رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


كيف أصبحت قمة التضامن؟

[email protected]

لنتصور الأجواء التي كانت ستعقد فيها هذه القمة العربية لو أن العنف والخلاف الفلسطيني لا يزال قائما، وبقيت القيادات العربية تتفرج على الأحداث المأساوية في الأراضي الفلسطينية، ولم يتدخل خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز في الوقت المناسب لوأد هذه الفتنة ورأب الصدع الفلسطيني، الذي كان يهدد بالقضاء على كل مكتسبات الشعب الفلسطيني في صراعه المرير على مدى عقود. الأجواء ستكون، بكل تأكيد، مختلفة تماما عن الأجواء الإيجابية التي ستفتتح بها هذه القمة غدا، وسيكون سقف التوقعات متدنيا جدا لا يتعدى مجرد محاولة الوصول إلى هدنة توقف نزيف الدم الفلسطيني، لا أن يكون هناك حكومة وحدة فلسطينية تمثل فيها مختلف أطياف العملية السياسية الفلسطينية، والدول التي تحاول الاستمرار في مقاطعتها وحصارها تجد نفسها في حرج شديد، وأن تكون المعنويات والآمال المعقودة على هذه القمة مرتفعة إلى الحد الذي يصبح معه من الملائم جدا تسميها "قمة التضامن".
العمل العربي المشترك رغم محدوديه وتواضعه تعرض لضربة موجعة أصابته بشلل شبه تام بعد احتلال دولة الكويت، وتداعت أهمية مؤسساته بشكل واضح ولم يعد هناك الكثير الذي يؤمل منه تحقيقه. في أواخر التسعينيات بدأت على استحياء بعض مظاهر الحياة تدب في مؤسساته، إلا أن أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) أرجعتنا من جديد للمربع رقم واحد، وأصبحت الأخطار المحدقة بالدول العربية أكبر من أن ترى أن لها قدرة على مواجهتها أو التأثير فيها، فتقوقعت كل دولة على نفسها، وأصبح حضور مؤتمرات القمة العربية نوعا من تأدية الواجب لا أكثر، وشكلية لا يتوقع منها الكثير بياناتها الختامية تتلى على الملأ قبل أسابيع من انعقادها. النجاح السعودي في تدارك الوضع الفلسطيني من خطر الانزلاق، وفي احتواء الوضع اللبناني بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من الانفجار، يؤمل أن يكون قد أعاد للأمة العربية ثقتها بنفسها وفي قدرتها على أخذ زمام المبادرة لحل مشكلاتها المستعصية. وأثبت أن هناك الكثير الذي يمكن القيام به، متى ما توافرت القيادة الواعية القادرة على توحيد الصف العربي، وبدا واضحاً أن السعودية تحظى بقبول عام لتكون رأس الحربة في التصدي العربي للملفات الإقليمية الكبرى التي أصبحت تشكل خطرا هائلا على استقرار المنطقة وتنذر بتفجير شامل للأوضاع.
مهمة الدول العربية قد تكون الآن أكثر يسرا وسهولة، مع تراجع حالة الطيش التي سيطرت على سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية منذ أحداث أيلول (سبتمبر)، نتيجة فشلها الذريع في العراق وإدراكها أن سياساتها الأحادية المتغطرسة نكأت جروحا غائرة عديدة في منطقة الشرق الأوسط لا تستطيع وحدها الآن السيطرة عليها. وهي في حاجة ماسة لتعاون الآخرين معها لتتمكن من الخروج من ورطتها بأقل تكاليف استراتيجية وعسكرية وسياسية ممكنة، ودون ذلك فإن الأوضاع قد تتفجر بصورة تعرض مصالحها الحيوية للخطر، وتشكل تهديدا خطيرا للأمن والسلام العالميين. والرئيس الأمريكي بوش سيغادر موقعه في أقل من سنتين، لذا فهو في أمس الحاجة إلى تحقيق أي نجاح يغطي فشل إدارته في العراق، ويحد من نتائج سياساته الخرقاء التي ألبت الرأي العام العالمي ضد الولايات المتحدة بشكل غير مسبوق، وشوهت صورتها في العالم بحيث أصبحت استطلاعات الرأي في أنحاء كثيرة في العالم تظهر الولايات المتحدة كأحد أكبر الأخطار التي تهدد السلم والأمن العالميين. والكيان الإسرائيلي، هو الآخر، أدرك بعد فشله في حرب لبنان الصيف الماضي أن قواعد اللعبة في تغير متسارع، معها مقاييس القوة والضعف في المنطقة تصبح غير واضحة، وهذا الكيان غير قادر الآن على ضمان أمنه من خلال قوة الردع فقط، ما قد يضطره إلى القبول بحل مرض للجميع ينهي هذا الصراع، لا أن يكون حلا يفرضه منتصر على مهزوم.
السعودية وإن كانت سباقة في أخذ زمام المبادرة في التصدي للعديد من الملفات الشائكة في المنطقة إلا أنها بحاجة إلى تضامن الدول العربية معها وتوحيد صفوفها خلف قضاياها المصيرية، وعدم انزلاقها في قضايا خلافية أو معارك جانبية. ومؤشرات نجاح هذه القمة ستكون في تأكيدها مجددا على الدعم العربي الكامل لمبادرة السلام العربية ورفض إجراء أي تعديل عليها، وفي اتفاق الدول العربية جميعا على رفع كافة أشكال الحصار والمقاطعة عن الشعب الفلسطيني وحكومته المنتخبة. ما يظهر للعالم كله جدية الموقف العربي الراغب في تحقيق نهاية عادلة للصراع العربي الإسرائيلي، وفي صرامة موقفه المدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني، باعتبار أن الحل العادل لهذا الصراع يمثل مفتاحا لحل كل القضايا الأخرى بما في ذلك مشكلة العنف والإرهاب. لا كما يحاول متطرفو اليمين في الغرب التضليل به، من خلال تصوير الفجوة القائمة حاليا بين العالمين الإسلامي والغربي على أنها صراع حضاري غير مرتبط بقضايا سياسية ومواقف غربية متحيزة داعمة للغطرسة الإسرائيلية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي