تفسير طبيعة المضاربة في سوق الأسهم السعودية

[email protected]

ضمن محاولاتهم توصيف حال السوق المالية السعودية وتفسير تحركاتها وعوامل التراجع ومحفزات النمو، يركز الكثير من المحللين الماليين على أن السوق المالية السعودية سوق "مضاربة" تتسم بالتذبذب الحاد ويسيطر عليها كبار المضاربين الذين يؤثرون بطريقة أو بأخرى في التوجهات المتوقعة أو التي من الواجب أن تكون عليه تبعاً لتحليلهم المالي المبني ضمناً على فرضية تشابه حال السوق المالية السعودية مع نظيراتها العالمية. كما يصل الحال ببعض المحللين إلى أن يتضارب تحليل اليوم مع تحليل الأمس ويتناقض مع توصيات الغد، والملوم في كل الأحوال هو حالة التذبذب والمضاربة في السوق المالية.
إن محاولة جادة لتحليل وتوقع توجهات السوق المالية السعودية يجب أن تبنى على أساس علمي صلب يفسر مكونات الهيكل الجزئي للسوق ويبين مسبباتها والعوامل المؤثرة فيها، ليتم الانطلاق بعد ذلك إلى تحليل توجهات أسهم مختلف الشركات والسوق عموماً بجانب تأثير الأسهم في بعضها بعضا وتأثرها بالمخاطر النظامية المرتبطة بالسوق ككل.
بدأ تزايد الاهتمام والإقبال على سوق الأسهم بشكل منقطع النظير بعد نجاح عملية الطرح الأولي وتداول أسهم شركة الاتصالات السعودية عام 2003، الذي تزامن مع غياب حالة عدم التأكد جراء حرب العراق. كما أسهمت مؤشرات الاقتصاد الكلي الإيجابية في تعزيز الثقة بالاقتصاد السعودي وأدائه المستقبلي، كارتفاع معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي، انخفاض المستوى العام للأسعار، تحسن وضع ميزان المدفوعات والحساب الجاري، وتخفيض مستويات الدين العام.
ومن ناحية أخرى، بدأت مؤشرات المسح النقدي ممثلة في ارتفاع معدل عرض النقود، ارتفاع السيولة المحلية التي يعزى جزء منها إلى الاستثمارات العائدة نتيجة تداعيات أحداث أيلول (سبتمبر) 2001 الإرهابية، وانخفاض أسعار الفائدة نظراً لارتباط سعر الفائدة على الريال بتحركات أسعار الفائدة على الدولار الأمريكي بالإشارة إلى أن هناك بيئة ومتغيرات اقتصادية حقيقية ونقدية محفزة لارتفاع سوق الأسهم السعودية. وتبعاً لذلك، ومنذ ذلك الحين اكتسبت عمليات الطرح الأولى ومن ثم تداول الأسهم بجميع أنواعها زخماً كبيراً ومشاركة من جميع شرائح المجتمع، حتى إن السؤال عن إمكانية تغطية الطروحات الأولية أصبح غير وارد لدى البنوك الاستثمارية التي تتعهد بتغطية الاكتتاب. وقد يكون التدافع على الفروع في عمليات الطرح الأولي ونفاد نماذج الاكتتاب، بجانب الإقبال الكبير بعدئذ على الاكتتاب وتداول الأسهم من خلال القنوات الإلكترونية دليلاً قاطعاً على القبول والبعد الشعبي الذي اكتسبته سوق الأسهم.
وبدأت موجة سوق الأسهم في الارتفاع مطلع 2003 وحتى شباط (فبراير) من 2006 مع ازدياد عدد المتعاملين وأحجام التداول وتسجيل أرقام إقفال غير مسبوقة في فترات زمنية قصيرة، وبصورة غير منطقية عند مقارنة عدد المستثمرين بعدد السكان مع الدول الأخرى. وقبل بداية انهيار سوق الأسهم الذي بدأ في شباط (فبراير) من العام الفائت، شهدت السوق بعض موجات التصحيح القصيرة التي لم تؤد إلى إعادة أسعار الأسهم إلى مستوياتها العادلة أو حتى المعقولة، وكانت السمة الغالبة على السوق خلال هذه الفترات هي ارتفاع معدلات التذبذب خلال يوم التداول الواحد Intraday Volatility وارتفاع المخاطرة مقيسة بعدة معايير كمية. وبمتابعة مستوى التذبذب في سوق الأسهم السعودية منذ بدء تكون الفقاعة وموجة الصعود، إلى انفجار الفقاعة والانهيار، وحتى استقرار المؤشر حول منطقة 7500- 8500 نقطة، نلاحظ أن القاسم المشترك بين كل هذه المراحل ارتفاع مستوى التذبذب والمخاطرة على الرغم من تفاوت موجات الصعود والانحدار.
ومن نافلة القول، إن سمة التذبذب لم تقتصر على المؤشر العام للسوق السعودية، بل إن حالة التذبذب كانت وما زالت على أشدها في أسهم المضاربة مقارنة بالأسهم الاستثمارية وأسهم العوائد خلال المراحل الثلاث التي مرت بها السوق. وبناء على ذلك, فإن وصف السوق السعودية من قبل المحللين الماليين بكونها سوق مضاربة هو توصيف دقيق، ولكن السؤال هو: لماذا تكون السوق السعودية سوق مضاربة عالية التذبذب مقارنة بالأسواق المتقدمة وبنظيراتها من الأسواق الناشئة؟
للإجابة عن السؤال المتعلق بكون السوق المالية السعودية سوق مضاربة، من المهم استحضار النظرية الاقتصادية والمالية وربطها بصفات وخصائص الاقتصاد والسوق السعودية الفعلية. فالنظرية الاستثمارية المعتمدة على أساسيات علمي الاقتصاد والمالية تتمحور حول مقدار العائد والمخاطرة الذي يحقق عظيم المنفعة للمستثمر، حيث يتفاوت حجم المخاطرة الذي يتحمله المستثمر تبعاً لعدة عوامل تختلف من شخص لآخر منها على سبيل المثال حجم الثروة التي يمتلكها المستثمر، ارتباطات المستثمر المالية، الوضع الاقتصادي العام، عمر المستثمر، وتفضيلاته الاستثمارية التي تخضع لعوامل أخرى. فمثلاً، بقياس مقدار تحمل المخاطرة من قبل المستهلك بمعامل المخاطرة Risk Aversion factor, نجد أن المستثمر الذي يمتلك ثروة كبيرة هو في الغالب أكثر قدرة على تحمل المخاطرة في الاستثمار من نظيره الذي يمتلك ثروة محدودة، وكذلك الحال بالنسبة لعمر المستثمر حيث إن المستثمر الذي مازال في العشرين أو الثلاثين أكثر قدرة على تحمل المخاطرة من نظيره الذي تجاوز منتصف الخمسينات أو الستينات، على افتراض ثبات العوامل الأخرى في كلتا الحالتين. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن معامل المخاطرة الذي يتحمله المستثمر يرتبط ارتباطاً مباشراً بمعدل التذبذب في العائد على الاستثمار، فارتفاع معدل التذبذب في العائد المتوقع يعني ارتفاع المخاطرة، بينما انخفاض التذبذب في العائد المتوقع يعني انخفاض حجم المخاطرة.
وبتفحص علاقة تحمل المخاطرة بالشريحة العمرية التي ينتمي إليها المستثمر وتذبذب العائد المتوقع، نستنتج بناء على الدراسات والأبحاث ذات العلاقة بأن المستثمر الشاب الذي في مقتبل العمر ينحو تجاه أخذ المخاطرة والاستثمار أملاً في عائد مرتفع مصحوباً بمخاطرة مرتفعة نظراً لكون الخسائر المتوقعة قابلة للتعويض في فترة عمرية لاحقة، أي أن المستثمر في الشريحة العمرية التي ترتبط بالإنتاج وتعويض الخسائر التي قد تتأتى من المخاطرة بالاستثمار في أسهم عالية المخاطرة يقدم على أخذ المخاطرة بالاستثمار أكثر من غيره من المستثمرين الأكبر سناً لكون المستثمرين الأكبر سناً أكثر حرصاً على حفظ مكتسباتهم السابقة التي من الصعب تعويضها في وقت لاحق، حيث إن الهدف النهائي هنا هو تأمين مبلغ لسني التقاعد.
ولعدم طرح أي تفسير علمي منطقي متعلق بتذبذب المؤشر العام لسوق الأسهم السعودية، أرى أن ربط النظرية المالية وتحمل المخاطرة بالتحولات الديموغرافية للمجتمع السعودي تفسر إلى حد كبير التذبذبات الحاصلة في سوق الأسهم. فبمعالجة إحصائية لآخر بيانات متوافرة من مصلحة الإحصاءات العامة نجد أن المواطنين في الشريحة العمرية 15 إلى 40 عاماً يشكلون نحو 70 في المائة من مجمل المواطنين. وكما ذكر فيما سبق، فإن شريحة الشباب - مع افتراض ثبات العوامل الأخرى – هي المسيطرة على الهيكل الديموغرافي لسوق الأسهم لتشكل نوعا من القناعة لعدد كبير من هذه الشريحة بأن سوق الأسهم مصدر للدخل الثابت والأرباح بناء على ما تم تحقيقه في سني فقاعة سوق الأسهم، فإن شريحة الشباب هي المستثمر الأكبر في السوق السعودية ضمن شرائح المجتمع عدداً.
ولكون سوق الأسهم ممثلة لمجمل قرارات المستثمرين، فإن توقعات العائد، المخاطرة، والتحركات المستقبلية تتأثر حتماً بقرارات وتوقعات المتعاملين، فإذا كانت قدرة الشطر الأعظم من المتعاملين كبيرة للتأثير في أسعار الأسهم وتحركاتها تبعاً لأي خبر أو توصية، فإن هذا التجمع قادر على التأثير في تحركات المؤشر، بينما حين يكون القرار في يد مجموعة من المستثمرين المحترفين أو المضاربين المنظمين، فإن التأثير سيكون كبيراً أيضاً، ولكن محصلة التأثير تظل محل سؤال لحين الوصول إلى قناعة بضرس قاطع أن المؤثر على السوق هو هذا أم ذاك، بل قد تكون المحصلة عبارة عن متوسط حسابي لكلا التأثيرين.
وختاماً، فإن التأثير الديموغرافي يؤثر في مستوى التذبذب في سوق الأسهم من خلال قناة معامل تحمل المخاطرة الخاص بالمتعاملين في السوق. وعليه، فالسياسات الهادفة إلى التقليل من مستوى التذبذب الحاصل في السوق يجب أن تركز على توعية شريحة الشباب برفع ثقافتهم الاستثمارية بجانب الإسراع في تطبيق جميع التشريعات والعقوبات على مجموعات المضاربين المنظمة بهدف الوصول إلى سوق شفافة وأرضية مستوية يقف عليها جميع المستثمرين بمساواة, حيث إن وجود الهيئات الرقابية والتنظيمية النهائي هو المساواة وحماية صغار المستثمرين وليس رفع المؤشر إلى مستويات أعلى بعد كل جلسة تداول.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي