رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مواجهة التحديات بالتعمير لا بالتدمير

[email protected]

خطابي هذا موجه لكل شاب متحمس يريد لوطنه ولأمته العزة والرفعة، لكل شاب يرى أننا أمة تعاني من التخلف المفضي للذلة، لكل شاب يعتقد أننا أصبحنا بيد الغرب يحركنا كيفما يشاء ومتى يشاء، لكل شاب يرى أن من واجبه أن يساهم في إنقاذ الأمتين العربية والإسلامية ونقلهما من المقاعد الخلفية إلى المقاعد الأمامية بما يتناسب مع إمكاناتهما وتاريخهما.
بداية أقول إن الشعور الذي يخالجك أيها الشاب يخالجنا جميعا دون استثناء فكلنا نريد العزة ونريد التقدم ونريد التميز لبلادنا التي تشكل قلب هاتين الأمتين، وكلنا يعلم أن سباق الأمم تحدٍ ليس بالهين، وأن التقدم في هذا السباق يستدعي تحليلا وتشخيصا كاملا لوضعنا ولوضع الأمم الأخرى، تحليلا لجميع المتغيرات ومن الزوايا كافة، وعلى كل الساحات "السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، والثقافية" لنتعرف على نقاط قوتنا فنعززها ونقاط ضعفنا فنعالجها والتهديدات الخارجية لنتجنبها والفرص المتاحة لنغتنمها.
ولا شك أن هذا الجهد التحليلي والتشخيصي والعلاجي يجب أن يكون منسقا ومتكاملا يقوم به كل منا من موقعه سواء كان موظفا في الحكومة أو في القطاع الخاص أو في المنظمات غير الربحية أو كان جهدا فرديا تطوعيا، والتنسيق يكون بالتعاون مع الجهات كافة ذات الصلة بما نريد أن نبذله، والتكامل يكون في البناء لا الهدم، فمواجهة التحديات تكون بالتعمير لا بالتدمير.

نعم إن مواجهة تحديات التنافس الأممي تتم بالتعمير المادي والمعنوي، المادي مثل تعمير المساكن والمصانع والمدارس والمستشفيات ومحطات تقطير المياه ومراكز تجميع وتكرير ونقل النفط ومشتقاته، ومراكز الأبحاث والدراسات والمزارع والطرق إلى غير ذلك، والمعنوي بالتعمير الثقافي والمجتمعي ببناء المجتمعات السليمة الخالية من الأمراض الاجتماعية والثقافية، مجتمعات تغلب عليها الطبقة المتوسطة التي تحمل أرقى القيم والمفاهيم الإنسانية والحضارية التي حثنا ديننا الإسلامي على التحلي بها مثل العدل والمساواة والاحترام والكرم والعمل والعطاء والتضحية والسلام والتعايش والرحمة إلى غير ذلك من القيم والمفاهيم التي لا تختلف على رقيها الأمم.
وفي التعمير تتضح صفات الرجال، فالتعمير يستدعي الدراسات والبحوث والتخطيط والتنظيم وبذل المال والعطاء والإنتاج والصدق والأمانة والصبر والإصرار وإدارة الوقت إدارة فعالة، أما التدمير فلا يحتاج إلا لبضع ثوان لنسف النفس وكل ما بناه الآخرون في سنوات من البذل والعطاء، وعمارة الأرض واستغلال خيراتها (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) (هود 61) هي الآلية التي يتحقق من خلالها مبدأ الاستخلاف في الأرض (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) (البقرة 30)، ولم يكن التدمير يوما ما آلية لاستخلاف الأرض بتاتا، بل الاستخلاف يتحقق من خلال إعمار الأرض وإقامة الحضارة، وحماية تلك الحضارة من الإفساد، وإصلاح ما قد يطرأ عليها من فساد.
وإذا علمنا أن الجسد والمال والعلم والوقت هي وسائل الإنسان لعمارة الأرض (لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه).. رواه الترمذي، لأدركنا مدى الخطأ الفادح الذي وقع به الشباب الذين انزلقوا في مهاوي الإرهاب حيث يفجرون الجسد ويهلكون المال ويستنفدون الوقت ويستخدمون العلم في التدمير لا التعمير، وكلنا إيمانا بأن التدمير لن يعمر بلدا مهما كانت أهدافه.
عمارة الأرض مهمة ربانية كلف الله بها الإنسان وهذا شرف عظيم، شرف محصلته النهائية تكون في إقامة مجتمع متقدم متحضر لا مجتمع متخلف مدمر متصحر، لذا فإن من واجبنا شبابا وكبارا أن نتعاون في تعمير بلادنا التي تخطو خطوات كبيرة إلى الأمام بفضل من الله، ثم بفضل جهود حكومتنا الرشيدة والمواطنين المخلصين حتى أصبحت الجنسية السعودية حلما يسعد الآخرون بتحقيقه، وهذا يوجب علينا نحن أبناء المملكة العربية السعودية أن نعمر بلادنا، وأن نحمي ما عمرناه من الدمار بالضرب علي يد المفسد (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) (الأعراف: 56)، وهذا ما يجعلها أقدر بإذن الله على خدمة قضايا بلادنا والقضايا العربية والإسلامية.
ختاما أقول لشباب وطني الأعزاء إن الإصلاح عملية مستمرة، والإصلاح يأتي بهدف التطوير للمزيد من التقدم في السباق الأممي، والإصلاح يتم في المسارات كافة، والإصلاح في بلادنا ولله الحمد مطروح من قائد المسيرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله، والإصلاح فكر وسلوك رفيع (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله) (هود: 88) قام به الأنبياء الذين لم نر أحدهم يدمر ما ينفع الناس يوما بيده أو بيد متبعيه، فهل من المعقول أن نصلح بلادنا بتدمير منشآتها النفطية ليدخل الأجنبي محتلا لنقاتله فيحدث المزيد من الدمار، كما هو الحال في العراق الآن، أي منطق هذا ؟ أيكون التعمير والإصلاح بالتدمير والإفساد؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي