رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


بعد الصبر ما طال سينهض العقار لا محال

[email protected]

كانت مقالتي في الأسبوع الماضي بعنوان: استثمروا في العقار! وقد سألني كثيرون لماذا الاستثمار في العقار الآن؟ وما الجديد في وضعه؟ وكيف يكون الاستثمار فيه؟
أما لماذا الآن فلأني أرى بوادر تطوير وإصلاح في هذا القطاع، ولاشك أنها إذا استمرت بهذا الزخم وتكاملت منظومة الإصلاح فإنها ستحدث رواجا واسعا في قطاع العقار. فالإسكان من الحاجات الأساسية للناس، وما زال نحو 60 في المائة من السكان لا يملكون منازلهم، ومجتمعنا يتصف بمعدل نمو عال في السكان، يشكل صغار السن نسبة عالية فيه، وكل هذا سيعني نمو الطلب واستجابة العرض له. والمستثمر الحصيف لا بد أن ينوع استثماراته ويضع دائما جزءا منها في العقار، لأن عوائده مضمونه ومستقرة، وهي وإن كانت محدودة، إلا إنها متدنية المخاطر مقارنة بغيرها.
والحق أنه إذا تم تطوير منظومة قطاع العقار من الناحية النظامية بتفعيل نظام الرهن العقاري ونظام التسجيل العيني وتوثيق الملكيات، وكذلك تطويره من الناحية الإدارية بإنشاء هيئة للتطوير العقاري، تقضى على فوضى المساهمات العقارية الارتجالية، وتضع ضوابط تنظيمية فعالة لكبح جماح ظاهرة المنح واستيلاء البعض على مساحات واسعة من الأراضي الصالحة للسكن في المدن والحواضر المأهولة، وتم ثالثا تطوير القطاع من الناحية المؤسساتية بتكوين مؤسسات وساطة مالية توفر التمويل اللازم لشراء المساكن بتسهيلات طويلة الأجل كما يجرى في كل بلاد الدنيا، ثم تكّون على ضوء كل ذلك شركات تشييد عقاري رائدة تقوم بتطوير أحياء كاملة، وتأخذ دورها كصانع للسوق، فإن من شأن كل هذه التطورات والإصلاحات أن تحدث رواجا غير مسبوق في قطاع العقار سينعكس أثره على مجمل قطاعات الاقتصاد بشكل مباشر أو غير مباشر.
وقد سرني أنني وجدت في اليوم التالي من نشر مقالتي أن زميلنا في صفحة الرأي بهذه الجريدة المهندس المعماري الدكتور عبد الله الفايز، قد كتب مقالة جاءت معضدة لما قلت، صاغها بأسلوبه الرشيق وزودها بمعلوماته الثرية، وركز فيها على الجوانب الاقتصادية حتى خلته اقتصاديا متمرسا بجانب كونه مهندسا معماريا مرموقا. ولاشك أنه إذا تم تطوير القطاع تنظيما وتمويلا، فإن ذلك مدعاة لزيادة رواج الاقتصاد. وسيسهم في توفير فرص عمل إضافية، سواء في القطاع نفسه أو في القطاعات المرتبطة به بخاصة قطاع الخدمات المصرفية وخدمات التأمين وخدمات الاستشارات الهندسية والمحاسبية والقانونية، وكذلك في قطاع تجارة مواد البناء وصناعة الأثاث وكل ما له علاقة بصناعة العقار.
أما كيف يكون الاستثمار في العقار؟ فإن شأنه كشأن غيره، فيكون إما بالاستثمار مباشرة في شراء الأراضي والعقارات، أم بطريق غير مباشر بشراء وحدات في صناديق الاستثمار العقاري التي تديرها مؤسسات مالية متخصصة. وقد صادفت هذه الصناديق رواجا في العقدين الأخيرين في كثير من دول العالم، نظرا لمزايا تتعلق بقدرتها على جمع أموال ضخمة وتبني مشاريع كبيرة ذات عوائد أفضل ومخاطر أقل من الاستثمار الفردي المباشر، وهو ما سيمكنها من توظيف كفاءات إدارية محترفة. كما أن هذه الصناديق تقبل المساهمات الصغيرة من الناس وتوفر لهم السيولة عند حاجتهم لها.
لكن الاستثمار في الصناديق العقارية سيظل محفوفا بشكوك الناس وترددهم في الإقبال عليها، بخاصة بعد تجربتهم المريرة مع البنوك في صناديق الأسهم. ولذلك ولكي تنجح هذه الصناديق وتجد رواجا عند الناس، فلابد من خضوعها لأنظمة مراقبة دقيقة.
إن القاسم المشترك الأهم الذي يضمن أن يتبوأ قطاع العقار دوره ومكانته في الاقتصاد، هو إيجاد بيئة قانونية صحية وسليمة تجعل المستثمر المحلي (قبل الأجنبي) يشعر ويلمس بنفسه حصول تحول وتطور حقيقي في البيئة القانونية وبيئة الأعمال، ويتأكد من انتهاء الفساد المعطل للمشاريع العملاقة، ويلمس عمليا, القضاء على البيروقراطية الحكومية الكأداء بأشكالها وصورها كافة. وأنا أعرف وأعلم بوجود رغبة صادقة لدى عدد من رجال المال السعوديين، بل ومطلع على مخططات جاهزة لديهم، ليس فقط لتطوير وإنشاء أحياء سكنية، بل وإقامة مدن كاملة وضواح عصرية فاخرة، لو نفذت لأحدثت تحولا اقتصاديا كبيرا جدا يفوق ما نشاهده في دبي ودول الخليج الأخرى، ومنها مشروع ضخم لإقامة مدينة متكاملة عند مدخل مكة المكرمة!
إنني أوافق أخي الدكتور عبد الله الفايز، أننا يجب أن نبدأ من حيث انتهي الآخرون، وعلينا أن نأخذ عبرة من التجارب الفاشلة لبعض الدول العربية. وقد ذكرني قوله هذا بما قرأته في مذكرات "محمد أحمد فرغلي باشا"، وكان أحد كبار باشاوات مصر قبل الثورة، وواحدا من رجال أعمالها العصاميين الذين بدأوا من الصفر ونجحوا ونافسوا الأجانب الذين كانوا يسيطرون على اقتصاد مصر. فقد ذكر في كتابه " عشت حياتي بين هؤلاء " أنه أيد الثورة عندما قامت وباركها لأنه أدرك بثاقب نظره أنها كانت لابد وأن تقوم، فالفساد الذي شاهده ولمسه من البطانة كان يدله على أن الوضع لا يمكن أن يستمر بحكم السنن الكونية، بل إنه صرح في مذكراته تلك أن الثورة تأخرت وأنه كان يتوقع قيامها قبل سنة 1952. وعندما قامت واستقرت الأمور أراد أن يسهم في تطوير اقتصاد بلاده، فتقدم الرجل للرئيس جمال عبد الناصر باقتراح إقامة ضاحية سكنية كبيرة وجديدة حول القاهرة. بعد أن استطاع بمجهوده وسمعته العالمية الجيدة أن يقنع عددا من الشركات ورجال الأعمال الأجانب ليسهموا فيه. وعلى الرغم من ارتياح الرئيس عبد الناصر لأحمد فرغلي باشا دون سواه من باشاوات مصر، إلي الدرجة التي كان يستثنيه أحيانا ويحميه من مفاسد نظام الحراسات المقيت الذي طبقته الثورة عام 1961، وأخّر مصر 100 سنة للوراء، أقول على الرغم من ذلك إلا أن طبيعة الشك المتأصلة في شخصية الرئيس، لم تكتب لمثل هذه المشاريع أن ترى النور، مع أن بعضها كان سابقا لزمانها، وكان يمكن أن تنقل الاقتصاد المصري خطوات واسعة للأمام.
إن مظاهر وطرق وأسباب الفساد قد تختلف من مجتمع لآخر، لكن النتيجة واحدة! وهي فوات الفرص وتعطل الحياة وتراجع الاقتصاد وانتشار البطالة وشيوع الفقر وبروز الأفكار المتطرفة ثم الفوضى فالانهيار وضياع كل شيء! وحينها لا ينفع الندم، (ولات حين مناص) لأن سنن الله تعالى في كونه أمضى وأقوى من رغبات الفاسدين والمفسدين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي