رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الاستثمار السعودي تسلسل زمني لم يكتمل

[email protected]

عكف عالم أوروبي قبل 20 عاما على دراسة دور الاستثمار الأجنبي المباشر في دمج الاقتصاد المحلي في الاقتصاد العالمي من خلال دراسة الاستثمارات الأجنبية المباشرة لمجموعة من الاقتصادات الأوروبية.
بنيت الدراسة على فرضية رئيسية خلاصتها أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة هي الآلية الوحيدة التي بمقدورها دمج أي اقتصاد محلي في الاقتصاد العالمي. توصل العالم إلى نتيجة مفادها أن نمو الاستثمارات الأجنبية المباشرة داخل أي اقتصاد محلي تمر بخمس مراحل زمنية. تعكس كل مرحلة دور الاستثمارات الأجنبية المباشرة في نمو الاقتصاد المحلي، وكيفية تأثر وتأثير الاقتصاد المحلي بمنظومة الاقتصاد العالمي.
تسمى المرحلة الأولى مرحلة الانعزالية. تتميز هذه المرحلة بغياب الاستثمارات الأجنبية المباشرة داخل الاقتصاد المحلي. ويبقى الاقتصاد المحلي، وبسبب هذا الغياب منعزلا عن الاقتصاد العالمي، وليس بمقدوره التأثير أو التأثر به.
تسمى المرحلة الثانية مرحلة الاستيراد. تتميز هذه المرحلة بخروج الاقتصاد المحلي عن عزلته واندماجه في الاقتصاد العالمي. تبدأ الاستثمارات الأجنبية المباشرة في القدوم إلى الاقتصاد المحلي، والاستقرار في معظم قطاعات الإنتاج الاستراتيجية من خلال الاستثمار في شركات محلية قيادية قائمة أو إنشاء شركات جديدة.
تسمى المرحلة الثالثة مرحلة تطوير الشركات المحلية. تبدأ الشركات المحلية الحاضنة للاستثمارات الأجنبية المباشرة بجني ثمار الشراكة الأجنبية من خلال اكتسابها المقومات التي تؤهلها للانتقال من المحلية إلى العالمية. من أهم هذه المقومات التعرف على عوامل العرض والطلب في الأسواق العالمية، ومرونة انتقال الرساميل خارج حدود الاقتصاد المحلي.
تسمى المرحلة الرابعة مرحلة التصدير. تبدأ الشركات المحلية في التوسع خارج حدود الاقتصاد المحلي من خلال الاستثمار في شركات عالمية قائمة أو إنشاء شركات عالمية جديدة. ينعكس هذا التوجه بالإيجاب على درجة ارتباط الاقتصاد المحلي بالاقتصاد العالمي من خلال بداية التأثير في نمو واستدامة الاقتصاد العالمي. ينقل الاقتصاد المحلي في هذه المرحلة من مستقطب رئيس إلى مصدر رئيس للاستثمارات الأجنبية المباشرة.
تسمى المرحلة الخامسة مرحلة الاستدامة. تتميز هذه المرحلة بانتقال الملكية المعنوية، وأحيانا المالية، للشركات المحلية القيادية من الملكية العامة إلى الملكية الخاصة. بمعنى آخر، أن الشركات المحلية القيادية تبدأ باكتساب سمة العالمية التي تعتبر بمثابة جواز سفر عالمي. يسهم هذا التغيير في تبوؤ هذه الشركات مكانة اقتصادية مرموقة على خريطة العالم الاقتصادية من خلال أداء دور رئيس في توزيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة بين الاقتصاديات المحلية.
عديدة هي الفوائد التي نستنتجها من خلال مراجعة سجل الاستثمارات الأجنبية المباشرة في منظومة الاقتصاد السعودي من منظور مراحل النمو الخمس للاستثمارات الأجنبية المباشرة أعلاه. ولكن من الأهمية بمكان قبيل القراءة التنويه بأمرين مهمين.
الأمر الأول تباين حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة بين إحصاءات العديد من المنظمات الاقتصادية الدولية. على سبيل المثال، تباين الإحصاءات بين منظمة الأمم المتحدة والمنتدى الاقتصادي العالمي. لعل من أهم أسباب هذا التباين تباين منهجية حساب حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة بين منظمة وأخرى.
والأمر الثاني ازدواجية الاستثمارات الأجنبية عندما لا يكون هناك فيصل واضح بين المباشرة منها وغير المباشرة. على سبيل المثال، تعتبر شركة تركسيل التركية إحدى الشركات المتنافسة على رخصة الجوال الثالثة. وهذه الشركة في الأساس استثمار سعودي مباشر عبر شركة سعودي أوجيه في قطاع الاتصالات التركي. ولو حالف التوفيق شركة تركسيل في الفوز برخصة الجوال الثالثة فإن الشركة الجديدة لن تكون استثمارا تركيا مباشرا في قطاع الاتصالات السعودي فحسب، وإنما استثمار سعودي غير مباشر في قطاع الاتصالات السعودي.
لنعود إلى قراءة مراحل نمو الاستثمارات الأجنبية المباشرة في منظومة الاقتصاد السعودي. ستعتمد القراءة على "تقرير الاستثمار العالمي" الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "الأونكاد" في منتصف تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
من أهم ما أوضحه التقرير التشابه الزمني بين الاستثمارات الأجنبية المباشرة في منظومة الاقتصاد السعودي، من جهة، والاستثمارات السعودية المباشرة في منظومة الاقتصاد العالمي، من جهة أخرى. بمعنى آخر، أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة لم تكمل دورتها الاقتصادية الطبيعية في منظومة الاقتصاد السعودي بما يتيح الاستفادة القصوى من هذه الاستثمارات في تحقيق التنمية المستدامة على الصعيد العالمي.
حيث تبوأت هذه الاستثمارات مكانة متقدمة خلال بداية التسعينيات الميلادية من الألفية الماضية. ثم دخلت في مرحلة تواضع مستمر بعد ذلك التاريخ وحتى بداية العقد الحالي. عقب ذلك نمو مستديم وحتى اليوم.
يقودنا هذا التشابه الزمني بين أداء الاستثمارات الأجنبية المباشرة في منظومة الاقتصاد السعودي إلى خلاصة مفادها أن الرؤية حول دور الاستثمارات الأجنبية المباشرة تحتاج إلى ترسيخ أكثر فاعلية عما هي عليه الآن بما يمكنها من تحديد الهدف من هذه الاستثمارات، ووضع منظومة الاقتصاد السعودي ضمن الاقتصاديات الرئيسة في منظومة الاقتصاد العالمي.
مع القراء:
مع الشكر والتقدير للقراء على تواصلهم، ورد استفسار حول أدبيات حديثة مهتمة بالسوق المالية السعودية. أعتقد أن توصيات اللقاء السنوي الخامس عشر لجمعية الاقتصاد السعودية: السوق المالية السعودية الواقع والمأمول، وما أعقبتها من أوراق عمل (http://www.sea.org.sa) هي جديرة بالقراءة كمحطة أولية نحو نشر الثقافة والمعرفة حول السوق المالية السعودية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي