فوجيان .. نقلة نوعية

فوجيان .. نقلة نوعية

إعلان شركات: "أرامكو السعودية"، "إكسون موبيل" الأمريكية، و"صينوبيك" الصينية، المضي قدما في مشروع مجمع فوجيان المشترك بينهم يشكل نقلة نوعية سيكون لها تأثيرها في عمل الشركات الثلاث وربما في السوق بصورة عامة، فالسعودية هي أكبر منتج ومصدر للنفط، وشركتها الوطنية أكبر شركة نفط في العالم بحكم ما يتاح لها من مخزون وطاقة إنتاجية، و"إكسون موبيل" هي أكبر شركة نفط عامة مسجلة في البورصة، وخلفها تاريخ طويل من القدرات الفنية، الأمر الذي جعلها تتبوأ القمة ولا تزال بين منافسيها ورغم التحدي الذي فرضته الشركات الوطنية مثل "أرامكو" عليها.
أما "صينوبيك"، فليست في قدرات شريكيها في المشروع الذي استغرق التباحث بشأنه فترة عامين، لكن ثقلها ينبع من أنها تعتبر البوابة للسوق الصينية الواعدة لكل من يريد أن يبيع شيئا.
ويظهر هذا في أن المشروع سيفتح الباب أمام الشركاء في سوق التجزئة الصيني المغلق تقريبا في وجه الأجانب، خاصة وهو يتضمن إقامة 750 محطة لخدمة المستهلكين يمكن أن تصبح النواة لدخول سوق التجزئة بصورة أكبر وأشمل مستقبلا. والصين في النهاية ليست فقط ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة، وإنما هي تسجل نسبة الزيادة الأكبر التي تتجاوز الثلث في حجم النمو في الطلب الذي يشهده العالم كل عام.
من ناحية أخرى، فإن المشروع يمثل فرصة جيدة لشركة أرامكو، فهو لا يوفر منفذا جديدا لاستخدام النفط الخام، وهو ما يصب في استراتيجية قديمة بالتوسع ما أمكن في تكرير النفط وتوصيله إلى السوق منتجات مكررة ذات قيمة إضافية، وإنما لأن نوع الخام الذي سيستخدم في المشروع من النوع الثقيل، وهذه الخطوة ستشكل تخفيفا على الضغوط الواقعة على النفط الخفيف المرغوب أكير في الأسواق.
ومعروف أن قرابة ثلثي الصادرات السعودية من النفط الخفيف. ورغم تزايد الاكتشافات في هذا الجانب خاصة في المنطقة الوسطى وحقل الشيبة، إلا أن إيجاد سوق للنفط الثقيل يمثل متنفسا من ناحية أخرى ويقلل بالتالي من حجم الضغط على الحقول لتوفير كميات متزايدة من النفوط الخفيفة.
تكرير النفط الثقيل لا يحسب لصالح السعودية فقط، وإنما الصين نفسها التي لا تتوفر لديها الإمكانيات الفنية لتكرير هذا النوع من الخامات الثقيلة، وهو ما يتيح الفرصة من ناحية ثالثة لشركة إكسون موبيل لتطبيق تقنياتها المعروفة في هذا المجال.
اللافت في المشروع عنصر المصلحة الواضحة فيه، والفائدة التي ستعود على كل طرف، وليس أفضل من البناء على المصالح المشتركة التي توفر أرضية صلبة للتعاون المثمر والمستقبلي الذي سيكون في إمكانه الوقوف على أرضية قوية.
وهذه الأرضية الصلبة التي يوفر لها مشروع فوجيان الفرصة للانطلاق تمثل نقلة تستحق التعامل معها بصورة أكبر من مجرد مشروع على أسس تجارية بين شركاء ثلاثة.
السوق النفطية كانت ولا تزال تعيش حالة من عدم الاستقرار لأسباب متنوعة ومتعددة، ورغم الحديث عن التركيز على النشاط في الجانب التجاري فقط، إلا أن واقع الحال يشير إلى أن هذه الصناعة معجونة بالسياسة ببعدها الاستراتيجي، ولهذا فإن أي حديث عن تحقيق استقرار في السوق يتطلب فحص العناصر المؤثرة في ذلك. وإذا كان كل من المنتجين والمستهلكين يمثلان الأطراف الرئيسية في المعادلة، إلا أن الأمر لا يقتصر عليهما، فهناك من ناحية أخرى عامل الشركات الأجنبية التي لعبت في السابق الدور الأساسي في إدارة السوق النفطية، ورغم عمليات السيطرة من قبل الدول المنتجة على ثرواتها الطبيعية عبر شركاتها النفطية الوطنية، إلا أن التجربة العملية أعادت فتح بعض المنافذ أمام الشركات الوطنية للعودة بصورة ما من الصور عبر تقديم بعض الخدمات أو بالمشاركة مع آخرين في ميدان العمليات الأمامية وذلك لتمتعها بميزات في جانبي المقدرة الفنية والقدرة على حشد التمويل.
مشروع فوجيان يمثل حالة نموذجية لتمكنه من استقطاب ثلاثة من أكبر اللاعبين في السوق النفطية، وهو مشروع يفترض أن يسهم في تحسين وضع الإمدادات إلى السوق من خلال تجميع قدرات اللاعبين الثلاثة. وهذه القدرة على تجميع الإمكانيات وتلبية احتياجات السوق وإمكانية العمل سويا، هي التي تحتاج إليها السوق للوصول إلى حالة التوازن التي تحتاج إليها وتمثل في التحليل النهائي.
السوق جربت من قبل أن تصبح سوق لاعبين فقط أو مشترين فقط. ومن تكون أشرعته معبأة بالريح ينطلق كما يريد ودون اتعاظ بتجارب الآخرين.
مفهوم البائعين والشارين اقتصر على الدول منتجة ومستهلكة بعد عمليات السيطرة على الصناعة النفطية من قبل "أوبك" قبل أكثر من 30 عاما، على أن هذه حالة من المفاهيم التي تحتاج إلى مراجعة لتضم القائمة الشركات الأجنبية التي عادت لتلعب دورا أكثر تأثيرا إلى جانب الالتفات إلى لاعبين جدد أمثال "صينوبيك"، التي تمثل إلى حد ما أحد أكبر المستهلكين، وفوق هذا العامل توفير الإرادة السياسية القادرة على إحداث الاختراق المأمول.

[email protected]

الأكثر قراءة