رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


النظام الجديد لزيادة الأدوار على الشوارع الرئيسة يحتاج إلى إعادة نظر

[email protected]

خرجت علينا أخيرا أنظمة زيادة الارتفاعات والأدوار للعصب التجاري في الوسط الشمالي لمدينة الرياض والذي من المتوقع أن يكون وسط المدينة الجديد. مع أنني أرى أنني أشرت سابقاَ إلى أن هذا الوسط سيتزحزح شمالاَ كما سبق للبطحاء أن تزحزحت. وقد يكون هذا الإجراء من الهيئة العليا لمنطقة الرياض جاء لتلبية رغبات بعض المواطنين الذين يصرون على طلب زيادة الارتفاعات وهو مطلب قد يكون له مبرره اقتصاديا للمواطن وللدولة. فالمواطن الذي اشترى أرضا بسعر عال يرى في زيادة الارتفاعات مكسبا ومردودا مجديا لاستثماره. والدولة قد تحقق أيضا توفيرا في تجميع الخدمات التحتية بدلاَ من امتدادها أفقيا. ومع أنني لا أخالف الجميع في ذلك إلا أنني أرى أن النظام الجديد يحتاج إلى مراجعة للذات ومحاولة الاستفادة منه فقط كمرحلة تجريبية مؤقتة لحين الخروج بنظام شامل للمدينة ككل ولمرونة أكبر لمتطلبات عدد المواقف لمساحة كل 25م. فالمباني استعمالاتها غير متساوية. بعض المباني قد تشغلها معاهد تعليمية وتدريبية وتسبب ازدحامات تقفل الطرق أحيانا بينما بعض الاستعملات أقل حاجة للمواقف. فإما أن نعدل النظام وإما لا نسمح لبعض الاستعمالات إلا بعد التأكد من توفيرها مواقف إضافية. وأن نحاول من الآن وضع سياسة للمواقف ونزع ملكيات للمصلحة العامة قبل أن تصبح منطقة العصب المركزي كابوسا مزعجا للجميع. ولنستفيد ممن سبقونا. لذلك فالموضوع معقد وشائك وليس بالبساطة التي يتوقعها الجميع وأن الحل ليس في زيادة الارتفاعات على الشوارع الرئيسية بعرض 40 أو أكثر وتحديد عدد مواقف وإنما يجب أن يكون مدروساَ على مستوى المدينة وضواحيها وساحاتها وميادينها. ومواقع الجبال والكثبان الرملية ومحاولة صدها أو الأودية التي تحيط بالمدينة وتوجهات الرياح لتتخلخل المباني بطريقة انسيابية. ومدى توافقه مع الشروط الصحية للتهوية والإنارة بأشعة الشمس لتطهير المدينة وخط السماء للمدينة واختيار الأشكال والألوان ونهايات وأطراف المباني لتسمح بمرور أشعة الشمس للمباني المحيطة بها ولتشكيل المظهر العام للمدينة.

فموضوع الارتفاعات له محدداته الاجتماعية والصحية والفنية. وله تأثيراته الطبيعية في مسار الرياح داخل المدينة وانسيابها ومدى اختراق أشعة الشمس للمناطق التي ستكون خلف هذه الارتفاعات ومدى تجمع المياه في الشوارع الرئيسية فهي تعمل كمصد مثل الجبال التي تمنع الأمطار من تعديها وبذلك تسبب فيضانات وإغراقا لبعض الطرق. كما أن لها علاقة وتناسبا مع أطوال وضخامة تلك المباني والفراغات مع جسم الإنسان وحجمه.
والارتفاعات لها محدداتها الهندسية فهي تحتاج إلى فحص مدى تحمل التربة للأوزان الرأسية نظراَ لتركز الأحمال على مساحة صغيرة من الأرض. كما أن الارتفاعات العالية مكلفة لضرورة عمل احتياطات لتحمل المبنى قوة دفع الرياح على جوانبه وتكلفة احتياطات الزلازل ومشاكل الإخلاء في حالات الحريق.

كما أن ارتفاعات لها محدداتها البصرية لمنع الملل من الرتابة وبحيث يمكن التدرج في الارتفاعات نزولاَ وصعوداَ وعلاقة ذلك بخط السماء للمدينة وإمكانية خلخلة المباني للحصول على فراغات عمرانية وساحات. أو على شكل موجات من الحلقات التي تنطلق من وسط المدينة إلى خارجها وبعرض لكل حلقة في حدود 2 كم. وبحيث يتم التدرج في الارتفاع علواَ كلما وصلنا إلى وسط المدينة ثم ترجع الارتفاعات للمراكز الحضرية الثانوية خارج المدينة. وقد يكون هناك مناطق من دون ارتفاعات ومناطق خضراء وساحات وممرات مشاة لتكون خلخلة لتوجه حركة اندفاع الرياح ودخول أشعة الشمس لأحياء المدينة.
ودولياَ لم أسمع بمثل هذا التنظيم الذي يعطي الأحقية فقط للشوارع الرئيسة فقط. فعادة يتم دراسة المدينة ككل وبتصميم وتخطيط عمراني مدروس لمكعبات المباني وممرات الرياح والشمس ومواقع الظلال والتهوية، مع دراسة المرور ومواقف السيارات وفراغات لمنع التلوث والازدحامات. ويعطى كل منطقة أو مجموعة من الأحياء ارتفاعات مختلفة. وعادة تتدرج الارتفاعات علوأَ من وسط المدينة وتنخفض متجهة إلى خارجها.

وحالياَ هناك حوار كبير بين الأوروبيين والأمريكيين سواء سكان أو مهنيين ومخططين حول من يملك مدنا أجمل من غيره. فالمدن الأوروبية عادة ارتفاعات مبانيها بين 2 - 5 أدوار وقليل منها يتعدى سبعة أدوار وقلما تجد بها ناطحات سحاب. لذلك فإن الأمريكيين يغبطون الأوروبيين على تخطيط مدنهم وينظرون إلى باريس وبرشلونة على أنهما من أجمل المدن لقلة عدد الأدوار في مبانيها والتي عادة قد لا يزيد عدد المباني العالية فيهما على مبنيين فقط. إذا لم نحتسب منطقة لاديفانس خارج مدينة باريس. وقد يكون الأمريكيون وأصحاب موضة ناطحات السحاب ميالين إلى تمجيد المدن الأوروبية قليلة الارتفاعات. ويرون جمال العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي على أنها جميلة لأنها تشبه باريس الفرنسية في قلة ارتفاعات مبانيها. وبالطبع فمصممها ومخططها هو المعماري هوسمان مصمم مدينة باريس. ونظام الارتفاعات في واشنطن دي سي يحتم ألا يزيد ارتفاع المبنى أكثر من 20 مترا فوق عرض الشارع الذي يقع عليه المبنى.

لقد كان التوجه لبناء مبان عالية هو لثلاثة أسباب, الأول هو بسبب الحصول على مساحات أكثر وبالتالي عائد أكبر للربح. والثاني هو حاجة بعض المدن إلى تجميع السكان بكثافات عالية وقريبة من العمل لتوفير الوقود ومصاريف التنقل، وكذلك ليمكن وضع مسارات ومحطات النقل العام في نقاط مجدية اقتصادياَ وبحيث يكون هناك عدد أكبر من المستعملين لها. والسبب الثالث هو عادة محدودية مساحة الأرض الصالحة للبناء والقوانين التي تمنع ابتلاع العمران للمناطق الخضراء والبيئة الطبيعية والمحافظة عليها. حيث توجد منطقة الحدود العمرانية، ومنها أخذنا فكرة النطاق العمراني مع أننا نعيش في صحراء الله الواسعة ولا نبالي بحماية البيئة الصحراوية، بل يعبث بها المتنزهون ويرمون نفاياتهم فيها ويزعجون ويبيدون حيواناتنا البرية ولم يسلم منهم الضب والجربوع اللذين لم يخلقهما الله سدى بل للمحافظة على التوازن البيئي.
واليوم بينما تعاني المدن موضة الارتفاعات وتتوجه إلى المباني المتوسطة الارتفاعات ما بين 2 - 5 أدوار، نجد أننا نبدأ من حيث عانى الآخرون لنعود للارتفاعات فالمباني المرتفعة لها مشاكلها في تكلفة توصيل الخدمات الأرضية والعلوية وما تسببه من مشاكل الازدحامات والتلوث والجريمة.

فهل بالإمكان أن نبذل جهدا أكبر لدراسة موضوع الارتفاعات بطريقة أكثر جدية وشمولية فإن قرارات اليوم سيعاني منها أبناؤنا في الغد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي