رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


حال العرب: هل تعد التجربة الموريتانية إشراقة أمل في زمن رديء؟

انظروا إلى حال العرب, كيف كانت وكيف أصبحت, فعلى مستوى المواطن, وصل الأمر إلى حد الشعور بالخذلان والشتات والضياع, إن من حيث التعليم الذي تقهقر كما وكيفا وأسلوبا, وأصبح اسما دون مسمى, وبقدر زيادة الأعداد فيه زاد المتسكعون في الشوارع دون عمل, وإن من حيث المستوى الاجتماعي زادت أحياء الصفيح, وتضاعفت أعداد الفقراء وانتهبت الثروة وتجمعت في أيدي قلة من الناس ليسوا هم الأفضل, بقدر ما هم الأقرب إلى السلطة والأكثر استغلالا للنفوذ, وخرقا للأنظمة والدساتير. وفي ظل هذا المناخ, وإلى هذا الوضع يعزى انتشار الشعور بالظلم والاضطهاد, وحب الانتقام الذي يترجم في حركات انتقامية تُغلّف بالدين ضمن ما يسمى الإرهاب, باعتبار الدين هو إكسير الشعوب, وآخر ما يلجأ إليه المفلس واليائس, يتعلق بأهدابه طلبا للنجاة, إن في الدنيا وإن في الآخرة, طالما أن ليس لديه ما يمكن أن يخسره, بخاصة عندما يصور له قادته, في هذا المجال, أن نعيما وملكا كبيرا ينتظره في الآخرة, إن هو نجح في المهمة المكلف بها!
أما على المستوى الاقتصادي, فقد مل المواطن الكلام عن وهم الوحدة الاقتصادية, والتبادل التجاري والاتحاد الجمركي, وأضحى مرور الوقت يزيد المواطن يأسا وبؤسا, وغدا من السهل على أي دولة عربية أن تعقد صلات تجارية واقتصادية مع ترينداد أو توجو من أن تعقدها مع دولة عربية أخرى! الكل يقول والكل يتحدث عن الشأن الاقتصادي منذ قيام الجامعة العربية, لكن لا شيء يحدث! وستمضي عقود مماثلة لما مضى بعد قيام الجامعة, الجائعة للعزيمة والصدق.
أراني ابتعدت قليلا عما أردت الحديث عنه, وهو الحالة الموريتانية التي تمثلت في قيام مواطن عربي بتصحيح الوضع السياسي في بلده, والاستيلاء على السلطة بأكثر ما يكون المظهر سلميا, وإعطاء وعد بتسليمها لمن يختاره الشعب اختيارا حرا نزيها خلال مدة زمنية محددة أقصاها سنتان, وهو ما فعله وحققه العقيد أعل ولد محمد فال, رئيس المجلس العسكري في موريتانيا, بل فعل أكثر منه حينما حقق الوعد قبل الموعد, من خلال عملية انتخابية لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلا, بشهادة مراقبيها الدوليين.
هل يعقل في هذا الزمن الرديء أن يستولي العسكريون العرب على السلطة ثم يتخلوا عنها طواعية في زمن وجيز؟ هل يعقل أن يصل عقيد إلى السلطة ولا يتمسك بها كما تمسك بها عقداء غيره, ما زالوا يحاولون امتلاكها مدى الحياة, ثم يورثونها لأبنائهم, كجزء من ممتلكاتهم الخاصة وهم سيصلون إلى ذلك طالما ظل المواطن العربي غائبا عن الوعي تجلده سياط الجهل والفقر والمرض, واللهث وراء رغيف الخبز!
بالله عليكم تأملوا لكي تجدوا أن معظم الأنظمة العربية هي أنظمة عسكرية في أصلها وفصلها، استغلت مراكزها ونفوذها في الجيش لتقفز إلى السلطة بحجة إنقاذ الشعوب، فإذا الشعوب تستغيث بمن ينقذها منها! لكن مَن يفعل، والوطن العربي لم يُنجب إلا ولد محمد فال واحدا؟ نعم فعلها هذا الرجل الصامت المثقف، وأحرج بفعلته هذه بعض، إن لم يكن معظم، الزعماء العرب وخصوصا العسكريون منهم, وتركهم يتساءلون: من أين خرج عليهم هذا العسكري المغمور، وقلب معادلة الحكم التي تقول إن السلطة لمن استولى عليها، ويكاد يتسبب في إيقاظ شعوبهم النائمة من سبات خالوه سرمديا، وهو، أي امتعاضهم, هو ما قد ينسب إليه الفتور في الاستقبال الذي قابله به البعض، عندما تزامن حضوره مع مؤتمر قمة الرياض، مع تحقق ما وعد به، حري بهذا المواطن، وقد ضحى ثم آثر العودة إلى منزله ألا يلقى المصير نفسه الذي لقيه شبيه له هو سوار الذهب الذي ظهر في السودان منذ بضعة عقود ثم نسيه الناس، وأن يستفيد العرب من فكره وعقليته الفذة في مكان مثل منصب الأمين العام للجامعة العربية، طبعا بعد انتهاء فترة أمينها الحالي، فهل ثمة من سيجرؤ على ترشيحه؟
أما الشعب الموريتاني المثقف فله التحية على تلك التظاهرة الفذة المتمثلة في نقله السلطة لأفضل أبنائه كأروع ما يكون الانتقال، والتحية موصولة إلى المنافس الذي لم يفز، أحمد ولد داده، على وطنيته واعترافه ومباركته نتيجة الاقتراع، دون أن يلجأ للتشكيك والاتهام بالتزوير وتزييف الانتخابات، كما هو الحال عربيا.
والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي