اقتصاديات المعلومات وجدية الاستثمار
إن مفهوم الأمية في العالم العربي تخطى حدود عدم القدرة على القراءة أو الكتابة إلى غير القادرين على التعامل مع تقنية العصر (الحاسب الآلي بأنواعه المختلفة), وبالتالي دخل المتعلمون الذين لا يستخدمون أو المترددون في استخدام هذه التقنية في الزمرة نفسها, وهذا محرج جدا, لأنه هدر بشري ومالي إضافة إلى الهدر الزمني الذي لا يمكن تعويضه بعد فوات الأوان. لقد دعتنا الحاجة إلى التحول للمجتمع الرقمي, بعد أن استشعرنا طول الوقت المستغرق في عمليات البحث والتعلم وتقديم الخدمات في ظل الزيادة السكانية. من ناحية أخرى كانت زيادة الإنفاق على الأوعية التقليدية التي أصبحت باهظة الثمن مثل الكتب والدوريات العلمية والتقارير الدولية والمحلية... إلخ, ظروف أجبرتنا على التعامل مع معطيات العصر بهذا الحل. ولكن كيف تعاملنا مع الواقع؟ وماذا أعددنا لمستقبلنا لنكون على أهبة الاستعداد لكل جديد في هذا المجال؟. وهل سنستفيد من هذا التحول في مسيرة التنمية الاقتصادية؟.
في الواقع مازلنا أبطأ المجتمعات القادرة على التحول للأتمتة والرقمنة, وبالرغم من أن العجلة تسير في مسارها الصحيح - بإذن الله - تنمويا، إلا أن واقع إحدى أهم الصناعات وهي صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المنطقة العربية بشكل عام وفي منطقة الخليج بصفة خاصة مازال يتسم بحالة من التردد والخوف وعدم الوضوح في الرؤى. فهناك فجوة اقتصادية بين الدول العربية عامة، حيث توجد دول غنية تستطيع اقتناء أحدث نظم تقنية المعلومات وأخرى فقيرة تنظر إلى تقنية المعلومات كرفاهية لأن أولوياتها تأمين السكن والغذاء. من ناحية أخرى هناك اختلاف شديد في الكثافة السكانية فدول يمكن لها أن تصدر القوى العاملة المدربة والمؤهلة، في حين أن أخرى محدودة التعداد السكاني وتعتمد على القوى العاملة الوافدة. كذلك الحال ينطبق على المستويات العلمية والثقافية المتباينة بينها. مع استمرار كل ذلك, أصبح واضحا أننا لا نسير وفق استراتيجيات من شأنها تحقيق التنمية الشاملة المتكاملة فتتقلص الفوارق بيننا وتضيق الفجوة الرقمية التي نحاول جاهدين ونأمل أن تنحسر في أقصر وقت ممكن. لذلك أعتقد أن بتبنينا "اقتصاديات المعلومات" كتخصص وكممارسة لتحسين أداء المؤسسات المدنية بشكل عام, سنكون أسرع لتحقيق الهدف وأكثر واقعية في التعامل معها, ولنكون عمليين علينا تخطي المعوقات التي من أهمها: (1) الاتفاق على آلية التوظيف أو التعاقد ونبذ المحاباة التي تعطل بل قد تدمر ما كان يمكن أن يسمى "بناء الموارد البشرية المتخصصة". (2) الاتزان حيال الاندفاع وراء المشاريع المبهرجة غير المتكاملة أصلا, والتثبت من حجمها الأساسي ومردودها قبل التسابق للإعلان عن حيازتنا لآخر صرعة, أو كوننا أول المستخدمين, أو تميزنا لقدرتنا على توفيرها, وغير ذلك من عبارات رنانة جوفاء. لقد ثبت أن كل ذلك ما يلبث أن يتلاشى إذا ما طرأت مشكلة إدارية بسيطة, وفي الحقيقة هذا ما يُخشى حدوثه لمشروع الحكومة الإلكترونية الذي بدأنا نشعر بنفحات فوائده في بعض المواقع. (3) أن نعي بأن الحلول لا تكمن كلها في استخدام النظم الآلية على الإطلاق, فإدارة الأنشطة والخدمات تحتاج إلى الإلمام بحاجاتنا والفهم الدقيق للوظائف والمهام الأساسية, وتعميق الرغبة في التحول للرقمنة أو الأتمتة. (4) اعتبار المعلومات أدوات لا يمكن استخدامها والتحكم فيها بسهولة مثلما نتحكم في إدارة مرفق أو مجموعة من الموظفين، فبدون نظرة تخصصية, وإشراف شمولي لصيق, ودون اهتمام بالغ فستكون إدارتها بطريقة الهواة في عصر الاحتراف.
بالطبع أفضل الأساليب لإدارة هذه الصناعة هو أسلوب القطاع الخاص حتى ولو كان في داخل المؤسسة العامة. فالشركات الخاصة قادرة على الارتقاء بالأنشطة لمرونة أنظمتها ووضوح أهدافها لدى جميع المنتسبين لها. ولذلك يجب دعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص أملاً في تحقيق أكبر عائد من استخدام البنية التحتية القائمة وتلك التي سيتم إنشاؤها، ومن الاستثمارات الجديدة. ولا أجد دليلا أكثر وضوحا من توجه خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله ويرعاه، في رحلاته المكوكية والمحافل التي شرفها بحضوره وكلماته للمسؤولين بدعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص في فترة الازدهار المقبلة بإذن الله والذي بذلك رسم الطريق للقطاعين لإتمام وتحقيق تنمية شاملة متكاملة.
من واقع الممارسة والخبرة, أستطيع القول إن الكثير ينتظر الشركات فمازالت خدمات دعم المستهلكين لكبرى الشركات المصنعة تأتي من الخارج. ومازال في جعبتنا كعرب الكثير لنقدمه. فعلى سبيل المثال غزارة استخدام اللغة الإنجليزية في الإنترنت (حسب آخر التقارير) بلغت نحو 69 في المائة, في حين تنحصر لغات العالم أجمع في 31 في المائة منها فقط, وللأسف لم تتجاوز اللغة العربية 1 في المائة على أكثر تقدير, فأين نحن من تطوير قدرات الشباب أينما كانوا ليكونوا في مواقع الخدمة؟ وأين نحن من ترجمة الإنتاج الفكري والنشر الإلكتروني؟, وأين نحن من تعريب نظم التشغيل الآلية؟... إلخ, التي تعتبر حالياً من أهم الفرص المواتية للاستثمار، حيث إن المحتوى العربي مازال محدودا جدا، وللحديث بقية.