"فدوى طوقان" ضمن أفلام فلسطينية مختارة في الإسكندرية

"فدوى طوقان" ضمن أفلام فلسطينية مختارة في الإسكندرية

نظم مركز الفنون التابع لمكتبة الإسكندرية برنامجا سينمائيا حافلا حول ملتقى الأفلام القصيرة, الذي قام بعرض ثلاثة أفلام فلسطينية, منها فيلم "فدوى"، سيناريو وإخراج ليانا بدر، وهو فيلم تسجيلي من إنتاج ملتقى الإبداع النسائي عام 1999, ومدته 56ق. وهذا هو الفيلم الفلسطيني الأول من نوعه الذي يتعرض لحياة شاعرة تجسد حكايتها تقلبات حياة شعبها ومراحل مأساته. تقول فدوى إنها جنباً إلى جنب مع الحلم والإرادة استطاعت أن تقلب مسار حياتها لكي يعرفها العالم لا لكي تتعرف وحدها عليه.
في هذا الفيلم نشاهد حكاية شاعرة فلسطينية اسمها فدوى طوقان.. وعلاقتها بمدينتها "نابلس"، مدينة ارتبط اسمها في العادة بأعطر صابون وأرق كنافة. فدوى ستحكي الحكاية كلها، قصة كفاح كل منهما، هي والمدينة، من أجل الحصول على حق الاختيار والحرية. قد نكتشف أن الشاعرة استمدت قوتها في جميع معارك حياتها غير المتكافئة أبداً، من قوة حضور المدينة في التاريخ، واحتمالها لتعاقب العصور والحضارات والغزاة.
وارتبط اسم الشاعرة الكبيرة فدوى طوقان كشخصية ثقافية مرموقة باسم مدينتها "نابلس". هناك حيث عاشت أجيال من الفلسطينيين مخلصة لأحلامها بالحصول على الحرية والاستقلال. لقد كافحت فدوى وعملت طويلاً دون كلل، وهي تطلق أشعارها معبرة عن أحلام الفلسطينيين بصوتها النسائي الخاص، وسط فترات تاريخية لم يكن فيها صوت المرأة مسموعاً. وعاشت فدوى كي تكون شاعرة عربية كبيرة لها وزنها ودورها المميز.
ومعها نرى كيف يمكن لفتاة حرمت من الذهاب إلى المدرسة أثناء شبابها المبكر أن تتطور بمساندة أخيها الشاعر البارز إبراهيم طوقان، وأن تنقل قضية مدينتها ووطنها إلى الدنيا خلال أحلك الأوقات وأصعب الأزمات.
تقول المخرجة ليانا بدر قمت في هذا الفيلم بتقديم حكاية الشاعرة فدوى طوقان عبر الضوء والظلال. بحثت عن انعكاسات لألوان قوس قزح التي أضاءت طفولتها بين البيت القديم والحمام العربي، وأردت لنافورة الدار أن تعكس عبر ألوان مياهها تقلبات حياتها الخاصة. لم أفتش عن حكايتها وحدها، وإنما بحثت عبرها عن هويتي وهوية النساء المبدعات اللاتي ينظرن إلى الإبداع كأجنحة للتحليق في فضاء الحرية.
تضيف: إن مدينة نابلس تنهض على كتفي جبلين هما جرزيم وعيبال. داخل الهوة السحيقة بين الجبلين يتآخى التراث الكنعاني مع آثار الرومان الذين نحتوا حجارة المدينة واسمها معاً. وعلى وهاد نابلس تتناثر علامات تسامح الأديان السماوية وتآخيها. صخرة التضحية التي شهدت تقديم إسماعيل قرباناً للرب الخالق. وبئر النبي يعقوب الذي أنجب الأنبياء والحكايات عن الصبر والأذى، إلى جانب قبور ومقامات القادة المسلمين الذين قهروا غزو الفرنجة. وعلى مقربة بقايا الكنيسة التي تحمل ذكرى قطع رأس يوحنا المعمدان صاحب نبوءة الخلاص. وفي أعلى القمم تحافظ الطائفة السامرية الفلسطينية على تقاليدها طوال قرون كما حافظت المدينة القديمة على أصالتها وعراقتها.. جميعهم صبروا على الزمن وقاوموا نسيانه لهم.. وكذلك فعلت فدوى.
يقول الناقد سمير فريد إن ليانا بدر روائية من أهم كاتبات فلسطين، وفدوى طوقان شاعرة فلسطينية من أهم الشعراء العرب في القرن العشرين، وقد جاء الفيلم في مبناه قصيدة سينمائية رائعة تتناسب مع معناه عن الشاعرة الكبيرة التي عرفت دولة فلسطين الجديدة كيف تقدرها حق قدرها ففازت بأول جائزة تقديرية من الدولة في الأدب.
يضيف أن الفيلم حوار طويل مع فدوى طوقان يجعله وثيقة تاريخية نادرة، ورغم أسلوبه السينمائي الخالص، الذي لا علاقة له من قريب أو بعيد بأسلوب "المقابلات التلفزيونية", فقد كان من الأفضل أن يصور سينما لا فيديو على الأقل لأن شريط السينما أطول عمراً من شريط الفيديو، فضلاً عن مميزاته الفنية الأخرى. يبدأ الفيلم بمقدمة قبل العناوين عن نابلس مدينة الشاعرة تكثف تاريخ المدينة وحياتها اليومية في الحاضر، مع التركيز على رموزها التي تعبر عن معنى التسامح بين الأديان، الذي هو سمة أساسية لكل فلسطين تصل إلى ذروتها في مدينة القدس وهي مدينة روحية للأديان السماوية الثلاث. وليس هناك أفضل من هذه المقدمة لفيلم عن شاعرة، فالشعر والإبداع الأدبي والفني بصفة عامة قرين التسامح، ولم يحفظ لنا التاريخ أعمال مبدع لا يؤمن بالتسامح.
تظهر فدوى طوقان, شفاها الله وأطال لنا عمرها, لأول مرة في أحد الشوارع العادية مع الناس. وليس هناك أفضل من هذه البداية أيضاً لصورة الشاعرة على الشاشة. فالشاعر الحقيقي، وعلى العكس من الفكرة الشائعة يعيش مع الناس، ولا ينعزل إلا للتعبير عنهم.
ومن حديث فدوى طوقان عن حياتها يعبر الفيلم من خلال الاختيار الحاذق والدقيق، وباستخدام مختلف الوثائق من صور فوتوغرافية، ومشاهد سينمائية، ووثائق مكتوبة، عن تاريخ فلسطين الحديث، وتاريخ المرأة الفلسطينية الحديثة في الوقت نفسه. فنحن أمام عمل نموذجي يجمع بين الخاص والعام، ومن دون أدنى افتعال لأن تاريخ فدوى طوقان الشاعرة والإنسانة يعبر بالفعل عن تطور المرأة الفلسطينية، وعن المراحل المختلفة لتطور قضية فلسطين في القرن العشرين, وبالذات في النصف الثاني من ذلك القرن. كما يعبر عن وحدة الثقافة العربية من دور الجامعة الأمريكية في بيروت إلى دور القاهرة، ودور مجلة "الرسالة" المصرية في تأكيد هذه الوحدة الثقافية.
الشاعرة والسياسة
تتحدث فدوى طوقان في البداية عن أول حب في حياتها، وتلقي في النهاية أبيات من شعرها عن الحب، فالحب هو موضوع الشعر، والحياة في أجمل أحوالها هي شعر الحب. وتلك ثالثاً أجمل بداية ونهاية لحديث الشاعرة التي ارتبطت عند الكثيرين بالشعر السياسي في الدفاع عن الوطن، وليس هناك أي تناقض في الحقيقة، فالشاعر الذي يدافع عن الوطن حقاً هو الذي يدافع عن الحب.
تروي الشاعرة كيف بدأت تنشر أشعارها بأسماء مستعارة لأن ممارسة المرأة الشعر في مجتمعها في نهاية العشرينيات وبداية الثلاثينيات كان "عيباً لا يجوز، وكيف ساعدها شقيقها إبراهيم الذي درس في الجامعة الأمريكية في بيروت، ثم كيف كتبت أول قصيدة سياسية عام 1939 عندما اعتقل والدها، وكيف فجعت في وفاة إبراهيم المفاجئة في شبابه، وكيف عرفت في كل العالم العربي عندما بدأت تنشر قصائدها في مجلة "الرسالة" المصرية.
أما عن أول ديوان "وحدي مع الأيام" فتقول فدوى طوقان إن الفضل في إصداره يرجع إلى الناقد الأدبي المصري الكبير أنور المعداوي الذي كان سكرتيراً لتحرير "الرسالة"، الذي أقنعها بإصداره عبر مراسلات كثيرة بينهما، وأنه الذي طلب منها أن تقتصر قصائد الديوان على القصائد العاطفية، واستبعاد قصائد الرثاء والقصائد السياسية تطبيقاً لمنهجه في نقد الشعر والذي عرف باسم "الأداء النفسي". ولا أدري هل تجاهلت فدوى طوقان العلاقة الخاصة بينها وبين المعداوي، التي كانت موضوعاً لكتاب رجاء النقاش "صفحات مجهولة في الأدب العربي المعاصر" عام 1976، أم أن الشاعرة تحدثت عن هذه العلاقة وتم حذف حديثها في الفيلم، ولكنها نقطة في غير صالح الفيلم على أية حال.
امتزج كفاح فدوى طوقان من أجل حريتها الخاصة وحرية المرأة بالكفاح من أجل حرية الوطن، ولذلك تقول إنها لم تكتب شيئاً لمدة شهرين بعد هزيمة حزيران (يونيو) 1967 من شدة الصدمة "من يوم تأميم القناة كان الله فوق وعبد الناصر على الأرض". وتحكي الشاعرة عن لقائها مع جمال عبد الناصر، وعن قصائدها عنه "آه، ما آن له أن يترجل".
ويتحدث محمود درويش عن فدوى طوقان قائلاً إنها أحد أضلاع المثلث الذهبي للشاعرات العربيات مع نازك الملائكة وسلمى الخضراء الجيوشي، كما يتحدث سميح القاسم وهو أيضاً أحد أضلاع المثلث الذهبي للشعر الفلسطيني المعاصر مع درويش وتوفيق زياد، وعن فوزها بأولى جوائز الدولة التقديرية في الآداب والتي تسلمتها من الزعيم الفلسطيني المناضل ياسر عرفات، ننتقل إلى حياتها في البيت "الجديد" الذي أسسته كما تهوى على أرض فلسطين التي عاشت تدافع عنها.
وتضمن البرنامج أيضا عرض فيلم "زيتونات" من سيناريو وإخراج ليانا بدر، وهو تسجيلي مدته 37 دقيقة، وهو من إنتاج عام 2000, الفيلم يطرح تساؤلا حول: ما سر العلاقة الفريدة بين النساء الفلسطينيات وشجر الزيتون؟ أعتقد الفلسطينيون أن شجرة الزيتون هبة الله للأرض. وكانت الشجرة منذ أقدم الأزمنة، مصدراً للنور والنار، والغذاء والشفاء. نقرأ في أنحاء غصونها تاريخ وجودنا على هذه الأرض، وفي تعرجات جذوعها أساطير الأيام السالفة.
تمثل هذه الشجرة عند الفلسطينيين بيت الحياة. ويقوم الاحتلال الإسرائيلي حالياً بتقطيع أوصال الأرض الفلسطينية، وتدمير أشجار زيتونها، وشق الطرق الالتفافية على أنقاض حقولها.
نرى التدمير الشامل لأشجار الزيتون المقدسي الواقعة في أرض الشهابي بعد أن صادرتها السلطات الإسرائيلية لكي تشق طرقاً التفافية وتزور منتزهاً توراتياً على أرض لا تملكها.
وعرض الملتقى أيضا فيلم "الحصار"، وهو أيضا من إخراج وسيناريو ليانا بدر، وهو من إنتاج عام 2003, ومدته 35 دقيقة.
سيناريو الفيلم يبدأ من يوميات حصار الجيش الإسرائيلي لمدينة رام الله من 29 آذار (مارس) 2002، إلى أول نيسان (أبريل)، حيث تم منع التجول، إلى 5 نيسان (أبريل) يوم أول رفع لمنع التجول، إلى 26 نيسان (أبريل) حصار وزارة الثقافة، إلى 29 نيسان (أبريل) تخريب مقر الوزارة، إلى 2 أيار (مايو) مقر الرئيس عرفات، ثم عودة إلى المقر نفسه وقد أصبح أطلالاً يوم 29 أيار (مايو).

الأكثر قراءة