لماذا نأمل في تخصيص 10 % فقط من "أرامكو السعودية"؟
"أرامكو السعودية" هي الشريان الذي نتنفس منه منذ عام 1933م، وبعد مرور أكثر من 70 سنة لا تزال تلك الشركة هي القناة الوحيدة الحقيقة التي "نعتاش" منها، ونحقق طموحاتنا وتطلعاتنا الوطنية. وهو أمر لا أحد يستطيع المجادلة فيه. وقد سبق أن ناقشنا في لمسات سابقة عملية تخصيص شركة أرامكو، والدور الذي يمكن أن تلعبه في تطوير القطاع الاقتصادي في المملكة لو تم تخصيص 10 في المائة فقط من هذه الشركة العملاقة، والتي تعتبر أكبر شركة نفط في العالم تملكها دولة. و"أرامكو السعودية" كشركة هي بحد ذاتها مدرسة وثقافة وإدارة واقتصاد مستقل ولها تاريخ طويل من العطاء ومن التطوير ومن التراكمات المعرفية التي تتخطى كل ما مر بالمملكة من تطوير منذ تاريخ تأسيس المملكة على يد مؤسسها الملك عبد العزيز - رحمه الله.
والحديث هنا ينطلق من خلال نظرة استراتيجية عامة حول أهداف التخصيص، ولماذا نأمل أن يخصص جزء من "أرامكو السعودية"؟ وهي عملية تتعدى الجانب الاقتصادي البحت رغم أهميته إلى الجوانب السياسية الدولية وكذلك الاجتماعية المحلية. هذا ونحن في الوقت ذاته في أمس الحاجة إلى العديد من المبادرات على المستويين المحلى والدولي، والتي يجب أن تهدف إلى تحقيق حلول قصيرة وطويلة الأجل للمملكة سواء فيما يخص دورها العالمي والإقليمي، وكذلك دورها المحلي كقائد للتنمية المستدامة على المستوى الكلي والجزئي للمجتمع السعودي، والذي تأثر سلبيا بشكل مباشر من أزمة سوق الأسهم الأخيرة والتي تعتبر الأولى من ناحية حجم التأثير المجتمعي حيث لم ينج منها أحد، حيث خلقت حالة من الإحباط وعدم اليقين لدى شريحة كبيرة مجتمعياً قد نحتاج إلى وقت ليس بالقصير لإعادة الثقة مرة أخرى إلى تلك الشريحة. ومع الأسف لا تزال ردة الفعل عاطفية أكثر منها منهجية لمعالجة مشكلة حقيقية لا تزال لها تبعات واضحة على المجتمع والاقتصاد.
الأهداف الاقتصادية التي يمكن أن نجنيها من تخصيص أرامكو السعودية متعددة، فسوق المال، كما يبدو سيندفع من جديد إلى أعلى ونحن الآن نشهد تضخما في قيم العديد من الأسهم، وبالذات في أسعار الأسهم القيادية ما دام سوق الأسهم القناة الوحيدة للأفراد، وسيظل كذلك في المدى المنظور، وبالتالي سيشكل ضغطا على صناع السياسة الاقتصادية كما شاهدنا في السابق، وعلى افتراض أننا قررنا تخصيص 10 في المائة من الشركة، وإذا ما احتسبنا علاوة إصدار 100 ريال فقط عن قيمة الشركة، والتي هي بالتأكيد أعلى من ذلك بكثير, هذا يعني سحب نحو 110 مليارات ريال من السوق. وهو الأمر الذي يحتاج إليه السوق قبل أن تضخم السيولة سوق الأسهم مرة أخرى، بدلا من تأسيس شركات تحتاج إلى سنوات حتى يمكن التأكد من جدواها أو إمكانية تحقيق عوائد لملاكها كشركة إعمار.
الهدف الثاني هو المشاركة الشعبية في المملكة في أكبر وأهم شركة عالمية وبالتالي الاستفادة من توزيعات أرباحها السنوية على كافة شرائح المجتمع، وبالذات شرائح محدودي الدخل, مما يعني تعميم الفائدة والخير مباشرة، رغم وجود هذا الخير بشكل غير مباشر من خلال ضخ الدولة إيرادات الشركة في الاقتصاد عبر الصرف على النفقات وعلى المشاريع الرأسمالية. ولكن المواطن قد لا يشعر بذلك بشكل مباشر. إن وجود هذا الشعور المباشر بالاستفادة من شركة أرامكو السعودية سوف يساعد على زيادة الولاء والإحساس بخير هذه البلاد عليه والدور الذي تلعبه في حياته وحياة أسرته. ولا تخفى أهمية هذا الشعور في هذه المرحلة لدى صانع القرار السياسي في المملكة وهو الهدف الذي سيفضي إلى تحقيق أهداف سياسية واجتماعية مهمة وبعيدة النظر. هذا إضافة إلى تعميق السوق المحلي من خلال طرح شركة بحجم وأهمية "أرامكو السعودية" على مستوى العالم وليس السوق المحلي.
أما الأهداف السياسية من وراء التخصيص، فإن ما جرى منذ حرب الخليج الأولي (إيران والعراق) وحتى اليوم في منطقة الخليج كان بسبب الثروة النفطية الموجودة في المنطقة، بل إنه كان نتيجة لما حدث منذ عام 1973م عندما وجد الغرب نفسه مهددا بسبب استخدام النفط كسلاح في الحرب العربية الإسرائيلية. وهو الأمر الذي تؤكده الكتابات الأمريكية في هذا الخصوص منذ ذلك التاريخ. ومقولة هنري كيسنجر الشهيرة في سبعينيات القرن الماضي أكبر دليل على ما يحدث منذ ذلك التاريخ للمنطقة الخليجية، وهي بتصرف "سنجعلهم يشربون نفطهم". بل إن أحد الطلاب السعوديين الذين درسوا في أمريكا في أواخر سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي، أكد ذلك من خلال طلب أحد أساتذة المواد التي درسها، القيام بدراسة افتراضية عن التأثيرات التي قد يحدثها غزو أمريكا للعراق لو تم. لاحظوا أن ذلك في أواخر سبعينيات القرن الماضي. وقد تم الغزو في عام 2003م. فالعراق لدية ما يربو على 100 مليار برميل نفط احتياطي حسب بعض المصادر. وهذا في حد ذاته يشرح طبيعة التفكير الأمريكي فيما يتعلق بالنفط وأهميته الاستراتيجية لها في مواجهة القوى الصاعدة في أوروبا والصين والهند وروسيا الجديدة. أضف إلى ذلك غزو أفغانستان، الذي يمثل حلقة الوصل بين شرق وغرب آسيا، ونظرة أمريكا إلى الصين والهند تحديدا، وهما الدولتان اللتان تمثلان تهديدا استراتيجيا لأمريكا ومصالحها في القرن الحالي، كما أنها في موقع قريب واستراتيجي لبحر قزوين، الذي تتجاوز الاستثمارات الأمريكية البريطانية فيه حتى الآن 30 مليار دولار من خلال التحالفات بين شركات النفط لاستخراج المخزونات التي يحويها هذا البحر. أيضا وفي محاضرة حضرتها في معهد أي أم دي IMD في أواخر عام 2006م تحت عنوان "العالم بعد عشرين سنة"، تحدث المحاضر بشكل واضح عن الدور الصيني الهندي في الاقتصاد العالمي المتعاظم، وأن جل المنتجات العالمية القادمة (الماركات التجارية) ستكون من هذين البلدين وسوف تتراجع الماركات العالمية الحالية. وهذا ما تستشعره أمريكا منذ زمن وتتحدث عنه الأوساط الأكاديمية ومراكز الأبحاث والمقالات الصحفية.
وعليه فإن المشاركة الشعبية في المملكة في شركة نفط عالمية مثل "أرامكو السعودية"، حيث كل الأعين عليها، وكل التشريعات الدولية التي تصب في مصلحة الدولة صاحبة القيادة، والتي تعمل بكل تأكيد لمصالحها ومصالح شركاتها العابرة للقارات. أقول تصبح المشاركة الشعبية حاميا وحصنا أمام ضغط "المجتمع الدولي"، الذي يمثل مصالح أمريكا والغرب. وعليه عندما يكون الشعب هو المالك يصبح من الصعب على الغرب حامل لولاء حقوق الإنسان المحاججة والضغط في سبيل المشاركة في إدارة شركات النفط كما هي الحال الآن.
ويكفي أن نعلم حجم الضغوطات التي تمارس على حكومات دول أمريكا اللاتينية ذات النزعة القومية التي اتجهت كردة فعل على ما فعلته الشركات الغربية بقطاع النفط في تلك الدول إلى التأميم، وهو أسلوب خاطئ لحالة أيضا لا يرضاها الشعب من ذهاب خيراتها إلى جيوب الشركات الغربية. فهل يكفي ذلك لننهج نهجاً وسطا، مع العلم أن تخصيص 10 في المائة من الشركة لن يؤثر في سيطرة الدولة على توجهات الشركة وإدارتها، ولن يؤثر أيضا على إيرادات الحكومة والتي ستساعدها في إكمال بناء بلد حضاري وقوي. كما أنها ستساعد على انتهاج الشفافية الكاملة اللازمة لمواكبة المتطلبات الدولية والتي شئنا أم أبينا نحن جزء منها ولابد من المحافظة على مصالحنا من خلال تلك النظم الدولية.