الزراعة العضوية في السعودية .. خطوات حثيثة لمواكبة التطورات العالمية

الزراعة العضوية في السعودية .. خطوات حثيثة لمواكبة التطورات العالمية

تعتبر الزراعة العضوية من أهم وأيسر الأساليب للوصول إلى الزراعة المستدامة من خلال التعامل المتكامل مع البيئة المحيطة. وتعرف الزراعة العضوية بأنها نظام متكامل يتعامل فيه المزارع مع بيئة مزرعته ومحتوياتها للحصول على أسمدة عضوية يستخدمها في تخصيب التربة ويستخدم المكافحة الحيوية لمكافحة الإصابة بالحشرات والأمراض. لا يسمح في الزراعة العضوية باستخدام الأسمدة والمبيدات الكيماوية لما لها من أضرار على الإنسان والحيوان والنبات والبيئة المحيطة بها. يسرني من واقع اهتمام شخصي وبصفتي أحد أعضاء فريق مشروع الزراعة العضوية في وزارة الزراعة أن أوضح للقارئ الكريم نبذه مختصرة عن المشروع وأهدافه وما حقق من إنجازات ولا يزال تحت الإجراء, إضافة إلى نظرة مستقبلية ملفوفة بالأمل والتفاؤل في أن يحقق هذا المشروع أهدافه وأن تدخل المملكة ضمن إحصائيات الاتحاد الدولي لحركة الزراعة العضوية في هذا المجال. فيما يلي تصور للتلوث من حولنا، ثم خلفيه تاريخية عن جهود وزارة الزراعة في هذا المجال ونستعرض بعد ذلك بإيجاز مشروع الزراعة العضوية، أهدافه ومدة المشروع والإنجازات, إضافة إلى المواضيع تحت الإجراء ثم نظرة مستقبلية تدعمها مؤشرات إحصائية، وعندما نقوم بواجبنا تجاه الجيل الحالي والأجيال المقبلة نترك الخيار للمستهلك.

التلوث من حولنا
يكفينا التمعن في محيط البيئة التي نعيش فيها حاليا وخاصة البيئة المحيطة بغذائنا اليومي. نتيجة الاستخدام غير المرشد للأسمدة والمبيدات الكيماوية فان غذائنا اليومي أصبح ملوثا لأن التربة التي يزرع فيها والمياه التي يسقى منها أصبحت متشبعة ببقايا السميات. من جهة أخرى نحن نعلم أنه من الناحية العلمية هناك فترات تحريم عند رش المزروعات بالمبيدات الكيماوية ويجب عدم إنزال المنتجات الزراعية من تلك المزروعات للأسواق إلا بعد انتهاء فترات التحريم، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل المزارع مستعد لإتلاف منتجاته إذا كانت لا تزال ضمن فترات التحريم أم أنه سوف يسوقها قبل انتهاء فترة التحريم؟ علميا المفترض أن يتلفها ولا يسوقها إن كانت لا تزال متأثرة بالمبيدات وبقاياها.
لكن الواقع المؤلم غير, فالمنتج يسوق بغض النظر عن تلوثه ببقايا السميات من عدمه. وأخيرا من سلبيات العولمة وثمن توطين التقنية هو ما نجده اليوم في السوبر ماركت والهايبر ماركت من منتجات غذائية معدلة وراثيا GMO حيث تدعي الدول المتقدمة أن شعوبها تستهلكها وأن ليس لها أي آثار سلبية على المستهلك، ليس هذا فحسب بل تطالب بعدم إيضاح أن هذه الأغذية معدلة وراثيا على العبوات المخصصة لها!!! لذا فإن التلوث يحيط بغذائنا اليومي وإن التوجه للزراعة العضوية يعتبر الملاذ الآمن لتوفير هذه المنتجات للمستهلك وإعطائه الفرص للاختيار.

خلفية تاريخية
بداية الفكرة كانت عندما رافقت الدكتور عبد الله العبيد وكيل الوزارة لشؤون الأبحاث والتنمية الزراعية في مؤتمر منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية UNCTAD الذي عقد في مدينة جنيف سنة 1422هـ ولمسنا مدى أهمية التوجه للزراعة العضوية واهتمام الدول المتقدمة بها للمساهمة في صحة الإنسان والنبات والحيوان ولما لها من دور تنموي فاعل في الدول النامية، وبعد العودة للمملكة تم إعداد تقرير مفصل لوزير الزراعة نوصي فيه بأهمية تشجيع التوجه للزراعة العضوية من خلال برنامج وطني للزراعة العضوية في المملكة وتمت الموافقة على التوصيات وتم تشكيل لجنة من المختصين في الوزارة والقطاع الخاص وعقدت عدة اجتماعات لدراسة هذا الموضوع من جميع جوانبه ثم قامت اللجنة بزيارة ميدانية خارجية للاستفادة من خبرة بعض الدول العربية التي سبقت المملكة في هذا المجال. وكان للدور التوعوي أهمية كبيرة في إدخال نشاط الزراعة العضوية إلى المملكة فمن خلال جهود مشتركه بين وزارة الزراعة، الهيئة العامة للاستثمار، والغرفة التجارية الصناعية في الرياض عقدت الندوة الأولى للزراعة العضوية في الرياض والجانب الأكاديمي يسهم في التوجه للزراعة العضوية من خلال اللقاء العلمي التاسع للجمعية السعودية للعلوم الزراعية في مدينة بريدة في القصيم برعاية وحضور أمير منطقة القصيم, وبعد ذلك تستفيد وزارة الزراعة من المساعدة الفنية التي تقدمها منظمة الأغذية والزراعة FAO من خلال عقد ندوة عن الزراعة العضويه واكبها برنامج تدريبي متكامل شارك فيه المختصون من القطاعين العام والخاص.

مشروع الزراعة العضوية
بناء على الجهود المبذولة سابقا وتوصيات اللقاءات والندوات كان لا بد من تفعيلها وتطبيقها وتوصلت الوزارة إلى أن إسناد هذه المهمة إلى إحدى دور الخبرة أمر في غاية الأهمية, لذا تم التعاقد مع المؤسسة الألمانية للتعاون الفني gtz لأن ألمانيا سباقة في هذا المجال ويوجد فيها مقر الاتحاد الدولي لحركة الزراعة العضوية، وتم تقديم مقترح فني متكامل أسندت مهمة دراسته ومراجعته لمختصين من الوزارة والقطاع الخاص وتم توقيع العقد لمدة سنتين على مرحلتين الأولى إعداد والثانية تنفيذية بمبلغ قارب سبعة ملايين ريال سعودي، وسوف ينتهي هذا العقد بعد نحو ثلاثة أشهر تقريبا.

أهداف المشروع
إيجاد حركه للزراعة العضوية في المملكة من خلال تطوير وتنمية قطاع الزراعة العضوية، وضع الأنظمة والتشريعات المنظمة لنشاط الزراعة العضوية، وضع الهيكل التنظيمي الحكومي المعني بالدعم والرقابة للإنتاج العضوي والنواحي التجارية للمنتجات العضوية، والتأهيل والتدريب للمختصين في الوزارة وفروعها، والقطاع الخاص الزراعي.
كما يهدف المشروع إلى تأسيس الهيئة السعودية للزراعة العضوية وتطوير المؤسسات التجارية المعنية بالزراعة العضوية، تحديد سياسة منح الشهادات، وإنشاء جهاز اعتماد الجهات المانحة للشهادات بما في ذلك التسجيل والرقابة.

