير الخاص باستقرار السوق لا يكون بإيجاد بدائل، رغم أنه من المفهوم التنويع، وإنما التركيز على فاعلية الصناعة في كل بلد منتج، وهو ما يتطلب إلى جانب توفير البيئة الآمنة، وجود الطاقة الإنتاجية والمنافذ القادرة على تلبية احتياجات السوق بكل الصور الممكنة.
والمفارقة أنه يفترض أن يكون أسلوب الحكم الذي يتجه إليه العديد من الدول الإفريقية مؤشرا على المستقبل، أي التحول إلى الخيار الديمقراطي واللجوء إلى صندوق الانتخابات لحسم قضية التداول على السلطة بصورة حضارية، لكن العنف الذي شهدته انتخابات الأسبوع الماضي يشير إلى أن الطريق لا يزال طويلا، وأن الصناعة النفطية العالمية تحتاج إلى مراجعة حساباتها فيما يتعلق بإيجاد بدائل لمنطقة الشرق الأوسط في الوقت الحالي على الأقل.