رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


"كش ملك" بالعربي

[email protected]

الواقع العربي بعد قمة الرياض العربية ـ اللامعة وسط الظلام العربي ـ لم يعد كما كان قبلها, فالقمة حققت قفزة نوعية بالعمل العربي المشترك, وهذه حقيقية أدرك وأحس بأهميتها بقرونهما الاستشعارية أولمرت أولا ورايس ثانيا, وتجاه مخاوفهما من عودة الوعي للعمل العربي السياسي والقومي بعد مرحلة شبه غيبوبة وسكون, سارع الأول في محاولة يائسة منه لإشغال العرب وإرباك تحركهم المستيقظ بطرح فكرة مؤتمر قمة مع القادة العرب وخص منهم خادم الحرمين الشريفين مع شيء من النفاق السياسي الساذج والذي لا ينطلي على أحد, ولكن على مين يا سيد أولمرت..؟!, وتركت السيدة رايس كل قرارات القمة وجهدها المثمر والفاعل في الإسهام في حل مشكلات إقليمية مثل دارفور والصومال من خلال دور رئيس القمة الملك عبد الله بن عبد العزيز, وإعادة تبني مبادرة السلام العربية في تأكيد جديد وقوي على جنوح العرب للسلم الفعلي وحرصهم عليه وفق مبادرة متوازنة وعادلة تنهى الصراع العربي الإسرائيلي. تركت ذلك كله وأخذت بالنواح من توصيف خادم الحرمين الشريفين في كلمته للقمة للوجود الأمريكي في العراق بأنه احتلال غير مشروع, وكأنه أخترع شيئا من عنده وقال ما يخالف حقيقة ما جرى فعلا, وهدف رايس لم يكن ذلك, بل كان محاولة منها ــ كما أولمرت ـ للهروب من مسؤولية الرد على مبادرة السلام العربية باختلاق وإثارة قضايا جانبية لا علاقة لها بالموضوع بتذاك لم يعد قابلا للصرف, وكلاهما ـ رايس وأولمرت ـ اختلقا هذا الضجيج والزعيق المفتعلين من أجل التهرب من الاستحقاق السياسي الذي طرحته القمة العربية فيما يخص السلام, الذي كثيرا ما تباكت عليه الدولة العبرية ولكن بدموع كدموع التماسيح, وبما يؤكد للعالم شرقه وغربه أن الدولة العبرية ومن خلفها أحيانا ومن ورائها أحيانا أخرى الولايات المتحدة ليستا صادقتين فعلا في الرغبة في السلام إذا كان حقيقيا وجديا وفعليا, فالأيام والوقائع أثبتت دوما أنهما مستفيدتان من الوضع كما هو عليه حاليا, وهو وضع لا حرب ولا سلم, فلا حرب تهدد دولة العدو الإسرائيلي, ولا سلم يفرض عليها التخلي عن مكاسب ليست مجبرة عليها. ولإلهاء العرب وخداع العالم ابتكروا أساليب مراوغة ومخادعة تمثلت في تتابع المبادرات والتحركات من توقيع ما يسمونه حينا بتفاهمات كل منها يحتاج إلى مفاوضات تبدأ ولا تنتهي, وحينا آخر بخطط من خطة لتنيت لخريطة طريق لرؤية دولتين وجميعها ليست إلا قبض ريح فقط. والوقت يمضى والدولة العبرية تنفذ وقائع جديدة على الأرض, وتمارس كل ألوان الإرهاب الرسمي بحجة محاربة "الإرهاب" الفلسطيني, على أمل إيصال العرب ومعهم الفلسطينيين إلى لحظة لا يجدون فيها ما يفاوضون عليه, وكل ذلك يتم بأسلوب "رايح جاي" ولكن بخفي حنين..!!
يذكر أن إعادة طرح المبادرة العربية للسلام بقوة في قمة الرياض المصاحب لتميزها ووضوح جديتها, مثل مأزقا فعليا أربك أسلوب التسويف الإسرائيلي الأمريكي, ووضع المسألة برمتها عند المربع الأول. وانكشف هذا الإرباك بسذاجة أولمرت وتذاكي رايس, فلم يعد في الأمر مجالا للتلاعب, فهذه مبادرة متكاملة العناصر تعطي العدو الإسرائيلي السلام الكامل مقابل الأرض كاملة مع ما يترتب على ذلك من حقوق عربية باختصار شديد, وأصبحت الدولة العبرية وسندها الولايات المتحدة, التي سميت يوما بالراعية لعملية السلام ــ وثبت أنها كمن يستأمن الذئب على غنمه ــ في الركن الصعب, فلم تعد لهما حجة ولا ذريعة. ومع إعادة طرح العرب مبادرتهم من جديد دون تعديل أو حذف أو تخفيف من بعض عناصرها كما طلبت السيدة رايس وطالب أولمرت مرات ومرات. وإصرارهم وتماسكهم حتى الآن على عدم الوقوع في فخاخ التسويف والدخول في دهاليز مفاوضات يسمونها تفاهميه لحرف المبادرة وتطويعها, يكون العرب كمن حصر وحشر لاعب شطرنج خصمه في الزاوية الضيقة قائلا له بثقة "كش ملك". وفعلا جاء التأكيد على المبادرة بشقيها الأرض كاملة مقابل السلام الكامل كخطوة " كش ملك " عربية في لعبة سلام آن لها أن تنتهي. ومما زاد من حرج طرفي الصراع المقابلين, الدولة العبرية والولايات المتحدة, أن العرب ليسوا مستعدين للمقايضة قيد أنملة, فإما إنهاء اللعبة أو سقوط الملك كما في لعبة الشطرنج, وهذا واضح في ردة الفعل "الإسرأمريكية" وعكسها ما وصفه السيد عمرو موسى بالفوضى والتخبط الإسرائيلي في تضارب أقوالهم حول المبادرة العربية.
ليس هناك من شك في أن التعامل العربي مع تسوية السلام بعد القمة يجب ألا يترك أي مساحة للإسرائيليين ولا للأمريكيين لكي يمارسوا خلالها ألاعيبهم المعروفة, وكان ذلك واضحا من خلال ما نسبته جريدة "الحياة" في الثالث من أبريل الجاري لمسؤول سعودي لم تذكر اسمه وفيما يبدو ردا على اقتراح أولمرت, بأن على إسرائيل أن تنسحب من الأراضي العربية المحتلة وتقام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس قبل التطبيع, وأن على إسرائيل أن تتفاوض على ذلك مع سورية والفلسطينيين بعد قبولها بالمبادرة, ومن ثم ينفذ العرب ما عليهم من التزامات, كلام واضح ودقيق.
أيضا يشهد العمل العربي السياسي نقلة جديدة في تولي المملكة عبر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله رئاسة القمة, وهو ما يعني أنه سوف يكون معنيا ومكلفا بتنفيذ قرارات القمة ومتابعتها من خلال الجامعة العربية, وخادم الحرمين الشريفين وضمن سياسة المملكة الثابتة بعدم المساومة على الحقوق العربية, وبما يعرف عنه من جدية وافق سياسي واسع عكسته المبادرة التي قدمها, تدرك الدولة العبرية ومعها الولايات المتحدة أنهما أمام مرحلة صعبة وجدية لن تنفع معها الأساليب البالية والمكشوفة, فالمبادرة العربية للسلام أشبه ما تكون بالخط المستقيم بين نقطتين, وطرحها مرة أخرى وتشكيل لجنة عربية لمتابعتها, تؤذن بأن اللعبة لن تطول, ولن يستمر اللعب في الأوقات الإضافية والضائعة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي