رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الفجوة بين التوجُّه الاستراتيجي للدولة والأجهزة المنفذة له!

الإصلاح كلمة ليس لها إلا معنى واحد هو وجود وضع معين يتطلب تغييره إلى وضع أفضل يتناسب مع الوقت والمكان. وهو لا يعنى أن الوضع السابق كان خطأ أو شابه قصور، ولكن لكل زمان دولة ورجال، ولكل زمان متطلباته التي تحتاج إلى صيغ معينة لتحقيقها على أرض الواقع.

إن هناك توجهات استراتيجية للدولة في جميع المجالات لا خلاف عليها ولا شك أن الهدف منها هو المصلحة العامة وخلق بيئة مناسبة لظروف الزمان والتي يحتاج إليها المكان نفسه. وقد صدرت قرارات استراتيجية للدولة منذ بداية الألفية الثالثة واضحة المعالم سواء فيما يخص الإصلاح السياسي أو الإصلاح الاقتصادي وكذلك الإصلاح الثقافي. وما يهم في هذه الإطلالة والتي آمل أن تكون في مستوى التطلعات، هو الهم الاقتصادي الذي أعتقد جازما أنه في زمن العولمة أصبح المحرك لكل الشؤون الأخرى بما فيها الجانب السياسي. فالاقتصاد يقود الحياة اليوم وهو المتصدي لمقعد القيادة بامتياز. وما يزال نفوذه يزداد يوما بعد يوم.

وللتدليل فقط على تلك الحقيقة نجد أنه في عام واحد فقط (2006م) كان هناك أكثر من 140 حدثا اقتصاديا في المملكة كلها تصب في تحسين بيئة العمل الاقتصادي للمملكة، حتى أن الزيارات السياسة الرسمية لرؤساء الدول المختلفة غربية وشرقية نجد أن همها الأول الشأن الاقتصادي وتسويق منتجاتهم والرغبة في بناء علاقات اقتصادية مع المملكة بدليل عدد المرافقين من رجال أعمال هذه الدول الذين يأتون مع الرؤساء للاطلاع على الفرص المتوافرة وعقد الصفقات.

وقد تم إعادة تشكيل وزارات عديدة وتأسيس هيئات مختلفة وإنشاء مؤسسات مالية جديدة وبرامج تخصيص معلنة لأكثر من 20 قطاعا في المملكة، منها ما أنجز ومنها ما لا يزال في طور الإنجاز. كما أن زيارات خادم الحرمين الشريفين لجميع مناطق المملكة والمشاريع التي أطلقها في كل المناطق لأكبر دليل على هذه التوجهات الاقتصادية. ففي الرياض وحدها تم منذ أسابيع قليلة إطلاق مشاريع بأكثر من 100 مليار ريال، لو نفذت بالشكل دقيق فإنه سوف يكون لدينا مدينة مختلفة تماما عما نشاهده الآن. وكذلك فإن الإعلان عن أكثر من ست مدن اقتصادية موزعة على مناطق المملكة سوف يُحقق أهدافا مختلفة تصب كلها في مصلحة وهدف التنويع الاقتصادي للمملكة، توفير فرص عمل جيدة، والاستعداد للمنافسة الدولية تماشياً مع انضمام المملكة للعولمة عبر منظمة التجارة العالمية. كل تلك الخطوات المباركة في طريق الإصلاح والأهداف السامية التي تسعى إليها الحكومة في توفير الرفاهية وإعطاء الفرص للأفراد والمجتمعات داخل مدن المملكة جاءت لتحقيق طموحات الجميع وبالذات ونحن مجتمع الشباب فيه يمثل أكثر من 60 في المائة من تعداد مواطنيه وينمو بنسبة 4 في المائة سنوياً. ومثل هذه الشريحة لها بالتأكيد تطلعاتها المستمرة والأكثر إلحاحاً.

