رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


هل بدأت عملية بعث أنفاس الحياة في أصولنا العقارية؟

[email protected]

عندما ذهبت للدراسة في لندن ذهبت مباشرة إلى أحد بنوك الرهن العقاري واشتريت شقة بضمان دخلي الشهري بما يعادل قيمة الإيجار تقريبا، ورهن البنك الوثيقة، بينما استأجر زملائي السكن الملائم، وبعد أن أنهينا الدراسة بعد نحو خمس سنوات سلم زملائي شققهم للمالك الذي طالبهم بإعادة العين العقارية، كما كانت عندما تسلموها، بينما قمت ببيع شقتي التي زاد سعرها بأكثر من 50 في المائة أثناء فترة دراستي، فرسملت كل الإيجارات التي دفعتها، حيث حصلت على كل ما دفعته من مال وفوقه ربح معقول، وعندما رجعت إلى المملكة كان معي رأس المال الذي أسهم في تمكيني من شراء مسكن العمر كما هو في ثقافتنا الإسكانية.
ومنذ ذلك اليوم وأنا أتمنى ظهور بنوك الرهن العقاري في بلادنا لتمكين المواطن من شراء المسكن الملائم في الوقت المناسب بضمان دخله الشهري بما يمكنه من توفير المال بطريقة استثمارية عبر هذا النظام الذي يتيح للمواطن المسكن الملائم كما يتيح له إمكانية رسملة المال الذي دفعه بأرباح وكأنه في مرحلتي ادخار واستثمار متداخلتين في بعضهما البعض، ولكنني فهمت بعد ذلك أن تطبيق نظام رهن عقاري سليم وفاعل يستدعي وجود شركات تطوير إسكاني كبرى قادرة على إنتاج وحدات سكنية عالية الجودة متعاظمة القيمة في أحياء سكنية مطورة تطويرا حضريا شاملا، وأن هذه الشركات لا يمكن أن تتكاثر وتنمو وتزدهر دون وجود آليات تمويل فاعلة تمكنها من الحصول على التمويل الضخم اللازم لتطوير تلك المشاريع، إضافة إلى وجود آليات تمويل ترفع القوة الشرائية للمواطن حيث يستطيع أن يشتري المسكن الملائم بضمان دخله فقط.
وأدركت فيما أدركت وأنا أبحث في هذه القضية أن نظام الرهن العقاري لن يطبق في المملكة إلا بوجود شركات عقارية ذات فكر استثماري متطور تستطيع أن تشارك القطاع الحكومي في التصدي لمعالجة القضية الإسكانية في اقتراح الحلول وتطبيق النماذج الناجحة فنيا وماليا وتسويقيا، لكي يقتنع القائمون على الجهات الحكومية المنظمة في الجوانب الفنية والمالية بقدرة القطاع الخاص على تطبيق الأنظمة الجديدة، كما أدركت أن القطاع المالي سيصبح أكثر تحفزا لتمويل المشاريع والمشترين حال توسع السوق الإسكانية بوجود شركات قادرة على تطوير كميات كبيرة من الوحدات السكنية عالية الجودة متعاظمة القيمة التي تصلح لتكون ضمانا للتمويل.
وعندما أدركت كل ذلك تبددت أحلامي في إصدار وتطبيق نظام الرهن العقاري في بلادنا لمعرفتي بواقع الشركات العقارية وواقع الجهات المالية المنظمة، فالأولى تعمل بطرق تقليدية بما هو متاح من أنظمة، والثانية جهات متحفظة ترى أن الوسيلة المثلى للمحافظة على المال كنزه في الحسابات الادخارية بدلا من استثماره في مشاريع ذات مخاطر متنوعة.
وعندما ظهرت شركة دار الأركان تنادي بتحفيز العقاريين للاستثمار في تأسيس شركات التطوير الإسكاني لزيادة أعدادها بما يسهم في موازنة العرض والطلب على الوحدات السكنية، وتنادي بضرورة معالجة الشح في آليات التمويل العقاري عموما والإسكاني منه على وجه الخصوص، كما تنادي بأهمية استكمال منظومة التشريعات والأنظمة والإجراءات المتعلقة بالقطاع العقاري، وقدمت نماذج ناجحة في هذه المسارات الثلاث، أقول بعد ذلك أدركت أن نظام الرهن العقاري بات قاب قوسين أو أدني، وأن حلم المواطن في الحصول على المسكن الملائم في مقتبل العمر بقيمة ما يدفعه من إيجارات شهرية ذاهبة إلى غير رجعة بات أقرب للحقيقة.
ومع علمي بأهمية إدخال القطاع الإسكاني في النظام المالي، حيث يمكن تحويل الأصول بسهولة إلى رأسمال باستخدامها كضمانات، أي أن الأصول العقارية في بلادي والتي تقدر بتريليونات الريالات تصبح أصولا منتجة لرأس المال الذي يشكل القوة التي تزيد إنتاجية العمل وتخلق الثروة للأمم، أقول رغم علمي بذلك إلا أنني كنت أعتبر أن ذلك حلم بعيد المنال في ظل الروتين والبيروقراطية التي نعيشها وفي ظل الفكر الاقتصادي المسخ (خليط من الرأسمالية والاشتراكية والإسلام) الذي نعتمده في حياتنا الاقتصادية.
ولكن بعد أن نجحت "دار الأركان" في إقفال صكوك إسلامية بقيمة 2.25 مليار ريال طرحتها في أسواق عالمية دون شروط في فترة قياسية، وبعد أن علمت أن هذه الصكوك مدعومة بأصول عقارية تعززها سمعة الشركة كشركة محترفة قادرة على الوفاء بوعودها، وعلمت أن متانة الاقتصاد السعودي أسهمت في هذا النجاح، تأكد لي أن حلمي البعيد المنال أصبح حقيقة بين ليلة وضحاها بالنسبة لي طبعا، لأني لا أعلم كم أمضت الشركة من سنوات لتحقيق هذه النتيجة الباهرة، نعم تأكد لي أننا في المملكة أصبحنا قادرين على إنتاج رأس المال من الأصول العقارية التي تكتسب حياة غير مرئية موازية إلى جانب وجودها المادي كما يقول المفكر الاقتصادي المشهور هرناندو ديستو، وأن الأنفاس بدأت تبعث الحياة في أصولنا العقارية لتولد رأس المال القادر على إنعاش جميع القطاعات الاقتصادية إذا وضع في دورات مالية متتالية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي