رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة .. وضع اليد على الجرح (2 من 2)

[email protected]

كنا قد تحدثنا في مقال الأسبوع الماضي عن التوجه الكبير والصريح الذي تنتهجه حكومة خادم الحرمين الشريفين لمكافحة الفساد وأن قرار الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد لم يكن وليد اللحظة، بل هو قرار استراتيجي تتبناه نية الإصلاح وتحكمه متغيرات المرحلة.

إن مقومات النجاح لهيئة ناشئة تهتم بموضوع متشعب ومعقد مثل الفساد، تحتاج إلى جهود كبيرة أجزم أن قرار مجلس الوزراء قد أخذها بعين الاعتبار حين أصدر القرار وتحتاج كذلك إلى تضافر جهود الجميع للوصول للأهداف المرجوة من إنشاء تلك الهيئة. وهنا استقراء لبعض من تلك المقومات المهمة عند الحديث عن تطبيق آليات لمحاربة الفساد وكذلك لمحات مختصرة عن أبعاد الفساد.

إن الوصول إلى الأهداف المنشودة من هذه الهيئة يكمن في تحديد معايير دقيقة وعلمية، ووضع أنظمة قانونية ومالية فاعلة ومترابطة من أجل المراقبة والمحاسبة والتحقق من الممارسات التي تؤدي إلى الفساد بطرقها المباشرة وغير المباشرة، وقد يأتي هذا من خلال توافر قواعد لمعومات معينة من خلال تعاون جميع الدوائر الحكومية، إضافة إلى مشاركة جميع الهيئات غير الحكومية في جمع التفاصيل ذات العلاقة. كذلك فإن التنسيق مع الأجهزة الحالية المتخصصة بالرقابة والتفتيش ومن ذلك ديوان المراقبة العامة وهيئة الرقابة والتحقيق، ومنحها مساحة كافية تساعدها في ممارسة دورها على أتم وجه. هذا التنسيق إذا ما توافرت له قدرات وكوادر مؤهلة، فإنه سيفتح مجالا أكبر لمراقبة دقة وشفافية تطبيق السياسات المتعلقة بالفساد.

إن تضمن قرار الهيئة السماح بالتحقيق في فساد المسؤولين أيا كانت مواقعهم وعرض المتعاملين بالفساد على لجنة قضائية لمساءلتهم وتبين جميع الثغرات القانونية التي تمارس من خلالها عمليات الفساد، وهذه النقطة بالتحديد تمثل تحديا كبير لثبات الهيئة واستمرار عملها. ولتأكيد هذا التوجه فإن إطلاق تشريعات جديدة تسمح بمراقبة ومحاسبة السلطات التنفيذية دون أي استثناء وتعمل على تحديد حدود وصلاحيات السلطات التنفيذية، يعتبر فصلا آخر من التحدي.

من المسلمات، إن مكافحة الفساد ذات كلفة عالية من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، ولكن تكلفة استمرار الفساد هي أكبر بكثير من تكلفة مكافحته على المدى الطويل، ولذلك فإن استئصال الفساد يتطلب تطويرا في السلطات التشريعية والقانونية لمواكبة هذا التوجه ويشمل ذلك العمل على استصدار قوانين رادعة للفساد والعمل على توفير بيئة اقتصادية وسياسية نظيفة.

إن أهم الآثار الاقتصادية المباشرة للفساد والاستغلال السلبي للسلطة هو إحداث خلل في توزيع الدخل بين فئات المجتمع بآليات غير شرعية خارج دائرة الآليات النظامية للتوزيع وذلك إن الأموال التي تهدر نتيجة الفساد تكون غالبا على حساب فئات أخرى من المجتمع، فتكون النتيجة التوزيع غير العادل للدخل وزيادة وترسيخ مبدأ عدم العدالة الاقتصادية في الدخل بين أفراد المجتمع، لتنتج أجيال من الشرفاء الفقراء والفاسدين الأغنياء. وأهم الآثار السلبية من وجهة نظري تكمن في أن تحويل الأموال الناتجة عن الفساد إلى عمليات غسيل الأموال بجميع أنواعها وجميع آثارها السلبية فلا تدخل في الدورة الاقتصادية والإنتاج وبذلك فإن الاقتصاد قد يخسر جزء من سيولته بسبب خروجها من العمل الاقتصادي النظامي. وعلى المنظور الاستثماري فإن الفساد يزيد من تكلفة الاستثمارات وبالتالي يقلل من كفاءة رأس المال كما يقلل من التنوع الإنتاجي ويقلل كذلك من الاستفادة من الفرص الاستثمارية ذات القيمة المضافة.

إن الفساد الإداري يعد سرطانا ينهش في جسد الأمم المختلفة، ويتسبب في هروب العقول وهجرة المبدعين وانعدام فرص التطور والإبداع فلا يستفيد الوطن من النابغين بسبب عدم توازن فرص النجاح والمحسوبية وغيرها من مظاهر الفساد. لذلك فإن تزامن الإصلاح الإداري الذي تنتهجه حكومة خادم الحرمين الشريفين مع إصلاح القطاع العام من ناحية تطوير آليات موازنات حقيقية وتشديد المحاسبة والرقابة على الأداء الوظيفي وإيجاد أرضية خصبة من العدالة في شغل الوظائف، سيساعد على الاستفادة من أبناء الوطن المميزين فيما يخدم الوطن.

اليوم ونحن نعيش أبهى حللنا الاقتصادية فإن الحاجة إلى تطبيق إجراءات رادعة لظاهرة الفساد أصبحت حاجة ملحة، لأن انتشار الظاهرة قد يوجد طبقية كبيرة في المجتمع ما يؤدي إلى هدر الموارد وبالتالي ضعف النمو الاقتصادي ويمكن أن يقود إلى خلل كبير في النظام العام. وفي النهاية قد يؤثر في النمو المتوازن لهذا البلد الذي يملك الكثير من المميزات لتجعله في مصاف الدول المؤثرة في الاقتصاد العالمي ليس بنفطها فقط بل بقدرتها التنافسية ومميزاتها النسبية ومواردها الطبيعية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي