اجتماع الخميس
الاجتماع الدوري لمنظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" الذي تستضيفه العاصمة النمساوية فيينا الخميس المقبل، يتوقع له أن يكون عاديا لجهة أنه ليس واردا أن يشهد تجاذبات كبيرة أو قضايا ساخنة يتم التعاطي معها إعلاميا حتى قبل وصول الوزراء إلى فيينا. وتظهر طبيعة الاجتماع عند مقارنته باجتماع أبوجا في كانون الثاني (ديسمبر) الماضي، فقد تمت استضافته خارج مقر المنظمة ومن قبل دولة عضو هي نيجيريا.
القضية التي كانت مطروحة وقتها تمثلت في مدى الالتزام من قبل الدول الأعضاء بقرارات الدوحة القاضية بخفض مليون ونصف المليون برميل يوميا، وإذا كان ينبغي على لقاء أبوجا أن يقوم بخفض إضافي، وهو ما حدث فعلا بإضافة نصف مليون برميل يوميا من الأول من شباط (فبراير) الماضي، وكأن الهدف إرسال رسالة تم استلامها بوضوح من قبل السوق، بدليل التحركات السعرية الأخيرة التي تلخصت في تماسك ودفع السعر إلى أعلى.
على أن المشهد يبدو مختلفا جدا هذه المرة، فالسوق تعيش حالة من التوجه إلى أعلى سعريا. ورغم أن كمية الخفض المتفق عليها لم يتم تنفيذها كلها، إلا أن الأسعار تجاوزت الحاجز النفسي واخترقت حاجز 62 (اثنين وستين) دولارا للبرميل، وبالتالي لم يعد واردا - على الأقل في الوقت الراهن - الحديث عن كيفية تحقيق قدر أكبر من الالتزام بقرارات خفض الإنتاج، بل إن بعض مراكز الأبحاث حملت لواء الدعوة للدول الأعضاء أن تعود إلى سياسة زيادة الإنتاج ورفع حجم إمداداتها للسوق لإحداث التوازن المطلوب.
الحالة التي تعيشها السوق خففت من حجم الضغوط الواقعة بهدف القيام بخطوات فيما يتعلق بحجم الإنتاج ومن ثم دعم المعدل السعري، ويعود ذلك بصورة رئيسية إلى تحسن وضع الالتزام بحجم الخفض المعلن من ناحية واستمرار النمو في الطلب من ناحية أخرى، وبروز عدم قدرة الإمدادات من خارج أوبك على تلبية كل النمو المتوقع في الطلب على النفط، الأمر الذي يعيد إلى المنظمة وضعيتها كملجأ أخير للسوق تعتمد عليه.
ويعني هذا في واقع الأمر أن السوق تعيش حالة من التوازن بين العرض والطلب وبين دور "أوبك" والمنتجين خارجها وقدرة الاقتصاد العالمي والمستهلكين تحديدا على التواؤم مع هذا المعدل السعري، الذي يبدو بالحساب البسيط معدلا مرتفعا.
أهم ما ينجم عن حالة التوازن هذه تقليل حالة الضغوط والدفع باتجاه قرارات تتعلق بالإنتاج والأسعار، وفوق هذا توفير هامش يمكن التحرك على هديه من أجل النظر في قضايا طويلة الأمد، وهو ما يتوافر عادة في إطار مناخات المواجهات والأزمات الناجمة عن ضعف في الإمدادات أو حدوث تراجع سعري يسهم عن قصد أو غيره في إيجاد حالة من الذعر على جانبي المنتجين أو المستهلكين تدفع باتجاه قرارات وقتية يمكن أن تكون لها انعكاساتها السلبية مستقبلا.
بعض التحليلات بدأت تشير إلى أن أوبك بدأت تستعيد موقعها في قيادة سوق النفط، التي بدأت في التحول بالتالي إلى سوق بائعين، بعد أن ظلت لفترة طويلة سوق مشترين.
وبغض النظر عن صوابية هذا الرأي، إلا أنه من الواضح أن هناك حاجة ماسة إلى انتهاز حالة التوازن والبعد عن ضغوط الأزمات الآنية لرسم خريطة طريق يمكن السير على هديها في عدة اتجاهات، منها ما يتعلق بجوانب حيوية مثل كيفية التوصل إلى تفاهم مع كبار المستهلكين على حجم الطلب المتوقع، ومن ثم الاستمرار في برامج توسعة الطاقة الإنتاجية الجارية في العديد من الدول الأعضاء، ويقدر لها أن تكلف نحو 250 مليار دولار خلال فترة 15 عاما المقبلة، هذا إلى جانب قضايا أخرى على رأسها موضوع التغير المناخي، الذي أصبح قضية مثارة على نطاق العالم، بعد التغييرات الأخيرة في الطقس التي نقلت الاهتمام بهذا الموضوع من الدوائر الأكاديمية والعلمية لتصبح قضية رأي عام تلقي بظلالها على الحركة السياسية والاقتصادية، وهو ما يظهر من حجم الاهتمام الشعبي بها خاصة في الدول الغربية.
و"أوبك" تحتاج إلى التعامل مع هذه القضية من باب أنها طرف فيها حتى دون رغبتها، فالنفط يظل متهما أنه من أكبر عناصر تلويث البيئة، لكن هذا النفط يمثل إلى حد كبير ولعدد لا يستهان به من المنتجين مصدر الدخل الرئيسي وأحيانا الوحيد القادر على توفير الموارد المالية اللازمة التي يمكن عبرها الإنفاق على تسيير شؤون الدولة، ولهذا فلها نظرتها التي تحتاج إلى توضيحها في المقام الأول إلى جانب المشاركة في الجهد الدولي المبذول للوصول إلى نتائج فيما يخص قضية التغير المناخي. فآثارها لن تقتصر على دولة هنا أو هناك، وإنما تمتد إلى العالم أجمع وهو ما يتطلب ضرورة وجود جهد عالمي تشارك فيه "أوبك"، ويعني هذا من الناحية الأخرى العودة إلى طاولة الاستراتيجية البعيدة الأمد التي اعتمدتها المنظمة قبل 18 شهرا ولم يتم تناولها من خلال خطوات محددة لتنزيلها إلى أرض الواقع. وربما تمثل حالة التوازن التي تعيشها السوق في الوقت الحالي فرصة طيبة للتعامل معها.