رباعية الاقتصاد السعودي
"إدراكاً من الحكومة لما للإنفاق الحكومي من آثار بعيدة المدى في التنمية ورفع الطاقة الاستعابية للاقتصاد، فإنه وبتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين يجري التركيز في الإنفاق على المجالات التي تعد داعمة ومحفزة لنمو القطاع الخاص". (معالي وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف).
"إن المملكة تتبع سياسة إعادة هيكلة القطاعات المختلفة من خلال أربعة محاور رئيسية وهي: التخصيص، الإصلاح التنظيمي، تحرير القطاع، وتهيئة البيئة الاستثمارية". (معالي وزير الاقتصاد والتخطيط خالد القصيبي).
"إن دور المؤسسات المالية بمختلف أنواعها سيكون مهما في المرحلة المقبلة في السوق السعودية". (معالي محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي حمد السياري).
هذه مقتطفات من كلمات مجموعة من أصحاب المعالي خلال فعاليات اليوم الأول من مؤتمر يوروموني السعودية 2007، التي نشرتها "الاقتصادية" في تغطيتها الإعلامية الفريدة أمس الأول. اختتمت فعاليات المؤتمر أمس الأول في مدينة الرياض تحت عنوان "التمويل في عالم متغير".
ناقش المؤتمر العديد من المحاور الاقتصادية والمالية السعودية الرئيسة ذات العلاقة بشؤون التمويل الاستثماري، من بينها إعادة هيكلة الميزانيات العمومية للشركات السعودية، وأسواق السندات المالية، وتقنيات التسعير في الاكتتابات، وهيكلة الميزانيات العمومية للشركات السعودية.
أحد أهم هذه التحديات عملية التوازن في تخصيص الشركات السعودية بما يحقق نمو أنشطتها، وأدائها، وربحيتها، وتنافسيتها. حاول مجموعة من الاقتصاديين في البنك الدولي دراسة الانعكاسات الاقتصادية والمالية على الاقتصاد الوطني من جراء تخصيص مصارفه التجارية. أجريت الدراسة على 33 بنكاً تجارياً تم تخصيصها في 16 دولة نامية. وزعت عينة الدراسة على ثلاث مجموعات.
المجموعة الأولى مجموعة شرق أوروبا، وشملت كلا من بلغاريا، كرواتيا، جمهورية التشيك، المجر، بولندا، ورومانيا. والمجموعة الثانية مجموعة شرق آسيا، وشملت كلا من إندونيسيا، كوريا، ماليزيا، الفلبين، وتايلاند. وشملت المجموعة الثالثة كلا من باكستان، نيجيريا، المكسيك، البرازيل، والأرجنتين.
توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج الجديرة بالتأمل. من أهم هذه النتائج أن أداء المصارف المخصصة بشكل جزئي يكون أقل تواضعاً في مجال إدارة العوائد على الأصول، وحقوق المساهمين من أداء المصارف المخصصة بالكامل.
كما أن المصرف المخصص عن طريق البيع المباشر على شريك رئيس يحظى بإدارة تشغيلية أفضل من تلك الموجودة في المصرف المخصص عن طريق الاكتتاب العام.
كما توصلت الدراسة إلى أن تأثير عملية التخصيص في مستوى السيولة في الاقتصاد الوطني يكون أكبر عندما تتم عملية التخصيص عن طريق البيع المباشر إلى مستثمر أجنبي رئيس، عوضا عن مستثمر وطني رئيس، أو اكتتاب عام.
وأخيرا وليس آخراً، إن زيادة التنافس في القطاع المصرفي مرتبطة بزيادة حصة الشريك الأجنبي الرئيس في القطاع، وذلك بسبب أن منهجية هذا الشريك مغايرة عن منهجية الشريك الوطني الرئيس في إدارة الائتمان، والمخاطرة المالية.
نتائج الدراسة جديرة بالتأمل كون أن الاقتصاد السعودي سيقدم، بعون الله تعالي، على مرحلة نمو مستديمة تختلف عن مراحل النمو السابقة. وهذه ليست دعوة للمقارنة البينية بين نتائج الدراسة ومستقبل الاقتصاد السعودي، كونه من المستحيل إجراء مقارنة موضوعية بين مقال ودراسة. ولكنها في الوقت نفسه دعوة للمقارنة الشمولية للتعرف على المحاور اللازمة لاستيعاب مرحلة النمو هذه وبناء ما يلزم من الإمكانات لتفادي تحدياتها وبلوغ آفاقها.
يراوح مستوى دخل المواطن في اقتصادات الدول محور الدراسة أعلاه، باستثناء كوريا، بين متوسط ومنخفض. أدت هذه الحقيقة إلى عدم جدوى تخصيص مصارفها التجارية عن طريق الاكتتاب العام لتواضع قدرة المواطن الشرائية على ضخ السيولة اللازمة.
مقارنة بمستوى الاقتصاد السعودي، فإن مستوى دخل المواطن يصنف، وحسب معايير البنك الدولي، على أنه ذو دخل عال. نستخلص من هذه الحقيقة أن قدرة المواطن السعودي على ضخ السيولة اللازمة في عملية التخصيص أكبر من تلك الموجودة في اقتصادات الدول محور الدراسة. وعندما نضيف جاذبية التخصيص للمواطن السعودي كعامل لا يقل أهمية عن القدرة الشرائية نجد بعض التفسير للاختلاف بين نمو الإقبال على الاكتتابات الأخيرة، وبخاصة عملية اكتتاب "كيان السعودية" الأسبوع الحالي، والاكتتابات السابقة.
والعامل الثاني، أن العمق المالي لأسواق المال في الدول محور الدراسة يختلف عن ذلك الموجود في السوق المالية السعودية. حيث واجهت الدول محور الدراسة العديد من التحديات الاقتصادية خلال مرحلة التخصيص، كانهيار الاتحاد السوفياتي وتأثيره في اقتصادات دول شرق أوروبا، أو أزمة الأسواق المالية الآسيوية وانعكاساتها السلبية على اقتصادات دول شرق آسيا. وبالمقارنة، نجد أن نظام وأداء السوق المالية السعودية في وضع أفضل من ذلك الموجود في اقتصادات تلك الدول إبان فترة التخصيص، ولا سيما وهو يمر حالياً بموجة نموه السادسة (2006-2009).
تحمل هذه المقتطفات في طياتها العديد من البشائر التي توضح ما سيقدم عليه الاقتصاد السعودي، بعون الله تعالي، من مرحلة نمو مستديم تختلف عن مراحل النمو السابقة. تستلزم مرحلة النمو هذه الإعداد الأمثل لاستيعابها وبناء ما يلزم من الإمكانات لتفادي تحدياتها وبلوغ آفاقها.