رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


كلنا معك يا أبا متعب

[email protected]

تعني لغة خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز – وفقه الله – مصداقية المعنى أكثر من الحرص على الإنشائية المغلفة بجمالية القول، وهو ما يجعل خطابه دوما يحظى بقدر كبير من تفاعل الناس معه، وهذه من مميزات الخطاب الجاد، فأي خطاب سياسي وعام لن يكون التفاعل معه إيجابيا ما لم يتضمن مصداقية حقيقية، فنحن نعيش في عصر لم يعد ممكنا فيه الاستدارة على الحقائق بالتغطية والتمويه بالخطب الحماسية والإنشائية لصرف الاهتمام عن الوقائع باستثارة العواطف وحدها، فالخطاب المؤثر إيجابيا هو الذي يتعامل مع هموم وشؤون الناس بمصداقية ووضوح.
من هذا المفهوم العام للخطاب السياسي، يمكن القول إن لغة خطب الملك عبد الله – حفظه الله – تتميز دوما بالمصداقية بما يؤدي لأن تقابل دائما بارتياح شعبي واسع لتعبيرها عن معان تلامس هموم وشؤون الناس بلغة مسؤولة ومعبرة، وليس بعيدا عنا خطابه المعبر في القمة العربية، وهي الكلمة القوية في مضامينها ومعانيها وتحديدها الواضح للقضايا، بمصارحة عربية غير مسبوقة بما جعله وثيقة يتم الرجوع إليها وتتداول كلما نوقشت قضايا المنطقة.
ما جعل خطابية الملك عبد الله تحظى بهذه الأهمية وهذا التفاعل هو أنها توافرت فيها ميزتان أساسيتان جعلتا خطابه دائما محتفى به، الميزة الأولى هي أنه خطاب مسؤول لكونه يتطرق لصلب القضايا الأساسية بتحديد وموقف واضح وصريح، وسمة خطاب كهذا تجعل التفاعل معه صادقا هو الآخر، وهو ما يحقق تكافلا بين رؤية القائد ومشاعر المواطن، ويوجد تواصلا فكريا وعاطفيا يحقق الثقة ما بين قمة الهرم وقاعدته، والميزة الثانية أن تلقائية تعبير خادم الحرمين الشريفين أعطت ما يقوله قوة مصداقية تعز على براعة أي تنميق لغوي، فالتلقائية تلبس القول حقيقة المعاني وتوصلها بأقصر الطرق إلى قلوب وعقول الناس، وهذه هي المعادلة الصعبة في خطابية الملك عبد الله.
ترجمة هذا الكلام يمكن قياسه على مضامين الخطاب الشامل والمفصل للملك وفقه الله في افتتاح الدورة الجديدة لمجلس الشورى، فهذا الخطاب لمن يتمعن في معانية هو في واقع الأمر يرسم خطة عمل وطني شامل تضمنت أخلاقيات المسؤولية من ناحية، ومن جانب آخر حددت نظرة المملكة للقضايا المحلية والإقليمية من منطلق تفاعلها معا وتأثيرها المتبادل، وجاء تعداده لما تحقق من إنجازات حتى الآن دعوة قوية وذكية لجعلها أمانة في أعناق الجميع، ولهذا حدد المسؤولية عن هذا الوطن بما أنجزه حتى اليوم على أنها مسؤولية مشتركة، داعيا بل وملزما كل من يقلد مسؤولية أن يؤديها بأمانة وإخلاص كخادم لأهله وشعبه، وجاءت إشارته إلى أهمية الوحدة الوطنية وسط اضطراب الأوضاع الإقليمية التي قادت إلى تفتيت الوطن الواحد، ومدخلا معبرا عن دعوته إلى أن الحرص على وحدتنا الوطنية، والتي هي أهم مكسب لمستقبلنا كما لحاضرنا، لن يكون إلا بنبذ الفتن وتأجيج النعرات والصراعات المذهبية واستعلاء فئة اجتماعية على أخرى، ولا شك بأن تحديده – حفظه الله – لهذه العناصر السلبية، لكونها معاول الهدم الأبرز للوحدة الوطنية وأمن المجتمع والدولة، وجاء تحديده لإطار التنمية الشاملة مقرونا بعدة أسس لا بد من توافرها مجملة في الحرص أولا على العمل الدائم والحركة المستمرة والتطوير الذي لا يقبل الجمود، وكلها لا تنجز إلا حين يؤدي كل فرد مسؤوليته من خلال موقعه في عملية مشاركة وتكامل بين الجميع، الموظف في عمله والمعلم والمعلمة في المدرسة والفلاح في حقله والجندي في موقعه، ولا شك أن تطلعنا جميعا وأولنا خادم الحرمين الشريفين لتدعيم الوحدة الوطنية وأداء المسؤولية بكل إيجابية والمساهمة بالقضاء على السلبيات، لا يكون دون توافر المناخ الملائم للعطاء والبذل، وهذا المناخ المنتظر بشرنا به – حفظه الله – من خلال ما تضمنته خطة التنمية الثامنة، وهي خطة طموحة وثرية بالمنجزات المنتظرة، وأول هذه الإنجازات الواجب البدء بها هي تلك الملامسة لاحتياجات المواطن المعيشية الأساسية، فالوطن لا يرقى ويتطور إلا بمواطن مطمئن لا يعاني من صعوبات معيشية كالبطالة والسكن وغلاء معيشة متسارع ومتصاعد يحول المواطن إلى لاهث خلف هذه الاحتياجات وهو كمن يجري خلف سراب، فكلما قوي بنيان المجتمع بالرفاهية الحياتية الأساسية، أوجدنا المواطن المنتج لوطنه القادر على العطاء، وهذه مسؤولية كل من يقلد مسؤولية كما ذكر خادم الحرمين الشريفين وأكده حين حث – حفظه الله – كل مسؤول على أن يقوم بمسؤوليته المحددة، ولن يكون هناك عذر لأحد، فالمسؤولية عطاء وإنتاجية وليست ظهورا إعلاميا ودعائيا، ولهذا قال الملك – حفظه الله – في توجيه واضح إن كل مسؤول مساءل أمام الله سبحانه وتعالى ثم أمامه كملك للبلاد وأمام الشعب السعودي، وحدد مسؤوليته كملك للبلاد بقوله: من هذا المكان أقول لكم، من حقكم علي أن أضرب بالعدل هامة الجور والظلم، وأن أسعى إلى التصدي لدوري في المسؤولية تجاه ديني ثم وطني وتجاهكم، وأن أدفع بكل قوة يمدني بها الخالق جل جلاله كل أمر فيه مساس بسيادة وطني ووحدته وأمنه، واضعا نصب عيني الأمانة التي حملني إياها العزيز القدير.
بعد هذا القول الواضح والصريح والمباشر تجسيدا للمصداقية في خطابية الملك، كما أشرنا آنفا، نقول ومن كل مكان في الوطن، كلنا معك يا أبا متعب، جميعنا جنود للحق والعدل، سوف نسير إلى جانبك وخلفك وأمامك في نفس الطريق لنكون يدا واحدة لضرب هامات الظلم والجور والتسيب والتسلط والعبث بمقدرات الوطن والفساد والتهاون وكل عوامل التعطيل المؤخرة لكل تقدم للأمام، والمعيقة لكل إصلاح حقيقي، أمض يا أبا متعب متوكلا على ربك أولا ثم على سواعد إخوانك ورجالك المخلصين وشعبك من حولك، فالشراكة في المسؤولية عن هذا الوطن العزيز علينا جميعا، يجب أن تكون شراكة عمل لا قول، والعمل يترجم بالإخلاص والمصداقية والإنتاجية وقبل ذلك وبعده مخافة الله في السر والعلن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي