كيف يصل مجلس الشورى لتطلعات المواطن؟..التأمين الصحي كفرصة
مجلس الشورى صوت المواطن ومجلس المواطن لذا يسمى في بعض الدول مجلس الشعب أو الأمة. لكن بما أننا أمه مسلمة ونتمسك بتطبيق الشريعة الإسلامية منهجا لذا فإننا نستأنس باستخدام المصطلح القرآني "الشورى" "وأمرهم شورى بينهم". صلاحيات مجلس الشورى لا تختلف في مجملها عن صلاحيات المجالس البرلمانية الأخرى، فللمجلس الحق بممارسة الدور التنظيمي (التشريعي)، كما يحق له اقتراح مشروع نظام جديد، أو تعديل نظام نافذ حسب ما نص عليه نظام مجلس الشورى.
المادة الحادية والعشرون من مجلس الشورى تنص على "يكوِّن مجلس الشورى من بين أعضائه، في بداية مدته اللجان المتخصصة اللازمة لممارسة اختصاصاته". فبناء على هذه المادة كون مجلس الشورى لجنة خاصة بمسمى لجنة الشؤون الصحية والبيئية. عند مراجعة مهام لجنة الشؤون الصحية والبيئية حسب موقع المجلس لم يتم الإشارة إلى نظام التأمين الصحي من ضمن مهام لجنة الشؤون الصحية والبيئية على الرغم من أن التأمين الصحي سيكون المحرك الأساسي للنظام الصحي في المملكة!. علاوة على ذلك فإن لجنة الشؤون الصحية والبيئية لم تشر (حسب موقع مجلس الشورى على الإنترنت) إلى مجلس الضمان الصحي من ضمن الجهات التي تدرس موضوعاتها على الرغم من كون مجلس الضمان الصحي يعتبر هيئة حكومية مستقلة! فمجلس الضمان الصحي يعتبر الجهة التي تشرف على تطبيق الضمان الصحي التعاوني حسب قرار مجلس الوزراء الموقر رقم 71 وتاريخ 27/4/1420هـ الموافق 11/8/1999م. هناك هيئات أنشئت بعد مجلس الضمان الصحي كهيئة الغذاء والدواء ومع ذلك تم الإشارة لها من ضمن الجهات التي تدرس لجنة الشؤون الصحية والبيئية موضوعاتها بينما لم يتم الإشارة إلى مجلس الضمان الصحي!
تضم لجنة الشؤون الصحية والبيئية نخبة من الخبراء المتخصصين من أطباء وصيادلة ودكاترة في الفيزياء(حسب السيرة الذاتية للأعضاء على موقع الإنترنت)، لذا فمن المفترض أن يشكل مجلس الشورى فرق عمل سواء من داخل المجلس أو من خارجه لدراسة الضمان الصحي وانعكاساته الاقتصادية والقانونية والخدماتية. فالعديد من الدول مازالت ترسل فرقا من مجالسها البرلمانية لدراسة التأمين الصحي على الدول الأخرى بمنأى عن الصيغة المقرة في بلدها. ففي أمريكا تم إرسال "وما زلت ترسل" العديد من الفرق المتخصصة لدراسة الأنظمة الصحية في كل من ألمانيا وانجلترا وويلز وفرنسا وهولندا وغيرها ومقارنة هذه الأنظمة مع النظام الصحي الأمريكي.
فنتمنى من مجلس الشورى أن يشكل مثل هذه اللجان ومن ثم يتم رفعها للمجلس لدراستها بعمق قبل رفعها للمقام السامي للاعتماد. لا شك أن الضمان الصحي سيمس كل مواطن. لذا فإن دراسة مجلس الشورى للضمان الصحي التعاوني باستقلالية تجعل قرارات مجلس الشورى تجاه التأمين الصحي أكثر توازنا وعمقا. فالصيغة المرفوعة للتأمين الصحي قد تقول إن نصف الكأس مملوء لكن بدراسة التأمين الصحي باستقلالية في مجلس الشورى تمكن مجلس الشورى من الفهم بأن النصف الآخر قد يكون فارغا.
فنظام الضمان الصحي التعاوني المطبق فيه من النقص والخلل الذي لم نر مشاركة لمجلس الشورى أو دورا في تعديله أو التأكد من ملاءمته لواقع خدماتنا الصحية. فالارتفاع المتوقع للتكلفة العلاجية بسبب عدم وجود ضوابط تمنع منها، وكيفية مراقبة القطاعين الخاص والعام من مدى الالتزام بالمعايير الصحية؟ وكيفية الحد من الانعكاسات السلبية للتأمين الصحي على الاقتصاد الوطني خصوصا في ظل العولمة؟ وهل التأمين الصحي تعاوني فعلا؟ وغيرها من المحاور الخدماتية والقانونية التي لم يجب عليها القائمون على مجلس الضمان الصحي التعاوني.
الذي أخشاه أننا قد نتسرع في وضع الأنظمة الصحية مما يجعلنا نعاني لفترة طويلة بسبب عدم تكامل الأنظمة. فرئيس هيئة سوق المال السابق صرح بأن أحد أسباب انهيار سوق الأسهم عدم اكتمال الأنظمة مما نتج عنه معاناة للعديد من الأفراد، خصوصا في فترة تصحيح بعض أنظمته الأساسية. فوضع الأنظمة على قاعدة الخطأ ثم التصحيح try & error لا يفيد في القضايا الحيوية، التي تنعكس بشكل مباشر على حياة المواطن. كما أن أسلوب المحاولة ثم التصحيح يجعل حركة تصحيح الأنظمة تمتد فترات طويلة.
لا شك أن مجلس الشورى هو الممثل والضابط لوضع الأنظمة لتصب أولا لمصلحة المواطن. للأسف أن بعض أعضاء مجلس الشورى يبرر بعض قصور مجلس الشورى عن توقعات المواطنين بأن دور المجلس تشريع وليس تنفيذيا. لكننا نرى أن القصور في بعض القوانين والتشريعات يؤثر سلبيا في سواء التطبيق. فالدور التشريعي لا يزال فيه مساحة كبيرة جدا للتطوير والإصلاح. فحكومة خادم الحرمين الشريفين أعطت مجلس الشورى صلاحيات موسعة سعيا منها لدفع العجلة التنموية للبلد. كما أن كلمة خادم الحرمين الشريفين الأخيرة فيها دلالات قوية وإصلاحية. فإصلاح الأنظمة والقوانين هو أساس في أي عملية إصلاح. فمشكلتنا دائما مع الأنظمة وليس مع الأشخاص لذا فإن تبني الأنظمة بشكل صحيح هو الأساس في أي عملية إصلاح.
ختاما فإني أوجه دعوة خالصة من القلب لرئيس مجلس الشورى بضرورة التدقيق ومراجعة نظام التأمين الصحي التعاوني قبل تطبيقه على المواطنين وأن تشكل لجان من المجلس باستقلالية لدراسة النظم الصحية العالمية بدلا من دراسة نظام صحي مرفوع ومعد من قبل وزارة الصحة. كما أن دراسة انعكاس التأمين الصحي ليس على المرحلة الحالية للخدمات الصحية بل ما سوف تقوده الصيغة المرفوعة على الخدمات الصحية مستقبلا. فتطبيق التأمين الصحي قد يكون له شهر للعسل كما حصل مع تأمين الرخصة لكن بعد فترة تبدأ مرحلة الخلافات ثم مرحلة الطلاق التي لا نريد أن نصل لها أبدا.