هيئة للإسكان والعقار! بينما الإسكان من المريخ والعقار من زحل
لا أعتقد أننا بوعينا الحالي لا نعرف الفرق بين مشكلات الإسكان كسياسات للدول تمس حياة كل مواطن وتساعد على الاستقرار الاجتماعي والسياسي وأثرها في التنمية الحضرية والاقتصادية للدولة. بينما أهمية العقار لا تقارن بذلك فهو مهنة تنظمها عادة ودولياَ وزارة التجارة كأي مهنة أخرى. ولا أعتقد أن مجلس الشورى قد يصل به الحد إلى دعوة أو طلب العقاريين لمناقشتهم في نظام لهيئة الإسكان والعقار وهما أمران اقل ما يعرفه الجميع هو أن هناك فرقا نوعيا ووظيفيا ومؤسسيا واضحا بينهما وفي أهدافهما وغاياتهما وأنه يستحيل أن يجمعهما رابط أو مصلحة بل إنهما مختلفات ومتضاربان. ويستحيل جمعهما في هيئة واحدة.
فالإسكان وحده يستحق ويجب وكما طالبت منذ أكثر من عامين بإيجاد هيئة عليا للإسكان بعد أن ألغيت وزارة الإسكان. فالإسكان وهمومه يعتبر الشغل الشاغل لمعظم دول العالم وتقوم عليه هيئات دولية مثل البنك الدولي ومؤسسات الإسكان، وفي معظم دول العالم له هيئاته مثل الهيئة الفيدرالية للإسكان والتطوير العمراني HUD في الولايات المتحدة الأمريكية أو هابتات وغيرها من الهيئات. وهي هيئات تقوم بوضع السياسات والبرامج التوعوية والمالية لمساعدة المواطنين بمختلف شرائحهم خاصة الشرائح المحدودة الدخل للحصول على سكن مناسب. كما تقوم بتوفير المنح للبحث والتطوير لنماذج البناء ومواده وكود للبناء. ومراقبة المخزون الحالي بالزيادة السكانية المستقبلية والتنبؤ بالأزمات. وله صناديقه المختلفة للتمويل والرهن والقروض وعلاقتها بسعر الفائدة والسوق المالية. بينما العقار لا يوجد له هيئات عالمياَ وإنما اتحادات وتكتلات فقط ولا يقتصر على الإسكان بل يقوم بتلبية الطلب على مشاريع أخرى مكتبية وتجارية وصناعية وسياحية وترفيهية ويكون محركها وموجهها ودافعها الربح فقط.
ومن شبه المستحيل أن تجد عقارياَ يهمه حل مشكلات الإسكان وإن تظاهروا بذلك. فلن تجد أحدهم يهتم بذوي الدخل المحدود أو الفقراء أو أي مشروع لتنمية الوطن إلا إذا كان مربحاَ استثمارياَ. لذلك فإنه من المستحيل أن يقوم العقاريون أو هيئتهم بحل مشكلات الإسكان للفقراء، حيث إن برامح الإسكان الموجهة إلى تلك الشريحة عادة تحتاج إلى دعم حكومي.
صحيح أن الاستثمار في القطاع العقاري أحد أهم القواعد الاقتصادية للدولة ويقدر حجمه بالمليارات. وهو قطاع حيوي ولكن بدأت تشوه صورته وتزعزها بعض الممارسات السيئة. التي تركت آثارها السلبية على سمعة المهنة ومؤسساتها العريقة ورجالها الموثوق بهم. وألحقت الضرر ببعض المواطنين والضعفاء. وهؤلاء استغلوا ثقة المسؤولين وولاة الأمر لمباركة تلك المشاريع ولكنهم خذلوا وزعزعوا تلك الثقة. واستعملوا أسلوبا مبالغا فيه ومغريا لخداع الناس. لذلك فإن مثل هذه الممارسات يجب ألا نغمض أعيننا عنها ولا ندعها تمر بسهولة وأن تطرح على طاولة النقاش لوضع حد لها ولردع غيرهم. وإلا فإنها ستبقى وصمة سوداء في تاريخ أحد أهم قواعدنا الاقتصادية وستترك سلبياتها على بقية الاقتصاد الوطني. وفي نهاية المطاف ستساعد على هجرة الأموال والاستثمارات إلى الدول المجاورة مما يؤثر سلياً في اقتصادنا ومدخراتنا.
ولكن الأمر لا يتطلب وجود هيئة للعقار بل إصلاحا إداريا ونظاميا فقد تدخلت وزارة التجارة لحل بعض تلك الأزمات عن طريق تنظيم المساهمات ووضع نظام صناديق الاستثمار العقاري. ولكن بقية المشكلات القانونية والتنظيمية والعدلية لا تحتاج إلى هيئة لحلها بل تحتاج إلى تدخل بقية الوزارات وبإخلاص ووطنية وصرامة وسرعة في اتخاذ القرارات وعدم التباطؤ تحت غطاء البيروقراطية القاتلة. وعندما تنهى تلك الأمور فإننا لن نحتاج إلى هيئة للعقار.
فالقطاع العقاري قادر على توجيه نفسه وهو قطاع واع ويؤدي إلى تدوير الأموال لتتوزع على جميع القطاعات الاقتصادية ليطول منها الجميع مثل المكاتب الهندسية والمقاولين وتجار مواد البناء ودور النشر والصحف ومكاتب الإعلانات والتسويق وشركات الحاسوب والإنترنت وغيرها من التدوير للقطاعات الاقتصادية الأخرى وبذلك تحرك الاقتصاد الوطني. كما أنها ساعدت على امتصاص جزء كبير من السعودة وتشغيل غيرهم من رعايا الدول العربية والإسلامية الشقيقة.
ومن هذا المنطلق فإنني أعتقد أن مجلس الشورى والعقاريين يجب أن يوظفوا كفاءات لمناقشة الموضوع لديها الخبرة الجيدة في مجال وتخصص الإسكان ومختصين لديهم خبرة سابقة وبحوث في هذا المجال، أو أن يتم التعاون مع بعض المكاتب الاستشارية المتخصصة لوضع دراسة جدوى ومدى أهمية إيجاد هيئة منفصلة لكل من الإسكان والعقار. ولكن في كلتا الحالتين أرى أنه من غير المهني أو الحكمة أن نتجرأ لدعوة المواطنين وإشغال المسؤولين في موضوع أو اقتراح لم يأخذ حقه من الدراسة لمعرفة أهميته. وحتى لا يفقد مجلس الشورى مكانته المهنية.