جولة بوش اللاتينية.. طريق جديد للطاقة البديلة
اختيار الرئيس الأمريكي جورج بوش البرازيل ليبدأ بها جولته في أمريكا اللاتينية مطلع الشهر الحالي أعاد التركيز على قضايا الطاقة البديلة، وبخاصة الإيثانول الذي تحتل فيه البرازيل موقعا متميزا إنتاجا واستهلاكا. ثمان من كل عشر سيارات تسير في طرقات البرازيل تتم تغذيتها بطاقة الإيثانول المنتجة محليا من قصب السكر، وبالتالي أصبحت البلاد أقل اعتمادا على الوارد من الوقود الأحفوري، ويعتبر هذا نجاحا لا يرقى إليه الشك فيما يتعلق بالبرنامج القومي للكحول الذي بدأ العمل به قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمان إثر تفجر أزمة الطاقة الأولى، حيث تزامن نقص الإمدادات مع ارتفاع في أسعار النفط الخام، الأمر الذي دفع البرازيل للبحث عن خيارات أخرى تصبح بها أقل اعتمادا على الأسواق الأجنبية للحصول على احتياجاتها من الطاقة.
في مايلي مزيداً من التفاصيل:
اختيار الرئيس الأمريكي جورج بوش للبرازيل ليبدأ جولته في أمريكا اللاتينية مطلع الشهر الحالي أعاد التأكيد على قضايا الطاقة البديلة، خاصة الإيثانول الذي تحتل فيه البرازيل موقعا متميزا إنتاجا واستهلاكا. ثمانية من كل عشر سيارات تسير في طرقات البرازيل تتم تغذيتها بطاقة الإيثانول المنتجة محليا من قصب السكر، وبالتالي أصبحت البلاد أقل اعتمادا على الوارد من الوقود الأحفوري، ويعتبر هذا نجاحا لا يرقى إليه الشك فيما يتعلق بالبرنامج القومي للكحول الذي بدأ العمل فيه قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمان إثر تفجر أزمة الطاقة الأولى، حيث تزامن نقص الإمدادات مع ارتفاع في أسعار النفط الخام، الأمر الذي دفع البرازيل للبحث عن خيارات أخرى تصبح فيها أقل اعتمادا على الأسواق الأجنبية للحصول على احتياجاتها من الطاقة.
وأدى هذا النجاح إلى تطوير صناعة السيارات بمنتجات مخصصة للسوق البرازيلية شملت معظم الأسماء اللامعة مثل "فيات"، "سيينا"، وغيرها، وبعضها يتم تزويدها بالوقود المنتج كلية من الإيثانول أو المخلوط به بنسب تتفاوت. ويلعب عنصر التكلفة دورا رئيسا في هذا الجانب، إذ إن تكلفة شراء جالون من الإيثانول تعادل نصف تكلفة جالون من البنزين العادي.
وبسبب ضخامة حجم الاستثمارات، فإن صناعة الإيثانول أصبحت مربحة، خاصة مع البعد البيئي الذي يلازمها، وتصاعد الاهتمام به أخيرا إثر التركيز على دور الوقود الأحفوري في الانبعاثات الغازية ومن ثم عمليات التغير المناخي.
والإيثانول، الذي يطلق عليه الكحول أو كحول النباتات من بين عدة أسماء، قابل للاشتعال، ولا لون له، وتعتبر الولايات المتحدة منطقة إنتاجه الرئيسة، حيث يمكن استخلاص 2.8 جالون من كل جوال ذرة شامية، أما المناطق الدافئة مثل البرازيل فتنتجه من قصب السكر.
شركة النفط الوطنية البرازيلية بتروبراس تعمل على طرق الحديد وهو ساخن، وتخطط لدخول السوق الأمريكية بالبدء في تصدير الإيثانول إليها هذا العام، وذلك كجزء من 224 مليون جالون تعتزم الشركة تصديرها إلى كل عدد من الأسواق مثل فنزويلا ونيجيريا، بل واليابان التي ستحظى بكمية بسيطة تبلغ 20 مليون جالون لاختبار السوق بداية.
وأخيراً قامت شركة ميتسوي اليابانية بتوقيع اتفاقية مع شركة بتروبراس الوطنية للنفط لدراسة إقامة خط أنابيب بقيمة 750 مليون دولار ويستغرق العمل فيه عامين، وسيكون بطاقة أكثر من ملياري جالون، وذلك حتى يساعد على تصدير الإيثانول إلى اليابان وتوسيع السوق هناك، خاصة واليابان مثل البرازيل عانت من متاعب الاعتماد على الوقود الأحفوري المستورد بسبب خلوها من أي موارد للطاقة.
ووقعت البرازيل اتفاقا مع إندونيسيا تقوم الأولى بموجبه بمعاونة الأخيرة على تطوير قدراتها والدخول في ميدان صناعة الإيثانول للتعويض عن تراجع إنتاجها النفطي، والعمل على إحياء القطاع الزراعي لديها. وتم تخصيص أكثر من مليوني هكتار من الأرض لزراعة قصب السكر، إلى جانب أكثر من مليار دولار لدعم المزارعين المحليين.
بوش وقّع اتفاقا مع رصيفه البرازيلي لويس أناسيو دا سيلفا لتطوير معايير تحويل الإيثانول إلى تجارة عالمية وتوفير الموارد اللازمة للقيام بأبحاث حوله، إلى جانب الاهتمام بالجانب التقني والدفع باتجاه إيجاد سوق عالمية للإيثانول، وذلك بالتركيز على ما يمكن القيام به في دول أمريكا الجنوبية، وهي خطوة أطلقت عليها بعض وسائل الإعلام البرازيلية أنها تهدف إلى تأسيس منظمة مثل أوبك تختص بالإيثانول، ولو أن المسؤولين في الطرفين استبعدوا حدوث توجه من هذا النوع رغم اهتمامهم بتطوير العلاقة بينهما.
ومع أن الولايات المتحدة تعتبر المنتج الأول للإيثانول في العالم، إلا أن البرازيل تتميز برخص إنتاجه للاعتماد على قصب السكر لقيما. وحجم الإنتاج البرازيلي من الإيثانول يبلغ 16.7 مليون لتر سنويا، أو ما يعادل 4.4 مليون جالون، وهي تأمل زيادة قدراتها الإنتاجية إلى 23.3 مليون لتر، أو 6.6 مليون جالون في غضون أربع سنوات.
من جانبها، تأمل إدارة بوش تنفيذ خطط تقوم على رفع الإنتاج الحالي للإيثانول إلى 35 مليار جالون في العام وأنواع أخرى من الطاقة البديلة مثل فول الصويا والوقود الإحيائي في غضون عشر سنوات، ويعني هذا مضاعفة حجم الإنتاج خمس مرات حجم الإنتاج الحالي. وبما أن الإنتاج من الذرة الشامية قد لا يحقق الأهداف الموضوعة، ولهذا تحتل البرازيل موقعا أساسيا في تنمية السوق في وسط وجنوب أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، لتصبح سوقا لإنتاج الإيثانول مستفيدة من قدراتها الإنتاجية الكبيرة فيما يتعلق بقصب السكر.
وفي تقدير لدانييل يرجن رئيس مؤسسة كامبردج لأبحاث الطاقة، فإن هذه تعتبر أول محاولة في النصف الغربي من العالم لإنشاء سوق للإيثانول تسعى إلى تحقيق التجارة والتنمية المحلية، ومن ثم تقليل ضغوط تقلبات أسعار النفط العالمية على المستهلكين على كل دول المنطقة. وأضاف أن هذا يعني من الناحية الأخرى أن البرازيل تتقدم إلى احتلال مكان متميز بصفتها رائدة في عالم الطاقة إلى جانب فنزويلا في ميدان الطاقة التقليدية.
الاتفاق رغم تسليطه الضوء على الطاقة المستخلصة من الإيثانول إلا أنه لا يخاطب القضايا الآنية والخلافية بين البلدين مثل الضريبة البالغة 54 سنتا وتفرض على كل جالون مستورد، وذلك حماية للصناعة المحلية والخضوع لنفوذ اللوبي الزراعي القوي. فاستمرار الدعم الحكومي للمزارعين الأمريكيين يمثل حاجزا أمام تطوير وزيادة حجم الصادرات البرازيلية من الإيثانول إلى السوق الأمريكية.
اهتمام بوش بالإيثانول لا يعود فقط إلى زيارته الأخيرة إلى البرازيل، وإنما تمتد جذوره إلى رؤيته قضايا الطاقة وكيفية دعم المزارعين الذين يشكلون قاعدة انتخابية لا يستهان بها. قبل سنوات خمس زار بوش - أثناء فترته الرئاسية الأولى عام 2002 - مدينة صغيرة تدعى وينتورث في ولاية داكوتا الجنوبية، للاطلاع على مرفق لإنتاج الإيثانول يتمثل في مصنع صغير في تلك المدينة ينتج نحو 40 مليون جالون من الإيثانول سنويا، الأمر الذي يوفر سوقا لمزارعي الذرة الشامية في المنطقة ويعود عليهم بمبلغ 14 مليون دولار ثمنا لشراء الذرة التي منها ينتج الإيثانول الذي يخلط بالبنزين لتوفير طاقة تسير بها المركبات.
ومع أن مؤيدي سياسات تحرير التجارة ينتقدون هذه الخطوة على أساس أنها ترفع من سعر جوال الذرة الشامية لصالح المزارعين المحليين وتوفر قاعدة للدعم لا تساعد على المنافسة، بل وأنها لا تفتح المجال أمام ورود منتجات أقل تكلفة وربما جودة عند استعمالها لقيما لإنتاج الإيثانول مثلما هو الحال مع قصب السكر الذي يمكن أن يأتي من البرازيل أو دول أمريكا الجنوبية والكاريبية مثلا.
لكن بوش كان له رأي آخر. ففي لقاءاته تلك صرح أن ما يجري يمثل سياسة عامة وجيدة بالنسبة للولايات المتحدة، وهي سياسة جيدة فيما يتعلق بالبيئة والمساعدة على توفير الهواء النظيف، كما أنها سياسة جيدة للأمن القومي الأمريكي، مضيفا أنه يحمد الله على توافر المواد الغذائية محليا، لكن الأمر مختلف فيما يتعلق بالطاقة حيث يتزايد اعتماد الولايات المتحدة على الأسواق الأجنبية لتوفير احتياجاتها وبكل ما لمثل هذه الخطوة من تبعات على ميزان المدفوعات وعلى قضايا السياسة الخارجية بصورة عامة.
في الأسبوع التالي لجولة بوش في أمريكا اللاتينية وتسليطه الضوء على إنتاج الطاقة من الإيثانول، تلقى انتقادا مفاجئا من جهة ليست في الحسبان. فأثناء حضوره مؤتمرا في العاصمة البريطانية لندن الأسبوع الماضي حول توفير التمويل لمصادر الطاقة ذات المحتوى الكربوني المنخفض، دعا بول وولفتز رئيس البنك الدولي، الذي كان حتى قبل عامين أحد عمدة المحافظين الجدد في الإدارة وأحد المخططين الرئيسين لحملة غزو العراق، دعا إدارة بوش إلى خفض أو إلغاء الضرائب التي تفرضها على الإيثانول الوارد من البرازيل. وجاء اقتراح وولفتز في إطار دعوته إلى إيجاد اتفاق إطاري لخفض الانبعاث الحراري. ولفت الأنظار أن وولفتز تخطى ملاحظاته المكتوبة والمعدة مسبقا ليطلق دعوته إلى الولايات المتحدة بخصوص خفض الضرائب لما لمثل هذه الخطوة من تأثير في دفع قضايا الطاقة البديلة إلى الأمام. وعندما سعى أحد محرري صحيفة "فايننشيال تايمز" إلى استيضاحه إذا كان يعني تحديدا أن على الإدارة الأمريكية خفض أو إزالة الضرائب البالغة 54 سنتا على الجالون المستورد من الإيثانول البرازيلي، رد بقوله: هذا ما عنيته بالضبط، ألم تكن حاضرا وتستمع إلى ما أقول؟
وأضاف وولفتز أنه أصبحت تتوافر أدلة قاطعة على مدى إسهام الانبعاثات الغازية من الوقود الأحفوري في قضايا التغير المناخي، وكلما حدث تأخر في اتخاذ الخطوات اللازمة أصبح الأمر مكلفا فيما بعد، فترك الأمور لتسير على ما هو عليه ليس خيارا.
ورغم أن الهدف الأمريكي المعلن خفض استهلاك النفط 20 في المائة في غضون عشر سنوات، إلا أن الدراسات الخاصة بإدارة معلومات الطاقة الأمريكية توضح أن تحقيق ذلك غير ممكن بالاعتماد على المزارعين الأمريكيين لتوفير البديل، لكن بوش يرفض البدائل لأنها مكلفة سياسيا. وفي مقابل اتفاق كيوتو الذي أخرج الولايات المتحدة منه، يسعى إلى إيجاد اتفاقات بديلة مع دول ذات نشاط اقتصادي كبير مثل اليابان، الصين، والهند، وهي خطوة لم تحقق اختراقا يذكر حتى الآن.