أين نحن؟
حتى تاريخة تم تعيين الكوادر السعودية، الانتهاء من مسودة الأنظمة والتشريعات، إعداد نظام الهيئة السعودية للزراعة العضوية، إعداد الدليل الخاص بإنتاج السماد العضوي، إعداد البروشورات التوعوية عن الزراعة العضوية وتوزيعها، تنفيذ يوم الزراعة العضوية، عقد المنتدى الأول للزراعة العضوية، المشاركة في معرض المنتجات العضوية في يوفاخ في ألمانيا مرتين، وترجمة بعض الأنظمة والأدلة الخاصة بالزراعة العضوية للاستفادة منها في المستقبل.

مهام لا تزال تحت الإجراء
من المهام التي لا تزال تحت الإجراء، إقرار الهيئة السعودية للزراعة العضوية، اعتماد اللوائح التنفيذية للزراعة العضوية في المملكة، الانتهاء من تحديد عشر مزارع يتم دعمها وتأهيلها عن طريق المشروع لتصبح مزارع إرشادية في مختلف مناطق المملكة، الانتهاء من تحديد عشر مزارع أخرى يتم تقديم مساعدة فنية لها عن طريق المشروع وتساهم في النواحي الإرشادية، الانتهاء من تأهيل مركز الأبحاث الزراعية في عنيزة وتخصيصه لأبحاث الزراعة العضوية، الانتهاء من وضع الهيكلة النظامية لكيان الزراعة العضوية في الوزارة، الانتهاء من برامج تأهيل وتدريب الكادر السعودي، الانتهاء من التعاقد مع إحدى الشركات أو المؤسسات الوطنية لتنفيذ البرامج التوعوية للمنتج والمستهلك.

نظرة مستقبلية متفائلة

على صعيد المستقبل لا نزال بحاجة ماسة لتمديد فترة المشروع وتوفير الدعم الكافي لاستكماله، فضلا عن أهمية إيجاد الآلية المناسبة لتثبيت تعيين الكوادر السعودية، قيام الهيئة السعودية للزراعة العضوية وتأهيلها لتقوم بقيادة نشاط الزراعة العضوية في المملكة، إشراك البنك الزراعي في نشاط الزراعة العضوية للحاجة الماسة إلى دعم هذا النشاط في المستقبل وتشجيع صغار المزارعين للتوجه إليه، وخلق دور مهم وفاعل ينتظر وزارة التعليم العالي ممثلة في الجامعات وكليات الزراعة لإدخال علم الزراعة العضوية (إنتاج وتسويق) في المقررات الدراسية والبحوث العلمية، وإشراك هيئة الغذاء والدواء والهيئة العربية السعودية للمواصفات والمقاييس لدعم مسيرة نشاط الزراعة العضوية في المملكة، وحث الشركات والمؤسسات المحلية والأجنبية لفتح مكاتب لها في جميع مناطق المملكة والاستثمار في نشاط الزراعة العضوية ودعمه، كيان فاعل في الوزارة وفروعها تكون مسؤوليته تحديث الأنظمة والتشريعات والرقابة على جميع أنشطة الزراعة العضوية.

من حق المستهلك (المواطن والمقيم) في السعودية أن يتوافر له منتجات عضوية صحية خالية من بقايا الأسمدة والمبيدات الكيماوية جنبا إلى جنب مع المنتجات التقليدية المتوافرة في الأسواق حاليا ثم نترك الخيار للمستهلك. المزارع من جهة أخرى من حقه أن يطلب أسعارا أعلى بقليل للمنتجات العضوية التي ينتجها على أسس علمية سليمة وبمتابعة وإشراف من قبل وزارة الزراعة, إضافة إلى الفوائد الأخرى التي يجنيها من ممارسة هذا النشاط مثل خصوبة التربة والابتعاد عن الأثر المباشر وغير المباشر للمبيدات الكيماوية واستخداماتها وأن يخلف تركة بيئية سليمة للأجيال من بعده. لذا تبقى الحاجة ماسة لتمديد فترة المشروع حتى يقف نشاط الزراعة العضوية على قدميه وأن يقدم له الدعم المباشر وغير المباشر متى ما أردنا اللحاق بركب العولمة في هذا المجال والله وحده من وراء القصد.

الأكثر قراءة