تفسيق المسلمين وتكفيرهم خطر كبير يقع فيه السفهاء

تفسيق المسلمين وتكفيرهم خطر كبير يقع فيه السفهاء

حذر سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ المفتي العام للمملكة من أذية الآخرين, وقال إن من تلك الأذيّة التي تحدث من بعض الناس الأذية باللسان بأن ينسِب لهم باطلاً، ويقول عليهم زورًا وبهتانًا، يحكم عليهم بالفِسقِ وهو لا يعلم، وربما كفَّرهم ـ والعياذ بالله ـ بغير رويَّةٍ ولا بَصيرة ولا تأمّلٍ ولا نظر في العواقب، وإنما يطلِق الكلِمات لا يزن لها وزنًا، ولا يقيم لها شأنًا، إنما هي ألفاظٌ يذكُرها بلِسانه، ولا يتصوَّر هذا القائل مدَى خطورتها وضرَرَ إثمها على المسلم، ولذا يقول صلى الله عليه وسلم محذِّرًا لنا من ذلِك إنّ "مَن قال لأخيه: يا عدوَّ الله أو يا كافر وليس كذلك إلا حارَ عليه"، أي: إلا رجَع عليه مثل ما قال. "فليحذرِ المسلم أن يطلقَ الكلمات من غير أن يزِن لها وزنًا، وليتثبَّت فيما يقول، والله محاسبُه عن ألفاظه"، "مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ" [ق:18].
يؤذي المسلمينَ أحيانًا بسبِّهم وشتمِهم ولعنِهم، وهو لا يتصوَّر نتائجَ تلك الكلماتِ القبيحة، ولذا يقول, صلى الله عليه وسلم: "لعنُ المسلم كقتله"، ويقول أيضًا: "سِباب المسلم فسوق وقتاله كفر".
ويضيف سماحته أن من الأذية أيضا أن يسعَى بينهم بالنّميمة ليفسدَ العلاقةَ القائمةَ بين الإخوان، وربما سعَى بالإفساد بين الزوجَين، وربما سعَى بين الأخَوين وبين الأبِ وأولاده أو الرّحم بعضهم مع بعض. نميمة خبيثة، نقلُ الكلام السيّئ على وجهِ الإفساد وإلحاقِ الضررِ وتصديعِ بناء المجتمع المسلم.
يؤذيهم بأقواله فترَاه يغتابهم وينتهِك أعراضَهم بلا رويّة ولا بصيرة، يتشفّى في أعراض المسلمين، كفاه إثما لو عاد لنفسِه وصحَّح أوضاعَه وأصلح أخطاءه، لكان في ذلك كفاية وغُنية من أن يشتغلَ بأعراضِ المسلمين ثَلبًا وعيبًا من غير بصيرةٍ ولا تأمّل.
يؤذيهم بلسانِه فينسِب لهم البُهتان ويحكِي عنهم الزورَ والأقوالَ الخبيثة، وهم قد لا يكونون قالوها ولم يحكوها، لكنّه يتلقّف الكلامَ من كلِّ قائل من غير أن يتثبَّت فيما يُنقَل إليه، ولذا قال الله لنا: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين".
يؤذيهم في أموالهم فيجحَد حقوقهم، ويجحَد حقوقَهم التي في ذمّتِه، إمّا لأن صاحبَه ليس عنده توثُّق قويّ، فيستغلّ ذلك فيجحَد الحقوق، والله يقول: فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ [البقرة:283].
يؤذيهم فيتعدَّى على أموالهم ظلمًا وعدوانًا، وفي الحديث: "من اقتطَع شبرًا من الأرض طُوِّقه يومَ القيامة من سبع أرضين".
ويؤذيهم بسفكِ دمائهم بغير حقّ، وكلّ هذا حرام، ولهذا النبيّ يقول: "إنّ دماءكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرام". إنَّ سفكَ الدماء بغيرِ حقّ ظلم وعدوان، "ولا يزال العبدُ في فسحةٍ من دينه ما لم يصِب دمًا حرامًا".
وعكسُ هذا مَن وفَّقه الله فسلم المسلمون من شرِّ لسانه ويدِه، كما قال صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلِمَ المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمِنَه الناس على دمائهم وأموالهم". المسلم الصادِق الذي سلِم المسلمون من شرِّ لسانه ويده، فلا يؤذيهم بلسانه، ولا يؤذيهم بيده، ويأمَنونه على الدّماء والأموال؛ لأن هذه حقيقةُ الإيمان الدّالّة على صدق الإيمان وقوّة اليقين.
ويبين سماحته أن مِن أنواع الأذى المماطلةُ بالحقوق، كتأخير قِسمةِ الميراث أحيانًا؛ لأن بعضَهم قد يريد بها ظلمَ الآخرين والتحايلَ عليهم ومحاولةَ تنازلهم عن بعض حقوقِهم، لأجل المصالح الشخصيّة، فالمسلم يتباعَدُ عن هذا، وإن ائتُمِنَ أدَّى أمانته بصدقٍ وإخلاص.

الأكثر قراءة