وكل ما تقدم يبقى في نطاق الرؤية والقرارات الاستراتيجية. ولكن الحلقة الأهم في تحقيق تلك الرؤى على أرض الواقع هي التنفيذ، والتنفيذ ثم التنفيذ من خلال الأجهزة ذات العلاقة سواء أجهزة حكومية أو أجهزة القطاع الخاص والتي تأمل منها الدولة أن تكون المبادرة في تنفيذ معظم تلك التطلعات. ويبقي عليها توفير البيئة الاقتصادية السليمة لتحقيق تلك الرؤى من خلال تسهيل الإجراءات وحفظ الحقوق وتطوير الأنظمة والإشراف والرقابة.

ومن الملاحظ على أرض الواقع أن هناك قصورا في التنفيذ والإنجاز في مجالات متعددة رغم وضوح الرؤية الاستراتيجية ورغم أن القرار قد أتخذ من أعلى المستويات مصحوباً بتوجيهات واضحة. ولو أخذنا على سبيل المثال القرارات التي صدرت بناء على منظور استراتيجي للدولة فيما يخص العديد من الوزارات والأجهزة الحكومية، لوجدنا أن جلها تم التراجع عنه لسبب أو آخر!!! أو تم تعديلها حتى أصبح تطبيقها بعيدا جدا عن الأهداف الاستراتيجية بسبب فقدان الصورة الكاملة والتركيز على صور مجزأة ومبعثرة. وفي النهاية يأتي الإنجاز جنينا غير مكتمل النمو أو ذا طفرات جينية، أو نلاحظ اختلاف التطبيق بين جهاز حكومي تنفيذي وآخر، وعلى سبيل المثال لا الحصر طريقة تخصيص قطاع الاتصالات من قبل هيئة الاتصالات والمعلومات والتي ضخت في ميزانية الدولة أكثر من 35 مليار ريال عبر منح رخصتين لشركتين جديدتين، بينما هيئة الطيران المدني منحت رخصتين لشركتين جديدتين للطيران المحلي كمنافسين للناقل الحالي الخطوط السعودية مجاناً، رغم أن القرار الاستراتيجي للتخصيص واحد في هذا الشأن!!!

أتصور أننا في حاجة ماسة إلى آليات لتنفيذ المشاريع وتطبيق القرارات الاستراتيجية وإلى وسائل متابعة رسمية على المستويين الرسمي والخاص من خلال أجهزة الرقابة ومؤسسات المجتمع المدني والتي سجلت في الفترة القصيرة الماضية حضورا جيدا. فقد ثبت كحقيقة بالدراسات العلمية أن أهم مسببات فشل المشاريع ليس عدم وجود الجدوى ولا التمويل المالي ولا الرؤية الاستراتيجية، ولكن التنفيذ والكيفية التي تتم بها إدارة المشاريع حيث يشكل عامل الخلل في التنفيذ كأحد مسببات الفشل ما نسبته 50 في المائة. ومن الملاحظات السلبية في تنفيذ مشاريعنا أنها عالية التكاليف مقارنة بمشاريع مشابهة دوليا، فنجد أن المشروع نفسه ينفذ في أماكن أخرى وبمستوى جودة عالية بربع التكلفة دون مبالغة، ويمكن مقارنة ذلك ببعض الدراسات الصادرة دوليا في هذا الخصوص حول موضوع إدارة المشاريع ومتوسطات التكلفة دوليا.

نحن في زمن التحديات الاقتصادية والأعين المفتوحة محليا ودولياً، ورغم علمنا أن هناك جهودا صادقة تبذل لتحقيق الأهداف والرؤى الاقتصادية بكل السبل الممكنة، فإن تلك التحديات تتطلب وضع سياسات عامة متطورة لاختيار الأشخاص المناسبين لكل تحد ولكل موقع وتطوير آليات محاسبة واضحة المعالم بما يكفل تحقيق الطموحات وتطلعات المسؤولين والمواطنين وكذلك نحن في أمس الحاجة إلى تحديث إداري يحدد المسؤوليات والصلاحيات بشكل لا يقبل اللبس وذلك حتى يمكن تحقيق المنجز الرسمي المطلوب بمستويات مهنية عالية شاملة لعامل الوقت والجهد والتكلفة وبشفافية تضمن لنا التقييم والمحاسبة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي