استراتيجية التخصيص السعودية.. تايوانية
تميز الاقتصاد التايواني بالعديد من المقومات الاستراتيجية الكفيلة بتوقع استدامة نموه على مدى عقود عديدة. فكان خامس أكبر اقتصاد آسيوي، ومركزا رئيسا للصناعات الاستهلاكية، وتملك الدولة لمعظم أسهم شركات الأعمال التايوانية.
لم يعكر صفو اقتصاد بمثل هذه المقومات الاستراتيجية سوى تحديين رئيسيين. التحدي الأول انخفاض مستوى إنتاجية المورد البشري التايواني. والتحدي الثاني استمرار العجز المالي في الموازنة العامة للدولة لسنوات عديدة.
ألقي باللوم على نشأة هذه التحديات واستمرارها على بيروقراطية الدوائر الحكومية المشرفة على الشركات التايوانية العامة بسبب آليات عمل اعتمادات الإنفاق والتمويل. من هذه الآليات، على سبيل المثال، أهمية اعتماد الحكومة لخطة الإنفاق العامة لمدخرات الشركات التايوانية العامة قبل عام من تنفيذها مما ينعكس بالسلب على عمليات الإنتاج والتسويق ناهيك عن الاستراتيجية والمنافسة.
بادرت الحكومة التايوانية في منتصف التسعينيات الميلادية من الألفية الماضية إلى وضع الخطط والآليات الكفيلة بمواجهة تحديات الإنتاجية والعجوزات المالية من خلال اعتماد برنامج شامل لتخصيص الشركات التايوانية العامة.
تضمن برنامج التخصيص الشامل التايواني جدولا زمنيا لتخصيص 47 شركة تايوانية عامة تعمل في قطاعات مختلفة، من أهمها الاتصالات، والطاقة، والخدمات المالية، والتأمين، بحيث يبدأ التنفيذ في 1996م ويكتمل في 2002م.
تباينت نتائج برنامج التخصيص الشامل التايواني على الاقتصاد التايواني بين إيجابية وسلبية. من أهم النتائج الإيجابية، اكتمال عملية تخصيص 30 شركة عامة تايوانية من أصل 47، وضخ قرابة 11.5 مليار دولار أمريكي في الخزانة التايوانية كعوائد تخصيص هذه الشركات.
ومن أهم النتائج السلبية، احتفاظ الحكومة التايوانية بنصيب استراتيجي من أسهم الشركات المخصصة، واستمرار وقوع هذه الشركات تحت تأثير الاقتصاد السياسي التايواني، وامتداد فترة مواجهة تحديات الإنتاجية والعجوزات المالية أكثر من المخطط له مسبقاً.
تمركزت مسببات تباين نتائج برنامج التخصيص الشامل التايواني حول ثلاثة محاور. المحور الأول اتحادات العمال التايوانية وتأثيرها في صناعة القرار الاقتصادي في الشركات التايوانية المخصصة. والمحور الثاني أحزاب المعارضة السياسية وتحفظها على تقييم أصول الشركات التايلندية العامة. والمحور الثالث الأسواق المالية الآسيوية وانعكاسات أزمتها في 1997م على نمو السوق المالية التايوانية وجاذبيتها.
ظهرت بوضوح هذه المسببات مع قرب انتهاء الجدول الزمني لبرنامج التخصيص الشامل التايواني وبالتحديد في 2001م عندما أعلنت الأوساط الاقتصادية التايوانية عن تخصيص شركة "شنجوا تيلكوم"، أكبر شركة اتصالات تايوانية. وانتهت مع الإعلان سنوات من حق الامتياز الذي احتكرته شنجوا تيلكوم بموجبه سوق الاتصالات التايوانية.
تضمن إعلان تخصيص "شنجوا تيلكوم" عن إيضاح آلية التنفيذ، والتي من أهمها طرح قرابة 40 و20 في المائة من أسهم "شنجوا تيلكوم" للاكتتاب العام ولمستثمر رئيس، على التوالي. تزامنت فترة تخصيص "شنجوا تيلكوم" مع بدأ عمليات مجموعة من شركات الاتصالات الجديدة على سوق الاتصالات التايوانية بعد انتهاء الاحتكار.
انعكست بالسلب بطء عملية تخصيص "شنجوا تيلكوم"، وسرعة انتشار خدمات ومنتجات شركات الاتصالات الجديدة، واستمرار تواضع أداء السوق المالية التايوانية على تسويق عملية التخصيص وجاذبيتها. حيث أظهرت نتائج تخصيص "شنجوا تيلكوم" أن 5 في المائة فقط من أسهمها تم تغطيتها، إما عن طريق الاكتتاب العام أو مستثمر رئيس, والـ 55 في المائة الباقية لم تجد من يتملكها.
انتهت في 2002م المرحلة الأولى من برنامج التخصيص الشامل التايواني بعد أن حقق عددا لا بأس به من الأهداف. وعلى الرغم من قرب انتهاء المرحلة الثانية منه، إلا أنه مازال يعاني تحديات الماضي، المتمثلة في انخفاض مستوى إنتاجية المورد البشري التايواني، واستمرار العجز المالي في الموازنة العامة للدولة.
تحمل تجربة برنامج التخصيص الشامل التايواني وانعكاساته على تنافسية الاقتصاد التايواني في طياته العديد من الفوائد حول أهمية توقيت تخصيص الخدمات والأنشطة المختلفة داخل الاقتصاد الوطني والإسراع في تنفيذها. حيث ينتظر الاقتصاد السعودي تخصيص مجموعة من الخدمات والأنشطة المستهدفة ضمن مظلة استراتيجية التخصيص السعودية الوطنية. من هذه الخدمات والأنشطة على سبيل المثال، المؤسسة العامة للموانئ، قطاع الاتصـالات، مرفق البريد، المؤسسة العامة للخطوط الحديدية، الخطوط الجوية العربية السعودية، و شركة الخدمات في مدينتي الجبيل وينبع.
وينتظر الاقتصاد السعودي في المقابل الاندماج الفعلي في الاقتصاد العالمي ضمن مظلة اتفاقية التجارة العالمية، وزيادة التأثير والتأثر به. ولتتم عملية التأثر بدرجة التأثير نفسها في الكم والكيف، فإنه يجب التأكيد على أهمية الإسراع في إكمال تخصيص الخدمات والأنشطة المستهدفة ضمن مظلة استراتيجية التخصيص السعودية بما ينعكس بالإيجاب على استدامة الاقتصاد السعودي.