(T+3) .. التجارة وعمليات الشراء والبيع خلال 3 أيام

بطبيعة الحال العنوان يدل على المقال، ويعني الحرف "تي" هنا حسب اللغة اللاتينية مختصرا لكلمة Trade، وهي قد تكون أكثر كلمة في العالم استخداما في عالم الأعمال والاقتصاد هذه الأيام بسبب النمو المطرد في حركة الأسواق المالية حول العالم، والدور الواضح الذي أصبحت تلعبه هذه الأسواق في الاقتصاديات العالمية والدول وحتى الاستقرار الاقتصادي لكثير من الدول!!! وقد بدأت علامات الاستفهام تتزايد دوليا حول الدور الذي تلعبه وقد تلعبه أسواق المال في المستقبل إيجاباً وسلباً بعد التراجعات الحادة التي مرت بها الأسواق العالمية خلال الشهرين الماضيين. وتعني الترجمة العربية للكلمة حسب القواميس المختلفة التجارة أو المبادلة أو التبادل أو التعامل وحتى معاني أخرى لا تهمنا في هذا الإطار. أما المعنى المقصود بها في إطارها المختصر في عنوان المقال فهو إنهاء التعاملات في بيع وشراء المشتقات المالية وبالذات الأسهم والسندات خلال ثلاثة أيام عمل - على سبيل المثال - قبل إيداع أو سحب المبالغ من الحساب مما يعني انتهاء العملية بالكامل. وهي عملية موجودة في العديد من أسواق العالم. بل إن بعض الدول كانت تطبق في السابق (T+5). وهي إنهاء الإجراء المالي بعد عملية البيع والشراء خلال خمسة أيام. إذن الحرف يعني التعامل المالي مع أسواق المال والعدد يعني الأيام التي تحتاج إليها لإنهاء الإجراء كحد أقصى.
التطبيق الحالي وفي السوق السعودي بالذات هو دلالة على التقدم التقني الذي شهده السوق خلال عقدين فقط من الزمن، مما مكننا من خلال الأنظمة التقنية إنجاز العمليات المالية في التو واللحظة. وقد جاء هذا نتيجة استثمارات كبيرة قامت بها مؤسسة النقد والبنوك التجارية مجتمعة في وقت سابق لم يكن الكثيرون يدركون معنى "تداول" أو لديهم معرفة سابقة في هذه الأسواق وما إذا كانت موجودة أو لا. حتى العديد ممَن يكتبون هذه الأيام ويشتكون تأخر الأنظمة أو بطء تنفيذ الصفقات، يجب أن يعلم أنه وحتى وقت قريب لا تزال السوق الأمريكية تطبق (T+5). أعتقد أن الأنظمة الموجودة حاليا والتي سوف يتم تطبيقها قريبا من خلال نظام تداول الجديد، حيث وحسب بعض المعلومات تم استثمار ما يزيد على 300 مليون ريال، كلها إشارات إلى التقدم الموجود من خلال الأنظمة المطبقة. ومعظم المستثمرين الحاليين جاءوا إلى سوق المال، وكل ما تقدم كان بالنسبة لهم حقائق أن يبيع أو يشتري ويحق له الحصول على أمواله في اللحظة نفسها ودون عناء. وهو أمر فيه من العمليات المالية ما لا يدركه الكثيرون. فشراء سهم في سوق الأسهم السعودي بعشرة ريالات يعني أن المشتري أصبح يملك في الشركة صاحبة هذا السهم، والبيع يعني التخلص من الملكية لمشتر آخر. وهي تعني تسجيل الملكية أو بيعها. وكل العملية تحتاج إلى وجود سجلات للملاك وللتغير في الملكية بشكل مباشر بتناسب مع حجم العمليات اليومية. وليدرك القارئ العزيز حجم العمل، فإنه وفي مرحلة من مراحل النمو الهائل في سوق المال وصلت العمليات إلى أكثر من 600 ألف صفقة في اليوم. وهي تعني بطبيعة الحال أن كل صفقة عمليتين واحدة شراء والأخرى بيع للملكية. أنا أعلم أنه وفي غمرة الطفرة "الأسهمية" والتكالب الهائل من الجميع على هذا السوق نسي أو تناسى أو قد يكون لا يعلم الكثيرون بهذه البديهيات. وأتمنى أن لا يقرأ البعض مقالي ويراه في مستوى أقل من التمهيدي أو ما دون المدرسة الابتدائية.
صراحة هذا المقال صرخة نجدة نطلبها من المسؤولين على اختلاف صلاحياتهم، أنقذوا سوق المال من نفسه وممَن يدمرونه دون أن يعلموا أنهم يدمرون بيتهم. أسواق المال لها أهداف اقتصادية رئيسية وليست أسواق "صالات قمار". نحن وصلنا إلى مرحلة من النزول في درك عدم الإدراك لمساوئ ما نفعله باقتصادنا الوطني وبمدخراتنا الشخصية والتي تعني مدخرات أُسر وأطفال جمعت في سنوات طويلة من التعب في الوظيفة والعمل والكد. من الجرم أن توضع بهذه الطريقة من التهور الذي أفقد أعدادا كبيرة من الأسر مصادرها المالية لسنوات. رغم أن سوق المال بهذه التركيبة والتطور الذي يعيشه في المملكة والجهود المبذولة منذ أكثر من عشرين عاما كانت تهدف إلى خلق الفرص الاستثمارية وليس تدمير التركيبة الاقتصادية. وهو ما حدث في سنتين أو ثلاث فقط. مما يعني أن ما بني في عقدين من الزمن دمره الجهل في لحظات من عمر الزمن. والجهل كما يعلم الجميع لا حكم له.

السؤال بصراحة ما هي الحلول؟ وقد سبق لي سؤال مسؤولين ومستثمرين ما هي الحلول، والجميع لا يرى حلولا قريبة، وأن الحل الوحيد هو تعميق السوق وتطويره على المديين المتوسط والطويل. وأعتقد وأرجو أن لا يزعل أحد من هذا الكلام، أنها حلول من لا يملك حل. إنها هروب من مواجهة مشكلة وطنية حقيقية، يتداخل فيها الجانب الاقتصادي بالاجتماعي. بمعنى أن الحلول المطلوبة ليست ذات طبيعة اقتصادية فقط، ولكن اجتماعية أيضا. السوق حقيقة رهينة مجموعة من المستغلين وليس المستثمرين، ويجب الحد من سلطتهم على سوق المال. أما الكيفية فهي تكون عبر عدد من القرارات التي تؤدي إلى الحد من سطوتهم على السوق وإخضاع عملياتهم لمجموعة من الإجراءات التي تكفل عدم إعطائهم كامل السلطات لفعل ما يريدون وبطرق أصبحت مكشوفة وتكتيكات لا تخفى وتتحدث عنها العامة قبل الخاصة.
وأما الحلول التي اقترحها وهي مدعومة بكثير من المنطق الذي يؤيده الواقع المعاش، فإن أول خطوة هي أن يكون إجراء عمليات البيع والشراء خلال ثلاثة أيام أو حتى أكثر (T+3). وقد يقول قائل، إن ذلك يعتبر تراجعا إلى الخلف وليس تقدما إلى الأمام. أقول نعم، ولكنه تراجع يتماشى مع التقدم الذي يعيشه الفكر الاستثماري للأفراد ونظرتهم لسوق المال. والتقدم ليس دائما إيجابيا وبالذات في شأن حساس مثل سوق المال, أهم مقوماته تحقيق العدالة والشفافية والتي عليها علامات استفهام كبيرة الآن؟ وقد طالبنا منذ أكثر من ثلاث سنوات بمثل هذا الإجراء قبل خراب مالطا ولم يحدث, والآن حدث الدمار الشامل، فلماذا لا نعمل على البناء التدريجي الذي يتماشى مع الفكر الفردي للاستثمار؟ ولا ننسي أن شركات الوساطة لن تكون أرحم من البنوك في قضية التشجيع على المضاربة إذا ما علمنا أن العمولات سوف تكون وفي بداية عمل تلك الشركات المورد الرئيس لأرباحها، وبالتالي سوف تعمل على زيادة عدد الصفقات ونسبة التداول لزيادة دخلها من عمولات تداول الأسهم، وتشجيع المستثمرين الأفراد على البيع والشراء المستمر. أي المضاربة. وهذه أول خطوة وسوف نتحدث عن الخطوة الثانية في مقال لاحق إن شاء الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي