رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


بعد عام من الانهيار .. لا أحد استوعب الدرس

[email protected]

خسر المؤشر العام لسوق الأسهم السعودية في الانهيار الذي بدأ في شباط (فبراير) 2006 نحو 66 في المائة من قيمته. هذا التراجع، رغم قسوته، لا يعكس الحجم الحقيقي للكارثة، فأسعار معظم الشركات المتداولة تراجعت بنسب تفوق ذلك بكثير، إلا أن ضعف وزنها في المؤشر العام جعله لا يعكس حقيقة حدة تراجع أسعارها. الآثار السلبية الهائلة لهذا الانهيار في اقتصادنا الوطني بشكل عام، وفي الوضع المالي والمعيشي لقطاع واسع من أفراد المجتمع، يجعل من البديهي، وفي مثل هذه الظروف، أن نتصور أن هناك درسا قاسيا تم استيعابه من قبل كل من له علاقة بهذه السوق، إلا أن الواقع، مع كل أسف، يشير إلى عكس ذلك.
المتداولون الذين رأوا مدخراتهم تتبخر أمام أعينهم نتيجة تغييبهم كل منطق وعقلانية في تعاملهم مع السوق، بسبب أنهم لم يعيروا حقيقة الأداء المالي للشركات المدرجة في السوق أي اهتمام يذكر، وتوهموا أن أسعارها يمكن أن تستمر في الارتفاع إلى الأبد، حتى لو بلغت عشرات أو حتى مئات أضعاف قيمها العادلة. حدة خسارتهم وقسوتها لم تجعلهم أكثر حذرا أو أقل تهورا، فعند أي بادرة استقرار في السوق، نجدهم ينساقون خلف موجات مضاربات محمومة تتعرض لها أسهم شركات يعلمون يقينا أنها فاشلة متعثرة، فترتفع أسعارها بحدة، وتسيطر على التداولات بفعل عمليات تدوير وهمية، وعند أي بادرة تراجع في السوق تنهار فجأة، ملحقة بالغ الضرر بصغار المتداولين. فعمليات التحايل والتداول الوهمي هدفها الأساس إعطاء انطباع زائف بتعافي السوق وارتدادها، ما يغري بقية المتداولين ويجذبهم إلى الدخول على خط المضاربة على تلك الأسهم، ليتمكن بعدها المتلاعبون من الخروج منها بأسعار مرتفعة جدا. ما جعل صغار المتداولين أشبه بمن يمشي في وحل، كل خطوة يخطوها تعمق معاناته وتجعل إمكانية خروجه أصعب، وتكرار هذا السيناريو مرة تلو أخرى منذ بدء انهيار السوق، يؤكد، بما لا يدع مجالا للشك، أن قطاعا واسعا من المتداولين لم يستوعبوا الدرس، والكثير منهم ما زال يتعامل مع هذه السوق بعقلية المقامر لا المستثمر الباحث عن فرصة حقيقية لتنمية مدخراته، لذا فهم دوما على استعداد لتعريض مدخراتهم لمخاطر جسيمة في ظل أمل زائف بتحقيق ربح وفير.
والجهات المشرفة على إدارة الاقتصاد، خاصة وزارة المالية ومؤسسة النقد، عدم مبادرتها لمعالجة الاختلالات الواضحة التي عانى منها اقتصادنا منذ عام 2003، خاصة نمو السيولة المحلية وفق معدلات تزيد كثيرا على حاجة اقتصادنا المحلي، تسبب في اندفاع فائض السيولة إلى سوق الأسهم وخلق بيئة مناسبة لمضاربات محمومة غير عقلانية. هذه الجهات، هي الأخرى، لا يبدو أنها استوعبت الدرس، فمعدلات نمو السيولة المحلية في عام 2006 زادت على 19 في المائة، أي أنها فاقت حتى معدلات نموها في السنوات التي سبقت الانهيار، واستمرار نموها وفق هذه المعدلات المرتفعة دون اتخاذ سياسات مناسبة للسيطرة عليها، تسبب في تسارع معدلات التضخم المحلية منذ توقف تدفق السيولة الفائضة إلي السوق بعد انهيارها، وجعل السوق المالية عرضة لارتفاع جديد مبالغ فيه. فالتضخم غير المبرر في السيولة المحلية، في ظل أوضاع مالية إيجابية مطمئنة نتيجة محافظة أسعار النفط الخام على مستويات مرتفعة، يعني أنه متى ما عادت الثقة للسوق فهي مرشحة لدورة جديدة من الارتفاعات الحادة، تنهار بعدها ملحقة بالغ الضرر بالمتداولين وببيئتنا الاستثمارية.
وهيئة السوق المالية، وفي ظل عدم قدرة السوق على اجتذاب سيولة جديدة، حاولت استعادة استقرار السوق من خلال عدم طرح اكتتابات أولية كبيرة الحجم تجنبا لتأثيرها السلبي في سيولة السوق، إلا أن ذلك لم يتزامن مع تفعيل لدور الهيئة الرقابي، من خلال وضع حد للممارسات والتحالفات غير المشروعة التي عادة ما تستهدف أسهم الشركات الصغيرة. ما خلق بيئة مناسبة لعودة عمليات التدوير والتداول الوهمي، حتى أن الشركات المدرجة حديثا، وبسبب محدودية عدد أسهمها، انضمت مباشرة إلى قائمة أسهم المضاربة، يدعم ذلك، دون شك، سعي مؤسسيها إلى تصريف ما بقي في أيديهم من أسهم بأضعاف سعر اكتتابها. وبدلا من توسيع وتعميق سوقنا المالية من خلال هذه الطروحات الأولية، أدرجنا شركات أداؤها لا يواكب تقييمها المبالغ فيه، ما زاد من مخاطر السوق وجعلها عرضة للانهيار في أي لحظة. وقد كان تراجع السوق فرصة مناسبة لفرض رقابة صارمة على التعاملات والضرب بيد من حديد على المتلاعبين، للقضاء على ممارسات مخجلة ليست مسيئة فقط لسوقنا المالية وإنما لبيئتنا الاستثمارية بشكل عام. إلا أن تفشي تحالفات المجموعات وكونها أكثر جرأة وأشد خطرا على السوق في مرحلة ما بعد الانهيار، يظهر أن الهيئة، هي الأخرى، لم تستوعب الدرس.
ماذا يعني كل ذلك بالنسبة لمستقبل السوق؟ مواصلة السيولة المحلية نموها بمعدلات عالية، واستمرار الأوضاع المالية الجيدة للدولة، وفوضى التداولات واستشراء عمليات التداول الوهمي والتدوير، تدفع السوق إلى ارتفاع غير عقلاني مرتكز على أسهم الشركات الصغيرة. في المقابل، ارتفاع السوق وظهور بوادر على تعافيها، يجعل من غير الممكن استمرار الهيئة في تأجيل طرح اكتتابات أولية كبيرة، ما سيشكل ضغطا هائلا على سيولة السوق، وفي ظل هشاشة ارتفاعاتها، فإنها ستتراجع مع كل اكتتاب رئيس. أي أنه بدلا من تكرار سيناريو الارتفاع الحاد ثم الانهيار، كما في شباط (فبراير) 2006، فإن السوق ستكون عرضة لارتفاعات وانهيارات متكررة تأخذها في كل مرة إلى قاع جديد، متزامنة مع عمليات الطرح الكبرى، كاكتتاب: "البحري"، "كيان"، "جبل عمر"،" رابغ"، "معادن"، بنك الإنماء، وغيرها، وعلى كل متداول توهم أن باستطاعته تجاهل درس انهيار شباط (فبراير)، وظل يتعامل مع هذه السوق كما لو أن شيئا لم يكن، أن يعيد حساباته قبل أن تتفاقم معاناته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي