هناك عدة مفاهيم خاطئة يجب تَصحِيحٌها لبَعضِ المرابحين

هناك عدة مفاهيم خاطئة يجب تَصحِيحٌها لبَعضِ المرابحين

دعا الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم إمام وخطيب المسجد الحرام المستثمرين إلى البعد عن الإِحَن والمشاحّةِ والدَّعاوى وقال إن الثورةَ الماليّةَ الهائلةَ في أوساطِهم كانت سببا رئيسيا في حدوث هذه الصفات الذميمة يضاف لذلك الإعسارِ المفاجِئ والخَسائرِ المتراكِمَة التي تَحُلّ بِبَعض الفرَص الاستثمارية، فتشتعِل على إِثرِها الخصوماتُ والنّكبات جرّاءَ تلكم الحَمَالات التي لم تكن محضَ صُدفةٍ مع الاعتِرافِ بأنها غالبًا ما تكونُ مفاجئةً، وهذا كلُّه يجعلنا نؤكِّد على توضيحِ بعضِ الأمور وتجلِيَتها لمن أصِيبوا بالعمَى في هذا الميدانِ واستنشَقوا غُبارَه، وذلك من خِلال الوصَايَا التالية:
الوصيّة الأولى: أنّ أمورَ العِباد وأموالَهم مَبنيّة على المُشَاحّة والمؤاخذة، فالمستثمِرون في الجُملة عُميُ البصائر أمامَ صاحِب الاستثمار ما دام رابحًا موفَّقًا، لا يسألونَه عن صغيرةٍ ولا كَبيرة، ناهيكم عن المبالغةِ في مدحِهِ والثناءِ عليه والإعجابِ به، فإذا ما خَسِر وكبَا انقلَبوا على وُجوههِم شاتمين له ومدَّعِين عَلَيه، والواقعُ يؤكِّدُ مُوالاتَهم له في الغُنم ومعاداتَهم له في الغُرم.
الوصيّة الثانية: أنّ الأصلَ في أموالِ الناس وحقوقِهم الحرمةُ والحظرُ، فلا يجوز الاعتداءُ عليها أو الممَاطَلَة والتفريطُ فيها أو الوقوعُ في التأويلاتِ المبرِّرَة للتَّصرّفات الممنوعةِ فيها؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، يقول: ((كلُّ المسلِمِ على المسلِمِ حَرام؛ دمُه وماله وعِرضه)) رواه مُسلم1 (6)، وعندَ مسلم أيضًا أنَّ النبيَّ، صلى الله عليه وسلم، قال: ((بمَ تأخذ مالَ أخيك بغير حق؟!))2 (7).
الوصية الثالِثة: أنّ القناعةَ والسَّماحةَ في ميدانِ التّجارة أمرانِ مَندوبٌ إليهما؛ إذ هما مَظِنّة البركة، كَما أنَّ الطمعَ والجشَعَ وعدمَ القناعةِ مظِنّةٌ للكبوةِ وقِلّةِ البركة؛ لأنّ للتجارةِ سَورةً كسَورةٍ الخَمرِ، تأخذ شاربَها حتى ينتشِي، فإذا انتشَى عاوَد حتى يَصيرَ مدمِنًا، لا يفيقُ من نَشوةِ المغامَرة والطَّمعِ حتى يَستَويَ عنده حالُ الخمار والإفاقة، ولاتَ ساعةَ مَندَم، ولقد قالَ النَّبيُّ : ((من يأخُذ مالاً بحقِّه يبارَك له فيه، ومَن يأخذ مالاً بِغَير حقِّه فمثله كَمَثَلِ الذي يأكُلُ ولا يَشبَع)) رواه مسلم3 (8). فالسماحةُ والقناعةُ هما رأسُ البرَكةِ والرّحمة لقول النبيِّ، صلى الله عليه وسلم: ((رحِم الله رجلاً سمحًا إذا باعَ وإذا اشتَرَى وإذا اقتَضَى)) رواه البخاري4 (9).
الوصيّةُ الرابِعَة: وهي تَصحِيحٌ لبعضِ المفاهيم المغلوطَة لدى بَعضِ المرابحين؛ حيثُ يظنّون أنّ المعاملاتِ المحرمّة لا تكونُ محرَّمة إلاَّ إذا شابَها صُورةٌ مِن صُوَرِ الرِّبا، وأنّ أيَّ معاملةٍ خَاليةٍ من الرِّبا فهي حَلال، وهذا ظنٌّ خاطِئ، بل إنّ المعاملاتِ المحرّمة أعَمُّ في السبب من ذَلِكم؛ لأنها في الحقيقةِ ترجِع إلى ثلاثِ قواعد: أولاهنّ: قاعدةُ الربا بأنواعه وصوَرِه، والثانيةُ: قاعدةُ الغرَر بأقسامه وأنواعه، والثالثة: قاعِدَة التغريرِ والخِداع بألوانِه وأحواله.
وهذا أمرٌ قلَّ من يتفطَّن له من التّجّار والمرابحين؛ لأنَّ المعامَلةَ قد تحرُم بسبَب نُقصانِها شرطًا من شروطِ صِحّة البيع المعلومَة وإن لم تكن على صورَةِ رِبا، فالبركةُ كلّ البركةِ في الكسبِ الحلال، والمحقُ كلّ المحقِ في الكسبِ الحرام.
أمّا الوصيةُ الخامسة فنُوجِّهُها إلى مَن ائتَمَنَهم الناسُ على أموالهم في الاتِّجار والمرابحَةِ أن يتّقُوا الله فيها، وأن يسيروا في إتمامِها على الوَجهِ المباح والوضوحِ والخضوع لما أحلَّ الله فِيها، والبُعد والنأي عن أيِّ موضِع ريبةٍ أو شُبهة أو تفريطٍ وإهمالٍ أو استغلالِ ثِقَة الناس بهم في أن يتصرَّفوا فيها على غيرِ مَا وُضِعت له، فإنَّ من نَوَى أن يفِيَ بحقوقِ النّاس كان الله مَعَه، والعكس بالعكس، وليتذَكَّر أمثالُ هؤلاءِ قولَ النبيِّ، صلى الله عليه وسلم: ((مَن أخذ أَموالَ الناسِ يريد أداءَها أدّى الله عنه، ومَن أخَذها يريدُ إتلافها أتلَفَه الله)) رواه البخاري5 (10).

الأكثر قراءة