الطحن الإعلامي للحلاوة كان دون مواصفات أو مقاييس (1 من 2)
لا يعرف كثير من الناس مهام كثير من الجهات الحكومية واختصاصاتها لأهمية التواصل والتعاون معها لتحقيق المصلحة العامة, وقد سبق أن تم التنويه مرارا وفي محافل عدة على أن تبادر الجهات نفسها بتعريف المجتمع بوظائفها واختصاصاتها مستخدمة لجميع الوسائل الإعلامية ومفعلة موقعا لها على الإنترنت تنشر فيه بجانب عرض هياكلها ومهامها الوظيفية, ما تقوم بتعميمه أو إقراره، إضافة إلى ذلك نشر أخبارها والإعلان عن مناسباتها واستثمار الموقع بالطريقة التي تعود عليها بالمنفعة من ناحية إدارية ومالية واجتماعية وإعلامية. في هذا الصدد قامت الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس بذلك على مر العقود الثلاثة الماضية ولكن لم تكن مؤثرة حقا, إلا أنها في نهاية كانون الثاني (يناير) من هذا العام 2007م دعت الهيئة نخبة كريمة من رجالات الصحافة والإعلام وأصحاب الرأي ليطلعوا بأنفسهم على أعمالها وإنجازاتها ومساهماتها في نهضة الحركة التجارية والصناعية ووضع الأسس السليمة في ماهية السلع المفترض استخدامها وبأي مواصفات متوخية في ذلك توعية المواطن وحمايته من استخدام ما لا يفيده أو يضره. لقد خصصت الهيئة يوما بأكمله لهذا الغرض ليقف الإعلام على عمل ظل مقصورا على رجال سعوا في صمت لتحسين جودة المنتجات من خلال وضع أفضل المقاييس والمواصفات. ولكن في أول اختبار للهيئة والإعلام حيدت بعض وسائله وبالذات المقروءة وضع الهيئة وعاد المستهلك والقارئ لنقطة الصفر لا يعرف مسؤولية من هذه؟ ولا ماهية دور الجهات التي جاء ذكرها في الأخبار والكتابات المختلفة؟. لست بصدد إثارة موضوع "الحلاوة الطحينية" بقدر ما هو تأثير القضية في المجتمع وهو في مرحلة تنمية معلوماتية وفكرية إضافة إلى التنمية الاقتصادية.
في الواقع استحوذت الصحافة اليومية, لجرأة الطرح وكثافة الأقلام التي تناولت الموضوع, بتفاعل الجمهور مع الأخبار والمواضيع المنشورة منذ عدة شهور إلى الآن, فقد تم محاورة القضية لتتسع الرقعة وتعلم جميع فئات المجتمع أن شيئا جللا يحصل ولا بد من حل عاجل لحمايته من تجهيله فيما يتناوله من غذاء. أقول هذا وقد نال الكثير من هيئة المواصفات والمقاييس وهي ليست بجهة تنفيذية لتتابع تنفيذ توصياتها وقراراتها وتطبق اللوائح فيمن تجاوز أو خالف. أقول هذا وقد انعكس علم خبراء التغذية على تفاعل الجمهور الذي بدا أنه تشتت ذهنيا بعد أن كان للصياغة وطريقة عرض الرأي وتوقيت العرض سبب في ذلك. أما المتفاعلون أو الكتاب من غير المختصين أو المفكرين, فرسموا هالة للقضية جعلت الرأي العام يرفض أي شيء قبل إيقاع الجزاء على المتسببين أفرادا كانوا أم مؤسسات. هذه التجربة تكاد تكون فريدة من نوعها بعد الانفتاح الإعلامي والصحافي في مناقشة قضايانا اليومية. قد تكون صحية 100 في المائة ولكن لم تثمر للأسف عن حل ولا 10 في المائة, مما يعني أن الخلل سيتكرر في قضية أخرى وبصورة قد تكون أكثر تشتيتا. وأخشى ما أخشاه سقوط المواطن في زعزعة ثقته بالجهات الخدمية وأسلوب أدائها للعمل وهي في طريقها للتعديل والإصلاح والإصحاح, في حين أنه صدر في هذه القضية منذ مدد طويلة قرارات عربية وخليجية ومحلية, كما أن قطر تقدمت دول الخليج في وضع اشتراطات إضافة المادة نقطة الخلاف وكان من الأولى توحيد القرارات والجهود لتنفيذها, وجعل الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس المرجع إلى أن يتم تنسيق الجهات المعنية لتحديد المسؤوليات وتنظيم العمل حسبما استجد وتطور. أقول هذا لأن نظَام الهيئة العربية السعودية للمواصفات والمقاييس صدر في 3/3/1392هـ, ونشر في جريدة "أم القرى" في الشهر نفسه, وجاء في مادته الثانية أنها تختص دون غيرها بـ: (أ) وضع واعتماد نصوص المواصفات القياسية الوطنية المتعلقة بالقياس والمعايرة والرموز وتعاريف المنتجات والسلع وأساليب أخذ العينات وغير ذلك. (ب) نشر هذه المواصفات بالطرق التي تراها، ولا تعتبر نافذة المفعول إلا بعد نشرها بالجريدة الرسمية. أما في المادة الخامسة فجاءت عبارة "يكون تطبيق المواصفات إلزامياً". وفي المادة السادسة جاء "أن يكون على الوزارات والدوائر المستقلة والمؤسسات الحكومية التقيد بالمواصفات القياسية الوطنية الإلزامية في مشترياتها وجميع أعمالها. ولأن لديها مختبرات الأغذية على مستوى عال من التخصصية الذي يمكنها من فحص الغذاء كيميائياً وميكروبيولوجيا فإن الغائب هنا هو هيئة الغذاء والدواء الوحيدة القادرة على التدخل لأنها مهمتها الأساسية. ولكن لتأخر تشكيل هيئة الغذاء والدواء وما يتبع ذلك من متطلبات فالهيئة حاليا هي المرجع في القضية. من ناحية أخرى, نشرت في بعض الصحف مقالات تركت للمتخصص سرد رأيه بكل تجرد من دون أي إضافة أو تطريز جعلتها مصادر معلومات كنا نتمنى أن تتصدر صحفنا لأهمية إطلاع المواطن بطريقة علمية وبشفافية عالية على ماهية المصطلحات التي نتحدث عنها وما له وما عليه فيها من ناحية الاستهلاك اليومي والفائدة العائدة علينا من استعمالها أو تناولها في المنتجات الغذائية.
لذلك حري بنا الإشادة بجهود الهيئة أولا فهم من قاموا بدورهم واجتهدوا لتحقيق ما أوكل لهم بأمانة وبكل تواضع وعدم رغبة في سطوع إعلامي, ولنحاول وضع حلول نطوي بها هذه الصفحة وتكون دليلا لمعالجة قضايا مقبلة أهم, وللحديث تتمة إن شاء الله.