عندما يتصدّى قناصو الفرص لمعالجة البيئة الاستثمارية
أكثر الناس إحساسا بقضايا البيئة الاستثمارية هم المستثمرون في القطاعات الاقتصادية كافة، فهم مَن يكابدون المعاناة ويتكبدون الخسائر في الوقت والجهد والمال ويتألمون لضياع الفرصة، لذلك فهم الأكثر قدرة على التصدي لها باعتبارهم الأكثر معرفة بتفاصيل بيئتهم الاستثمارية بما تحمله من فرص وتهديدات وحوافز وعوائق، وباعتبارهم الأكثر معرفة بالبدائل العلاجية التي يمكن تطبيقها على أرض الواقع والأكثر قدرة على تقديم المقترحات المدعومة بالنماذج العلاجية الناجحة.
هؤلاء المستثمرون ومن خلال مؤسساتهم وشركاتهم، وفي سبيل معالجة البيئة الاستثمارية، يطرحون مقترحاتهم ونماذجهم الناجحة من خلال الوسائل والأنشطة الاتصالية كافة بهدف حث المسؤولين والعاملين والرأي العام على التحرك لتعزيز الحوافز لاغتنام الفرص ومعالجة العوائق لتجنب التهديدات، وهذا شيء متوقع، بل مطلوب باعتبار أن اللاعبين الكبار في أي قطاع هم الأقدر على تطويره إلى الأفضل، كما هو متعارف عليه عالميا أيضا، بل إن الحكومات في الدول المتقدمة دائما ما تستهدف إيجاد لاعبين كبار في كل قطاع بهدف تطويره بشكل مستمر بما يتناسب والمتغيرات.
وبخط متواز نشأت مؤسسات خدمية تقدم الخدمات اللازمة لإيصال رسائل المستثمرين من خلال الوسائل الاتصالية كالتلفاز والإذاعة والصحف والمجلات وشبكة الإنترنت، أو من خلال الأنشطة الاتصالية كالمعارض والمؤتمرات والندوات والاحتفالات وغيرها، وعادة ما تقدم هذه المؤسسات الخدمية الخدمات اللوجستية كالتحرير والنشر والتوثيق والمتابعة والتنظيم والإشراف على التنفيذ، لكنها لا تقوم بحال من الأحوال بتحليل القضية وتشخيصها واقتراح الحلول باعتبار أن المستثمرين هم الأقدر على القيام بذلك لما يملكونه من معارف وخبرات وإحاطة تفصيلية بالقضية مدار العرض والحوار والنقاش والتشخيص والتفكير.
في كثير من الأحيان، ومن أجل تحقيق الأرباح من خلال اغتنام الفرصة يقوم بعض المؤسسات الخدمية بالتصدي لبعض القضايا الاستثمارية من خلال طرحها نشاط ااتصاليا (مؤتمر، معرض،.. إلخ) حيث تقوم بجمع معلومات سطحية عن القضية وتضعها في محاور لتعرضها على إحدى الجهات ذات الصلة بصورة مباشرة أو غير مباشرة لتمنحها المظلة اللازمة لتنفيذ هذا النشاط الاتصالي التي عادة ما توافق باعتبار أن هذا النشاط يمكن تجييره لصالحها، كما يمكن له أن يحقق لها إيرادات مالية هي الأخرى.
وبظني أن هذا العمل رغم "تمظهراته" الإيجابية فإنه ذو آثار سلبية للغاية في المديين المتوسط والبعيد على أصحاب القضية الحقيقيين، حيث تنتهي مهمة الجهة الانتهازية بمجرد تحقيقها أهدافها الربحية لحين إقامة النشاط مرة أخرى في العام المقبل أو الذي يليه، أو تنتهي مهمتها تماما إذا فشلت في تحقيق أهدافها المالية وخسرت من تنفيذ هذا النشاط، وهذا ما جعل معظم تلك الأنشطة تفشل في تحقيق أهدافها حتى كفرت الكثير من الشركات بها باعتبارها أنشطة لا فائدة منها على أرض الواقع لعدم وجود الجهة القادرة على المواصلة المقرونة بالتطوير والمتابعة.
إذن خروج النشاط الاتصالي من جهة انتهازية تهدف لاغتنام الفرصة أكثر مما تهدف لمعالجة القضية محور النشاط لن يحقق الأهداف المعلنة المرجوة بالجودة نفسها في حال خروج النشاط الاتصالي من المستثمرين الأكثر معرفة وخبرة بتلك القضية والأكثر إحساسا ومعاناة بآلامها ومشاكلها، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف لنا أن نعالج تلك المشكلة؟
أعتقد أن حل المشكلة يتمثل بالتحرك في اتجاهين بشكل متواز، الأول من خلال المنشآت الاستثمارية التي ترغب في التصدي لأي قضية استثمارية باعتبار حلها يساهم في تحقيق أهداف المنشأة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، حيث يمكن لهذه الشركات المبادرة بتخطيط وتنفيذ نشاط اتصالي دوري بالتعاون مع إحدى المؤسسات الخدمية المتخصصة، حيث يمكن لهذه المنشأة عرض مخرجات هذا النشاط الاتصالي على الجهات المعنية ومتابعة توظيفها من خلال الوسائل المتاحة والممكنة كافة، أما الثاني فمن خلال المؤسسات الخدمية التي يجب أن تتضامن مع منشأة استثمارية تتبنى هذا النشاط من حيث تغطية التكاليف ومن حيث توظيف المخرجات.
أما أن تتجه المؤسسات الخدمية المتخصصة في الأنشطة الاتصالية إلى جهات غير ربحية بهدف الحصول على المظلة لتحقيق أهدافها الربحية من خلال التصدي لقضية استثمارية تدغدغ مشاعر تلك المظلة، وتوفر لها إنجازا هي أحوج ما تكون إليه إضافة إلى إيرادات مالية تصبوا لتحقيقها. إني أكاد أجزم أن الأضرار على أصحاب المنشآت العاملين في القطاع الاقتصادي المعني بالقضية ستكون أكبر من الفوائد، كما أجزم أيضا أن الانطلاقة لن تعدو كونها انطلاقة خيل كديش لا تلبث أن تتعب وتترك الميدان لغيرها من الخيول الأصيلة القادرة على المواصلة حتى خط النهاية بقوة الانطلاق نفسها في البداية، وكلي أمل وثقة أيضا بالمؤسسات الخدمية أن تركز على مهامها الرئيسية بفكر استراتيجي لا انتهازي يحقق لها السمعة التراكمية والتعاون الوثيق مع منشآت القطاع الخاص بشكل تكاملي بعيدا عن الفكر الانتهازي الضار بالجميع.