في سوق الأسهم .. ما زالت هناك أسئلة معلقة!
في سوق الأسهم لا يوجد ما يسمى بالاحتفاظ بالأسهم حتى الموت مهما كانت مغرية ومربحة وذات مستقبل باهر، ولكن تبقى الخيارات مفتوحة أمام المتداولين، فمنهم من يؤمن بالمضاربة السريعة والحادة لدرجة يومية، وهناك مَن يفضل مضاربة ذات مدى أطول وقد تصل إلى استثمار قصير الأجل ترسمه نسبة أرباح معينة أو فترة زمنية محددة لتصل إلى مستثمرين بنظرة طويلة الأجل. وهذا الاختلاف في التوجهات الاستثمارية تحكمه طبيعة وثقافة المستثمرين وبشكل كبير جدا يعتمد على طرق التحليل المستخدمة لاتخاذ قرارات البيع والشراء والاستثمار، وهنا يبرز دور الخبراء في التحليل بشقيه الفني والأساسي.
والتحليل الأساسي المالي هو جزء لا يتجزأ من استراتيجيات الاستثمار في الشركات وهو يعنى بالبحث في القوائم المالية السنوية للشركات وبالإيضاحات المرافقة لتلك النشرات. ويهدف هذا التحليل إلى إمكانية توقع التحركات المستقبلية لاستثمارات الشركات وفي النهاية التأثير الذي يحدثه على أسعار الأسهم. ومن بين المؤشرات التي يقوم خبراء التحليل الأساسي بدراستها السجلات السابقة لأصول الشركات والعوائد والمبيعات والمنتجات والإدارة والأسواق وذلك بهدف التنبؤ بالمتغيرات المستقبلية. ومن خلال تقييم الفرص المستقبلية لشركة ما، يستطيع خبراء التحليل الأساسي تقييم ما إذا كان السهم أعلى أو أقل من قيمته الحقيقية.
هذا الحديث ما زال يصب في خانة المستثمر أو المحلل المالي القادر على دراسة القوائم المالية للشركات وتقييم جدوى الاستثمار فيها، ودرجت الصحافة المحلية على نشر العديد من الآراء والتحليلات على مستوى الشركات من منظور المستثمر والمتداول. وبناء على متابعتي للكثير من المحللين الماليين فإن السواد الأعظم منهم استمر على النهج المذكور في تحليل متجرد للقوائم المالية للشركات، ولم يتطرق إلى الإشكاليات الناتجة عن قرارات الشركات في التوسع أو الطرح العام من منظور المراقب، وكذلك الإشكاليات الناتجة عن قرارات هيئة سوق المال المتعلقة بتلك الشركات. والقليل من المحليين تناولوا إشكاليات تلك القرارات من منظور أوسع.
لفت انتباهي بشكل كبير مقالات للمحلل المالي الزميل محمد العمران في جريدة "الاقتصادية"، فيما يخص الطرح من منظور أوسع من مجرد جدوى الاستثمار لتصل إلى مستوى الانعكاسات الاستثمارية على مستوى الاقتصاد الكلي، ولذلك فإن الأسئلة الكثيرة التي تحملها مقالته تخص في غالبها القرارات الاستراتيجية فيما يخص الآليات المتبعة في سوق الإصدارات الأولية (اكتتابات أولية عامة أم إصدارات أسهم حقوق الأولوية) وما يتبعها من عدالة تقييم الشركات وبالتالي عدالة علاوة الإصدار.
واللافت في طرح العمران، هو كثرة علامات الاستفهام التعجبية التي تحتويها مقالاته والتي أرى بأنها أسئلة مثيرة للاهتمام على مستوى مشرع السوق وعلى مستوى الشركات وأهمها على مستوى المستثمرين والمتداولين لأسهم تلك الشركات. ومما يزيد الإثارة بأن تلك الأسئلة تركت حتى اليوم من دون أن تحظى بإجابة أو إيضاح من الإطراف ذات العلاقة، وهو ما دعاني لكتابة هذا المقال.
والمنطق يفرض حالتين، الأولى أن تكون تلك الأسئلة غير منطقية وهو ما يجدر بالشركات الرد لتوضيح الخطأ في طرحها، أو أن تكون تلك الأسئلة صحيحة وهنا لا بد من وقفة صادقة وجريئة لإيضاح تلاعب الشركات والحفاظ على أموال المستثمرين والمتداولين ووضع أسس راسخة للشفافية في سوق الأسهم السعودي. إن ترك تلك الأسئلة من دون إيضاح على هذا النحو فإنه يزيد علامات الاستفهام ولذلك فإن الموضوع من وجهة نظري يحمل أهمية وقيمة اقتصادية كبيرة.
ختاما، فإن الجزء الأكبر من المسؤولية، من وجهة نظري، يقع على عاتق هيئة سوق المال، لتأخذ وجهة نظر وتحليل الخبراء الماليين في الحسبان وأن تدعم توجه الشفافية في الطرح. فحماية المال العام وحماية المتداولين والمستثمرين تعد من أسمى الأهداف التي أوجدت الهيئة من أجلها.