لاحتجاز البحارة البريطانيين دور بسيط في رفع أسعار النفط
ستستمر الأزمة الإيرانية، وسيستمر الصراع غير المباشر بين الولايات المتحدة وإيران، حتى لو وصل الديمقراطيون إلى البيت الأبيض في انتخابات عام 2008، وحتى لو وافقت إيران على كل شروط وكالة الطاقة الذرية. الواقع يشير إلى أنه ليس مهماً ما إذا كانت إيران تطور سلاحاً نووياً أو أنها تخصب اليورانيوم لأغراض سلمية، ولكن المهم من وجهة نظر الولايات المتحدة هو مدى إسهام هذا البرنامج في تقوية النظام الإيراني. فهناك فوائد عديدة لإيران من برنامج نووي سلمي يوفر لها الكهرباء، ويرفع من قدرتها على تصدير النفط والغاز، لذلك فإن الحكومة الإيرانية ستمضي قدماً في إكمال برنامجها النووي. لكن أي إدارة أمريكية ترى في هذا البرنامج تثبيتاً للنظام الإيراني ودعماً لاستمراريته، لذلك ستعارضه مهما كان سلمياً! من هذا المنطلق فإن احتمال استمرار الأزمة، وربما تفاقمها، مازال كبيراً. بما أن إيران من كبار مصدري النفط في العالم، فإن استمرار الأزمة يرفع من احتمال انخفاض صادرات النفط الإيرانية. لذلك لم يكن ارتفاع أسعار النفط في الأسبوعين الأخيرين مفاجئاً، إلا أن وسائل الإعلام وبعض المحللين بالغوا في أثر احتجاز إيران للبحارة الإيرانيين على أسواق النفط العالمية.
أثر احتجاز البحارة على أسعار النفط
منذ احتجاز إيران البحارة البريطانيين يوم 32 آذار (مارس) وقرار الإفراج عنهم يوم 4 نيسان (أبريل)، ارتفعت أسعار النفط الفورية بنحو ستة دولارات للبرميل، وارتفعت أسعار النفط المستقبلية بأكثر من ذلك. هناك العديد من الأسئلة فيما يتعلق بالعلاقة بين هذه الحادثة وارتفاع أسعار النفط. فهل ارتفعت أسعار النفط فعلاً بسبب قيام إيران باحتجاز البحارة البريطانيين؟ إذا كان الأمر كذلك، كيف يمكن تفسير ما سمعناه خلال العامين الماضيين بأن ارتفاع أسعار النفط يعود إلى تأزم العلاقات بين إيران والدول الغربية وأن التجار أخذوا في حسبانهم احتمال وقف تدفق النفط الإيراني إلى الأسواق العالمية؟ وإذا ارتفعت الأسعار بسبب الاحتجاز، لماذا لم تعد أسعار النفط إلى مستوى ما قبل الاحتجاز بعد أن تم الإعلان عن الإفراج عن الرهائن؟ البيانات تشير إلى أن ما حصل هو العكس، حيث ارتفعت أسعار النفط في الأسواق الأوروبية بعد الإفراج عن البحارة!
وتستمر الأسئلة: كيف يمكن لسعر خام برنت أن يكون أعلى من خام غرب تكساس، مع أن خام غرب تكساس يكون عادة أعلى من سعر خام برنت بنحو دولار إلى دولارين؟ ولماذا زاد الفرق بينهما بعد الإفراج عن البحارة بدلاً من أن ينقص؟ وما يزيد الطين بله أن سعر خام برنت بدأ بالارتفاع يوم 7 آذار (مارس) وتجاوز سعر خام غرب تكساس يوم 9 آذار (مارس) وما زال كذلك حتى الآن. هذا يعني أن الارتفاع في أسعار النفط الأوروبية وارتفاع الفرق بينها وبين أسعار النفط الأمريكية بدأ قبل احتجاز البحارة البريطانيين بأكثر من عشرة أيام! وهذا يعني أيضاً أن استمرار تفوق سعر برنت على سعر خام غرب تكساس يجعل هذه الفترة من الفترات النادرة في تاريخ صناعة النفط العالمية!
إن قرار احتجاز البحارة البريطانيين وردة فعل بريطانيا والولايات المتحدة على ذلك، وأثر ذلك على أسواق النفط أعقد بكثير مما أبرزته وسائل الإعلام وخبراؤها، وأعقد مما ذكره المحللون. إن من أكبر الأخطاء تبسيط الأمور، ومن أكبرها أيضا اللجوء إلى نظرية المؤامرة لتفسير الأحداث. وهنا لا بد من ذكر حقائق مهمة وهي أن أغلب الصحافيين والإعلاميين ليسوا علماء سياسة، وليسوا خبراء نفط.
واقع أسواق النفط العالمية
بما أن جزءاً من ارتفاع أسعار النفط في العامين الأخيرين يعود إلى قيام التجار بأخذ احتمال انخفاض الصادرات الإيرانية في حسبانهم (والذي يقدره البعض بنحو 15 دولارا للبرميل، وهو تقدير فيه الكثير من المبالغة)، وبما أن أسعار النفط لم تنخفض بعد الإفراج عن البحارة إلى المستوى الذي كانت عليه قبل احتجازهم، وبما أن أسعار خام برنت تجاوزت أسعار خام غرب تكساس قبل احتجاز البحارة وما زال الأمر كذلك حتى وقت كتابة هذا المقال، وبما أن أكبر ارتفاع لأسعار النفط حصل بعد احتجاز الرهائن بعدة أيام وليس من يوم احتجاز البحارة، فإنه من الصعب القول إن احتجاز الرهائن سبب ارتفاع أسعار النفط بأكثر من ستة دولارات للبرميل، خاصة أنه كان هناك عوامل أخرى قد تكون أكثر أهمية في عالم النفط من عملية احتجاز البحارة.
ففي الوقت الذي ركزت فيه وسائل الإعلام في عناوينها الرئيسة على أثر احتجاز البحارة على أسعار النفط، تجاهل الكثير منها إضراب عمال النفط الفرنسيين في ثالث أكبر ميناء للمنتجات النفطية في العالم، ميناء فو- لافيرا، الذي أسهم في رفع أسعار خام برنت إلى مستويات تجاوزت أسعار خام غرب تكساس، وأسهم في رفع أسعاره بعد الإفراج عن البحارة. كما تجاهلت وسائل الإعلام وقف إنتاج النفط في أستراليا بعد الإعصار البحري المدمر الذي اجتاح منطقة إنتاج النفط فيها، وانخفاض مخزون البنزين في الولايات المتحدة، والعاصفة الثلجية التي اجتاحت شمال شرق الولايات المتحدة منذ أيام، وانخفاض إنتاج بعض دول أوبك لأسباب فنية، واستمرار القلاقل السياسية في نيجيريا، في وقت ما زالت فيه الطاقة الإنتاجية الفائضة في دول أوبك منخفضة نسبياً وما زال الطلب العالمي على النفط مستمراً في النمو. بعبارة أخرى، كانت أسعار النفط سترتفع، وأسعار خام برنت ستتجاوز أسعار خام غرب تكساس حتى لو لم تقم إيران باحتجاز البحارة البريطانيين. كل ما في الأمر أن احتجازهم زاد من التوتر في الأسواق وأسهم في استمرار الأسعار باتجاهه الصعودي حتى وصلت إلى أعلى مستوى لها خلال الشهور الستة الأخيرة.