رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الرسائل الجامعية بعيدة عن المساهمة الفاعلة في التنمية

[email protected]

لقد بدأت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية تقوم من جهتها بتحركات علمية نشيطة خلال الأشهر القليلة الماضية بغية تعديل مسار البحث العلمي وتحسين مخرجاته في محاوره ومواضيعه كافة. هذا إضافة إلى اللجان المتخصصة والمقرة لمراجعة استراتيجية التعليم العالي في وزارة التعليم العالي. حقيقة نأمل أن تكون الجهود منسقة للوصول سويا لما يسهم في دفع عجلة التنمية بإذن الله. لقد أرق المسؤولين عن التنمية إيجاد أسس ينطلقون منها وأبحاث يلجأون إلى الاستفادة من نتائجها وأفكار يعتمدون عليها في رسم استراتيجياتهم ووضع وتنفيذ مخططاتهم التي من شأنها أن تنمي موارد أو تثري أنشطة أو تزيد كفاءة أو تحسن مخرجا أو تطور إجراء. ولأن الجامعة تعتبر أبرز معاقل البحث العلمي, لتوافر عوامل نجاحها, إلا أن الإسهام في تنمية المجتمع فتر فيها وابتعدت عن الجادة مما أثر في توقعات المجتمع إسهام أبنائه في التنمية. وما يدلل على ذلك تكدس الرسائل الجامعية في أرفف المكتبات ومازالت تجاز من دون أن يكون لها نفع يذكر أو تأثير ذو قيمة.
إن من غرائب الأمور ما وجدته بعد قراءتي العديد من رسائل الماجستير والدكتوراة المجازة في تخصصات عدة, في بعض جامعات المملكة وتم طباعة بعضها إلى كتب – لتميزها - وهو ما استغربته أكثر عندما قارنتها بأخرى أجيزت من الجامعات نفسها وكان مصيرها الرف, ولم تحظ بميزة طباعتها بالرغم من محاكاتها مشكلات علمية وإدارية واقتصادية تنموية. لقد تباينت المستويات العلمية للرسائل وبالذات المقدمة لمنح درجة الدكتوراة فكانت وكأنها تقارير أو استطلاع مبتدئ لم يبحث إلا عن التكريم بحمل الشهادة وليس الهدف من الحصول عليها. فباحث لم يستطع إقناع القارئ أو المطلع بماهية المشكلة وأهمية دراستها بطريقة نموذجية وعرض علمي مرموق فافتقد بحثه الأهمية العلمية وإمكانية الاستفادة منه تنمويا. باحث آخر لم تكن أهداف البحث لديه محددة واختلفت بين رئيسة وفرعية دون أن يتم تحديد أيها هذه وأيها تلك, فكان البحث عبارة عن سرد مكتبي دون وضوح أهداف والنتيجة معروفة طبعا. أما ما يشد حقا فهو اختيار منهج البحث, فالذي ثبت فعلا أن العلوم التطبيقية نجحت في تحديد المنهج العلمي التجريبي لأداء التجارب والبحث المعملي, إلا إن أبحاث العلوم الإنسانية والاقتصادية فقد تفرد الأستاذ فيها بمنهج بحث أعتقد بمناسبته لدراسات مختلفة وألف في ذلك كتابا إضافة للكتب العديدة جدا في مناهج البحث, فزادت حيرة الطالب والقارئ في ماهية أفضل المناهج مناسبة لموضوع بحثه. قد يُبلي باحث في الخروج من عنق الزجاجة هذه ولكن يقع في مشكلة أكبر وهي كيفية التعامل مع النتائج, فلا يستطع تحويل الأرقام إلى جداول ورسوم بيانية تمثل فعلا ما يمكن استنباطه منها, فلا نجد سوى استخدام العمليات الحسابية البسيطة وإن ارتقت فهي لا تزيد على استخدام النسبة المئوية. لذلك فهو لا يستطيع توظيف الأرقام وتحليلها إحصائيا ليقبل النتيجة أو الظاهرة أو يرفضها إحصائيا. هذا عدا الوقوع في مشكلة السرد المكتبي أو الكتابة عن الدراسات السابقة غير المتوافقة مع الدراسة التي يناقشها وبالتالي تصبح وكأنها حشو للمراجع وتكرار وعشوائية مغلفة بأسلوب كتابي متميز. ولأن الأهم مر مرور الكرام فلا نجد بعد ذلك سوى اختراق للوائح كتابة الرسائل مع إجازة باستحقاق الكاتب للدرجة والتوصية بطباعة الرسالة!!.
مخرجات من هذه النوعية لا تلام إذا لم يكن لها حضور في النهوض بخطط التنمية, لأن الفرد عندها سيكون مترددا وغير مستقر وخجول يشعر بالمسؤولية ولكنه لا يستطيع حيالها تحريك إصبعه, فهو مسلوب الحيلة العلمية لفك طلاسم المشكلات الحياتية, كما إنه لا يستطيع توجيه اهتمامه وفكره لإبداع جديد. للأسف هذا حال الأمة العربية, فقد لوحظ أن عدد الجامعات في الدول العربية ارتفع من (12 جامعة) في عام 1945م إلى أن أصبح (240 جامعة) في عام 2004م, هذا عدا كليات الدراسات الجامعية أو العليا التي تفوق (600 كلية). كما سيبلغ عدد طلاب التعليم العالي (ستة ملايين طالب وطالبة) في عام 2010م. ولكن لم تحرك هذه الإحصائيات بعد الخطط الكفيلة بإعداد هذا الكم الهائل لمواجهة متطلبات الأمة وما هو المطلوب منهم عمله حيالها. ما نأمله فعلا هو التركيز على خريجين يتمتعون بروح الإبداع, مهرة فيما تخصصوا فيه, يستطيعون خلق مناخ فكري وعملي لمجتمعاتهم معززين به التواصل بين المتعلم المثقف والبسيط غير المتعلم. لابد من نقل برامج التعليم العالي من الأكاديمية البحتة إلى التنموية البشرية, وذلك بتخريج كفاءات قادرين على تحويل معلوماتهم إلى معرفة قبل أن تتبخر فيكونوا أكثر عجزا عن دعم التنمية لاستدامتها!. والله المستعان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي