تشغيل المستشفيات ذاتي والتشغيل التعاقدي .. إدارة الرقابة والتنظيم الإداري ضرورة أم ترف؟

[email protected]

لا شك أن أحد أسباب ضعف التشغيل الذاتي لدى مستشفيات وزارة الصحة يعود لسوء التطبيق والبيروقراطية التي لم تتخلص منها مستشفيات التشغيل الذاتي. فمستشفيات التشغيل الذاتي لا بد لها من مناخ مرن يسرع اتخاذ القرار وإلا كان حالها كما قال القائل "ألقاه في اليم مكتوفا ثم قاله له إياك إياك أن تبتل بالماء". البعض قد يتوجس خيفة من توسيع دائرة الصلاحيات فيعتقد أن المرونة تقود إلى الفوضى وغياب الضبط الإداري والرقابة.
من هنا تأتي أهمية تأسيس إدارة تهتم بالرقابة المالية والإدارية والتشغيلية، كما تهتم بوضع السياسات والأنظمة داخل المستشفات سواء على مستوى الأقسام أو داخل الإدارة الواحدة. فالدور الرقابي والتنظيمي مهم جدا خصوصا في ظل سعي وزارة الصحة للتشغيل الذاتي لمستشفياتها. بل إن أحد متطلبات نجاح التشغيل الذاتي وجود إدارة محايدة تهتم بوضع السياسات والأنظمة، كما تقوم بدور رقابي حقيقي على مستوى المستشفيات. لذا فإن وزارة الصحة في حاجة لإدارة التنظيم والمراقبة العامة مهمتها متابعة الخلل في النواحي التنظيمية والرقابية في مستشفيات التشغيل الذاتي.
فأول مهام إدارة الرقابة الذاتية وضع ومتابعة السياسات والأنظمة الداخلية لمستشفيات التشغيل الذاتي Policy & Procedure، إضافة إلى دور الإدارة في تحديد طبيعة عمل الأقسام بعضها مع بعض. فالأنظمة الداخلية للإدارات أو الأنظمة المطروحة على مستوى المستشفات بمثابة الفيصل للوصول إلى توقعات أداء مشتركة بين الإدارات والأقسام فيما بينها. علاوة على ذلك فإن الأنظمة الداخلية بمثابة الوسيط بين الإدارات لتقاسم الأدوار فيما بينها للوصول لتوقعات أداء مشتركة. فسياسات الأنظمة الداخلية بمثابة الإشارات التي تحدد السير في الطرقات والإرشادات التي يتبعها قائدي المركبات. فكل طريق له هدف محدد من أجل إيصال الخدمة من مكان إلى مكان آخر. فالسرعة لكل طريق معلومة والتقاطعات منضبطة بنظام معلوم لدى كل قائدي المركبات. بل لا يمكن لقائد المركبة السير دون الحصول على رخصة قيادة من أجل التأكد من معرفته بالأنظمة المرورية الخاصة بالسير.
ولعلي أجد أن أحد أسباب عدم نجاح التشغيل الذاتي غياب إدارة توضح العلاقة بين الأقسام المختلفة فغياب الأنظمة الإدارية سوء على مستوى الأقسام أو على مستوى المستشفيات قاد إلى تخبطات إدارية وتنظيمية كبيرة. كما أن وجود الأنظمة والسياسات الصحية يساعد على توحيد التوقعات أو المخرجات سواء على مستوى الأقسام أو المستشفيات.
يمكن تشبيه السياسات والأنظمة الصحية بمثابة البرتوكول العلاجي للمشكلات الإدارية والتنظيمية على مستوى المستشفيات. لقد كان الأجدى أن تبدأ وزارة الصحة بتأسيس الخطوط العريضة للإدارات وعلاقتها مع بعض قبل أن ترمي الحمل على مديري المستشفيات خصوصا أن معظمهم ليس لديهم دراية في كيفية وضع الأنظمة والسياسات الإدارية Policy & Procedure فضلا عن متابعتها. فالعمى الإداري يمكن تخفيف وطأته بوجود أنظمة إدارية تضبط العلاقات بين الأقسام وداخل كل إدارة "فهي كالعصا للأعمى".
كما أن لهذه الإدارة دور آخر في ضبط الخلال على مستوى التنظيم الإداري. فالتخبط التنظيمي وارد في ظل قلة المتخصصين في ضبط العلاقة بين الإدارات الفنية والتشغيلية والرقابية. فمثلا في أحد المستشفيات وبسبب غياب الوعي الإداري تم ضم إدارتي المشتريات والتموين مع الإدارة الفنية تحت مظلة واحدة. هذا القرار يمنع عملية التوازن الإداري أو check & balance. فالأقسام الفنية تضع المواصفات الفنية عن شراء الأجهزة. بينما تقوم إدارة التموين وعبر قسم المشتريات بالتفاوض مع الشركات من أجل الحصول على أفضل المنتجات أو الأجهزة بأقل لأسعار. اختلاف التوقعات بين الأقسام الفنية وقسم المشتريات والأقسام طالبة الخدمة يتسبب عادة في اختلافات في وجهات النظر لكنها اختلافات إيجابية. فلا شك أن ليس كل خلاف مذموم . فضم القسم الفني مع قسم المشتريات قرارا يدعو إلى الريبة والتوجس لأن التنظيمات الإدارية لا تنظر للأشخاص بقدر ما تنظر للسياسات وانعكاساتها. فمعظم مشكلاتنا منبعها الأنظمة وليس الأشخاص. لذا فإن غياب إدارة فاعلة تضبط التنظيم الإداري قاد إلى ممارسات إدارية خاطئة وخلل تنظيمي في مستشفيات التشغيل الذاتي.
كما أن لهذه الإدارة دور رقابي على مستوى التنظيم والخدمة. فالمشكلة التي تعاني منها معظم دوائرنا الحكومية خصوصا الخدماتية منها غياب الدور الرقابي. لذا نجد أن الأنظمة الإدارية تقرر شيئا لكن التنفيذ شيء آخر. من هنا تأتي أهمية الرقابة للتأكد من صحة التنفيذ فالرقابة المالية على المصروفات المالية مهم جدا للتأكد من نظاميتها وفق الأنظمة المالية المتبعة. كما أن الخلل في النواحي التشغيلية محور آخر يحتاج إلى مراقبة كجدولة مواعيد المرضى والتأكد من أن إشغال عدد الأسرة ينعكس على الخطة المتفق عليها ووفق الميزانية الموضوعة وغيرها. كما أن دور الرقابة مهم جدا خصوصا في التأكد من الالتزام بالمعايير الصحية والطبية ولعل هذا النوع من الرقابة يساعد كثيرا على الحد من الأخطاء الطبية. ولا شك أن هذه الإدارة يمكن أن تلعب دورا حيويا في رفع مستوى الجودة الصحية لمستشفيات وزارة الصحة بالتعاون مع إدارة الجودة الصحية.
لا شك أن معالي وزير الصحة يقوم مشكورا بزيارات مفاجئة إلى المستشفيات والمراكز الصحية لضبط الخلل الطبي أو الإداري لكن الوزير لا يستطيع وحده تغطية الخلل لكل المستشفيات وفي جميع مناطق المملكة المترامية الأطراف. لذا فهذه الإدارة بمثابة اليد اليمنى لمعالي الوزير لتحديد مكامن الخلل سواء من الناحية الإدارية أو المالية أو التشغيلية أو الطبية. فمعالي الوزير مشكورا أعطى صلاحيات موسعة لوكلاء الوزارة ومديري الشؤون الصحية مما يجعل كرة التطوير في مرماهم لكن معالي الوزير في حاجة إلى عين ثالثة تساعده على تحديد مكمن الخلل سواء من الناحية التشغيلية أو الطبية أو المالية أو غيرها.
فإدارة التنظيم والمراقبة مهمة جدا خصوصا في ظل سعي الوزارة إلى اللامركزية في تشغيلها. فنحن في مرحلة تتطلب زيادة الرقابة مع وضع الأنظمة التي تساعد على زيادة الإنتاجية وتقليل التكلفة. فهذه الإدارة هي من ستساعد معالي الوزير لتحقيق الرقابة ومتابعة الجودة في الأداء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي