الشقيقات الـ 7 .. عودة قوية للشركات الوطنية المدعومة بالحكومات

الشقيقات الـ 7 .. عودة قوية للشركات الوطنية المدعومة بالحكومات

المزادات التي شهدتها العاصمة الروسية موسكو أواخر الشهر الماضي بهدف التخلص من شركة النفط يوكوس، وإفساح المجال إلى بروز عملاق نفطي جديد هو "روسنفط"، التي تسيطر عليها الحكومة، تشير إلى متغير في المشهد النفطي وعودة قوية للشركات الوطنية المدعومة بالحكومات ذات الاحتياطيات العالية من النفط والغاز، وبالتالي القدرة على رفع إنتاجها والتأثير في وضع الإمدادات ومن ثم الأسعار، وهو ما ينبئ عن متغيرات في المشهد العام للصناعة النفطية العالمية.
النزاع بين "يوكوس" والحكومة الروسية المستمر منذ أربع سنوات ودخل الآن مرحلته الختامية بحصول "روسنفط" على حصة تقارب 10 في المائة كانت مملوكة لـ "يوكوس" بسعر يقل عن سعر السوق بنحو 10 في المائة، ينظر إليه في العادة على أساس أنه وسيلة لجأ إليها الكرملين في عهد رئيسه الحالي فلاديمير بوتين لإحكام سيطرة بلاده السياسية على هذا المرفق الحيوي بأبعاده الاستراتيجية.
"روسنفط" كانت قد تنازلت عن أسهمها تلك لـ "يوكوس" لتتمكن من الهيمنة على شركتها الفرعية "يوجانسك" للنفط والغاز، التي تتمتع باحتياطيات جيدة رفعت "روسنفط" إلى مصاف الشركات ذات الأهلية التي يعتد بها في عالم الصناعة.
خطوة "روسنفط" هذه تعيد إلى دائرة الضوء الدور المتعاظم الذي تلعبه الشركات النفطية للدرجة التي دفعت صحيفة "الفاينانشيال تايمز" إلى القيام بمسح توصلت فيه إلى بروز "شقيقات سبع جديدة"، وذلك في إشارة إلى التعبير الذي صكه رجل الصناعة الإيطالي إنريكو ماتي في وصفه للشركات السبع الأمريكية والأوروبية التي كانت تسيطر على صناعة النفط من فوهة البئر إلى محطة تزويد المستهلك بالوقود. وشملت القامة وقتها أربعا أمريكية، هي: "إكسون"، "موبيل"، "شيفرون"، و"جلف"، وثلاثا أوروبية هي: "رويال داتش"، "شل"، و"بي. بي".
عمليات الاندماج التي شهدها العقد الماضي في إطار برنامج لإعادة هيكلة وتطوير الصناعة أدت إلى شراء "جلف"، كما اشترت "إكسون" رصيفتها "موبيل"، وأصبحت تدعى "إكسون موبيل"، التي بقيت الوحيدة القادرة على المنافسة مع الجيل الجديد من الشركات الذي يضم وفق المسح الذي قامت به "الفاينانشيال تايمز" كلا من: أرامكو السعودية، غازبروم الروسية، شركة النفط الوطنية الصينية، شركة النفط الوطنية الإيرانية، شركة النفط الوطنية الفنزويلية، برتوبراس البرازيلية، وبتروناس الماليزية.
وهذه المجموعة التي تضع الحكومات يدها على الجزء الكبير من أسهمها إن لم يكن كلها، تسيطر على ثلث احتياطيات العالم من النفط والغاز، وذلك في الوقت الذي تنتج فيه الشقيقات السبع القديمة 10 في المائة فقط من الإنتاج العالمي وتسيطر على 3 في المائة فقط من الاحتياطيات.
وبما أن 90 في المائة من الإمدادات الجديدة إلى السوق يأتي من إنتاج في الدول النامية خلال العقود الأربعة المقبلة، كما تشير دراسة للوكالة الدولية للطاقة، الأمر الذي يشكل انعطافة مما كان سائدا خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث كان 40 في المائة من الإنتاج يأتي من الدول الصناعية الغربية، الأمر الذي دفع شركة جلف في تلك الفترة إلى تحويل كل استثماراتها المتنقلة من الدول النامية إلى تلك المتقدمة. ففي تلك الفترة كانت الآمال عراضا للبحث في مناطق ألاسكا وبحر الشمال، وهذا التطور يجعل الشقيقات السبع الجديدة في مقعد قائد السوق.
أحد الأسباب لهذه التحولات كما يرى المسح، موجة الوطنية التي عادت تهب بقوة على الدول المنتجة، خاصة في أمريكا اللاتينية والدور الذي يلعبه الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز في تحفيز هذا الاتجاه. فأمريكا الجنوبية هي التي بدأت فيها عمليات تأميم الصناعة النفطية في ثلاثينيات القرن الماضي في المكسيك وانتقلت بمختلف الصيغ إلى منطقة الشرق الأوسط، خزان النفط الرئيسي في عقد السبعينيات حتى سيطرت الدول المنتجة على صناعتها النفطية بصورة كاملة وبمختلف الوسائل، ثم جاء تدهور سعر برميل النفط في عقد الثمانينيات ومطلع العقد الماضي ليخفف قليلا من ذلك التوجه وفتح الباب بدرجات متفاوتة أمام الشركات الأجنبية.
لكن الشركات الوطنية عادت ومستفيدة من ارتفاع الأسعار للعب دور أكبر. فالكرملين مثلا دفع إلى الحصول على حصة غالبة في مشروع سخالين الذي تبلغ تكلفته 20 مليار دولار وتديره شركة شل. وفنزويلا نجحت الشهر الماضي في تمرير قانون يعطي الشركة الوطنية الحق في السيطرة على حزام أورنوكو حيث توجد حقول النفط الثقيل.
ومع أن بعض محللي الوكالة الدولية للطاقة يتخوفون من أن انتقال مقعد القيادة في السوق إلى الشركات الوطنية يمكن أن يدفع الأخيرة إلى الوقوع تحت تأثير السياسات المحلية وعدم الإنفاق على التوسع الأفقي والرأسي لمقابلة احتياجات النمو في السوق، إلا أن واقع الحال يشير إلى أن الشركات التجارية الغربية تتحرك وعينها على حملة الأسهم ونتائجها المالية، الأمر الذي لا يجعلها تغامر بالاستثمار مثلا في رفع الطاقة الإنتاجية، لأنه يعني تجميد أصول مالية لفترة قد تطول ودون ضمان أن يكون هناك طلب مستقبلي عليها، وهو ما تقوم به حكومات الدول المنتجة، خاصة السعودية.
المسح يعطي مكانة خاصة لشركة أرامكو ويعتبرها الأنجح بين شركات النفط الوطنية. فهي بداية يسندها وجود ربع الاحتياطي العالمي المؤكد من النفط، وإذا كانت الدولة تضع الاستراتيجية للسياسة النفطية، فإن التنفيذ والعمل اليومي يقوم به كادر مهني على قدر عال من الكفاءة، كما يقول المسح. ولهذا تستثمر "أرامكو" مبلغ 50 مليار دولار لرفع طاقتها الإنتاجية خلال فترة 15 إلى 20 عاما من نحو 11 مليون برميل في الوقت الحالي، أو نحو 13 في المائة من الاستهلاك العالمي، إلى 12.5 مليون في البداية ثم إلى 15 مليون برميل.
ويتردد أن الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، الذي أصدر العديد من القرارات المؤثرة في صناعة النفط مثل بناء المخزون الاستراتيجي وإنشاء وزارة منفصلة للطاقة، أشار إلى أن الوضع الحالي يختلف عما واجهه من قبل، مشيرا إلى وجود لاعبين جدد أمثال الصين والهند.

الأكثر قراءة