الاستراتيجية الصناعية السعودية .. بداية موفقة
اللقاء الذي نظمته جريدة "الاقتصادية" بين كتابها ووكيل وزارة التجارة والصناعة لشؤون الصناعة الدكتور خالد السليمان بحضور عدد من الصناعيين حول مشروع الاستراتيجية الصناعية التي تقوم الوزارة حاليا بإعدادها تمهيدا لرفعها للجهات العليا في الدولة، والتي تغطي الفترة من الآن وحتى 2020، يمثل نقلة نوعية في تعامل الأجهزة التنفيذية مع خططها ومشروعاتها الاستراتيجية وتفكير بصوت عال مسموع يمكنها من استطلاع وجهات نظر أخرى خارج مطبخها التنفيذي. واستعراض الأفكار بشكل مبدئي في دوائر متخصصة يمكن اعتباره بالون اختبار يقيس مدى مناسبة تلك الأفكار وقابليتها للتطبيق بشكل فاعل، ويتيح فرصة للحصول على تقييم محايد يسهم في تطوير تلك الرؤى وتدارك أخطاء قد لا يتم اكتشافها دون ذلك إلا في وقت متأخر جدا.
التدني الشديد في مساهمة القطاع الصناعي في ناتجنا المحلي الإجمالي التي لم تتجاوز نسبة 10 في المائة، وترتيبنا المتأخر في المؤشر الدولي للتنافسية الصناعية الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، حيث جئنا في المرتبة 53 بين 89 دولة، وحصولنا على ترتيب 82 في مؤشر نصيب قطاع الصناعة من إجمالي الصادرات، وترتيب 60 وفق مؤشر نصيب الصناعات المتوسطة والعالية التقنية من إجمالي الصادرات الصناعية، كلها تؤكد أن هناك فرصة مواتية لإحداث تطوير هائل في هذا القطاع وكل ما نحتاج إليه هو تبني السياسات الصناعية المناسبة. وأن هذا القطاع يمكن أن يوفر مجالا واسعا لمعالجة مشكلة تدني معدلات النمو الاقتصادي خلال السنوات الثلاث الماضية الذي لم يعكس بأي مستوى مقبول التحسن الهائل في أوضاعنا المالية، حيث لم يتجاوز معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال هذه الفترة 6.5 في المائة، بل حتى تراجع في عام 2006 إلى 4.2 في المائة فقط. ما يؤكد الحاجة إلى مراجعة عاجلة لاستراتيجياتنا الاقتصادية، والصناعية بشكل خاص، لتحديد مكامن الخلل، ما يسرع في معدلات النمو الاقتصادي ويسهم في تعظيم مكاسب الطفرة التي نمر بها.
وإن كانت استراتيجيتنا الصناعية في السبعينيات قامت على أساس اضطلاع الدولة وحدها بمسؤولية التخطيط والتمويل والتنفيذ بشكل كامل للمشاريع الصناعية العملاقة المتمثلة في إنشاء مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين ومشروعات شركة سابك، باعتبار أن القطاع الخاص لم يكن في ذلك الوقت يملك القدرة المالية التي تجعله قادرا على تبني مثل هذه المشاريع الجبارة المكلفة، فإن وفرة الموارد المالية المتاحة للقطاع الخاص حاليا وتطوره الكبير يجعلان مهمة الدولة في تحفيز نمو القطاع الصناعي أسهل بكثير الآن. فمهمة الدولة يمكن أن تقتصر على دراسة مشاريع استراتيجية عملاقة تقدمها جاهزة للقطاع الخاص ليتولى عمليات تمويلها وتنفيذها سواء بشكل كامل أو بمشاركة الدولة عند الحاجة لذلك، ما يوفر فرص توظيف مناسبة لمدخراتنا الوطنية تحد من هجرتها وتعزز مستويات نمونا الاقتصادي بشكل كبير.
ما تم استعراضه من ملامح هذه الاستراتيجية أظهر أنها تشتمل على العديد من الأهداف الطموحة دون تحديد وسائل واضحة لتحقيقها، وما لم تكن الاستراتيجية أكثر دقة وتحديدا فإنه يخشى أن تكون أقرب إلى أن تكون نصا إنشائيا جميلا من كونها خريطة طريق تهدف لإحداث نقلة نوعية في قطاعنا الصناعي. فعبارات مثل تحقيق استثمار الموارد الوطنية، وتطوير صناعة وطنية ذات جودة مواصفات عالمية، وتنويع الاقتصاد، أهداف طموحة رددت من قبل, إلا أنه لم يتم وضع الآليات الموصلة إليها فبقيت حلما لم يحقق. أيضا أظهر الاستعراض أن هدف الاستراتيجية رفع مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2020 إلى 20 في المائة مقارنة بالنسبة الحالية البالغة نحو 10 في المائة، والتذبذبات الحادة في القطاع النفطي تعني أن المساهمة النسبية للقطاعات الأخرى في ناتجنا المحلي الإجمالي تتذبذب بحدة تبعا لذلك، ما يجعل مثل هذا الهدف غير ثابت يصعب قياسه. لذا فالهدف الاستراتيجي يجب أن يكون مرتبطا فقط بأداء القطاع الصناعي نفسه، وغير متأثر بالأداء النسبي للقطاعات الأخرى في ناتجنا المحلي، كأن يكون الهدف تحقيق نسبة نمو محددة في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للقطاع الصناعي خلال فترة الاستراتيجية، 200 في المائة على سبيل المثال، فمثل هذا الهدف ثابت يمكن قياس نجاح الاستراتيجية في تحقيقه بدقة.