السوق للمضاربة فقط!!
كشفت سوق الأسهم عن بروز كثير من الأحاجي والألغاز، التي يتبارى الاقتصاديون والمحللون في حلها وحلحلتها والكتابة أو الحديث عنها وحولها. وهي أحاجٍ وألغاز تولد وتموت دون أن يذرف عليها أحد دمعة.
هذا المدخل الجنائزي ضروري جدا لكي نقرأ الفاتحة على جنائز أحاجي التنظيرات وألغاز التحليلات، التي أدركها الأجل قبل أن يجف ريق قائلها أو حبر كاتبها, إلا أن هناك واحدة من تلك الأحاجي استعصت على القتل, ما زالت تصول وتجول, ما نكاد نؤمن بها حتى يخاتلنا. الشك فيها. ما نكاد نتفق مع حقيقة وجودها حتى نغير رأينا فيها. تلك هي حكاية الشركات المضاربة والشركات الاستثمارية في سوق الأسهم.
لا أخالك وأنت تسمع تنظيرات المعلقين والمتسابقين على تفسير الأحلام وضرب الودع والتبصير وقراءة الفنجان للسوق عن صعود هذا السهم وهبوط ذاك قادراً على إنقاذ نفسك من "التوهان" في شبكة مربعات الكلمات المتقاطعة التي تتناوب فيها كلمتا الاستثماري والمضاربة، الخانات الأفقية والرأسية. وقد لا تجد مفرا من الاستسلام لعل "الفزورة" تحل نفسها بنفسها؟!
خلاصة القضية .. أن هناك مَن يريد أن يخلع على سوق المال مجالا استثماريا، وفي الوقت نفسه يريد أن يثبت أن المضاربة ليست سمة طبيعية أو مفترضة أو صحية في السوق رغم حدوثها.
بيد أن منطق الوقائع التاريخية للبورصة وحقائق الأسواق في العالم يشير إلى أن المضاربة وقود الأسواق ودينمو توليد حركة دوران الأموال فيها, وما الحديث عن الاستثمار في الواقع غير حديث مجازي يقفز على الحقائق ويتجاهلها وإن كانت السوق نفسها لا تعبأ بهذا القفز والتجاهل، فهي تملك القدرة على الدفاع عن نفسها بلطمات عشوائية مؤلمة لا تخطئها العين، مؤكدة بما لا يقبل الشك أن المضاربة روح السوق وريحانها وأن الإصرار على أنها خلقت وتم إنشاؤها من أجل الاستثمار لا يغير من واقع الحال شيئا لسبب بسيط هو أن مزاعم الاستثمار سواء قصيرة الأمد أو متوسطة أو طويلة إنما هي مضاربات حتى لو كانت تحت كلمة حروفها (ا, س, ت, ث, م, ا, ر)، فأباطرة المال ورجال الأعمال المشاهير كانوا قناصين ماهرين, أي مضاربين, لكل طريقته الخاصة لكنه حتما يضارب بقلب جسور وخبرة كامنة وبصيرة حاضرة ومع ذلك فكم ذا خانت هذه جميعا أشهر المضاربين!!
نعم سوق المال ساحة مضاربة وسوقنا بالذات الأشد مضاربة في العالم، ولا تستطيع مزاعم الاستثمار في الأسهم القيادية وغير القيادية أن تستر عري هذه الحقيقة، وعلى هذا الأساس يمكننا القول إنه إذا كان المضارب مستثمرا "نهاز فرص" لحظية فالمستثمر مضارب على المدى الطويل أو المتوسط، كلاهما يتطلعان إلى الربح، إن قنع هذا بالقليل من أجل جمع الكثير فإن الآخر يغض النظر مرحليا عن القليل من أجل الكثير، أليس الاثنان مستثمرين في المضاربة؟ أو مضاربان بالاستثمار؟ فالأمران سواء!!
ولو كان الأمر غير ذلك، لأصبح البيع والشراء محكومين بشرط مرور وقت معلوم .. وإذا فرضنا جدلا حدوث ذلك لما كان هنالك حاجة للسوق ولتمت الاستعاضة عنها بالمساهمات المقفلة .. ولو كان الأمر غير ذلك لما بقي الناس مسكونين بروح المقامر غير قادرين على كبح أنفسهم عن الهرولة، للمضاربة، بين بيع الأسهم وشرائها والعكس صحيح .. إلى آخر فلس .. حتى وسوقنا لا تطعمنا أو لا تطعم السواد الأعظم منا سوى "الحصرم" ما إن يجم ريقنا من حامضه حتى "نضرس"!!