رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


بمن نبادر في العلاج.. صحة البدن أم بدن الصحة؟

[email protected]

في المقال السابق تحدثنا عن تباين أولويات النظم الصحية في دول العالم المختلفة وبالذات الدول العربية, إضافة إلى أهمية تكامل الأنظمة الخدمية والمساندة الأخرى كافة لتقديم خدمة صحية أفضل وبجودة عالية. كما نوهنا عن وجود منعطفات جديدة في الطريق من أهمها التأمين الصحي كأحد المنعطفات الصعبة, فهناك تشريعات صحية لا تتوافق مع صناعة التأمين، كما أنها لا تساعد على تطوير أداء النظام الصحي إجمالا, فالتأمين الصحي في صناعة التأمين مسؤولية اجتماعية قبل أن يكون عوائد مادية. لاستكمال الخريطة فهناك منعطفات صحية أخرى مثل: عدالة توزيع الخدمات المبنية على منطقية توزيع الموارد والمخصصات المالية للصحة, ضعف الرقابة الحكومية على مقدمي الخدمات الصحية, ضعف التنسيق لتوحيد وتوزيع المهام والاختصاصات بين الجهات الصحية المختلفة, تأخر أتمتة أو رقمنة الخدمات الصحية والربط بين مقدمي الخدمة على مستوى الدولة والمنطقة والعالم, تدني ثقافة الكثير من منسوبي القطاعات الصحية في كيفية التعامل مع الحدث علميا أو عمليا أو حتى اجتماعيا, وغيرها من "المؤرقات" التي تستدعي تناولها بأسلوب ناجع يؤدي بنا إلى تحجيم ما يهددنا صحيا في المستقبلين، القريب والبعيد. من المعروف أن أكثر المهددات الصحية عادة ما تكون نتيجة نشاط وحركة البشر, وهذا سبّب وسيُسبب الكثير من الضغوط التي لا بد من التعامل معها, فحسب التقارير والدراسات الحديثة مثلا: في عام 2020م يتوقع أن تكون نسبة الوفيات في العالم نتيجة التدخين ما يقارب 20 في المائة من مجموع الوفيات. كما أن - في العالم العربي فقط - يصاب شخص واحد بمرض الإيدز كل عشر دقائق, وفي كثير من المدن ذات البنى التحتية الغائبة أو المتهالكة ستتطور مناعة البكتيريا للمضادات الحيوية لتظهر بعض الأمراض مرة أخرى وتعاود انتشارها, وهذا بدأ يظهر في دول كثيرة من العالم للاكتظاظ السكاني المتزايد, وسوء توزيع الموارد, وتميز سكان هذه المدن بتبني عادات اجتماعية وصحية دخيلة ودون ضوابط. أما في الأرياف وأطراف المدن فتلوث الهواء تسبب في انتشار الأمراض المزمنة والحادة, كما أن التصحر وقضية الاحتباس الحراري جعلت الوضع ينذر بولوجنا حقبة أصبحت فيها البيئة نفسها مهدِّدة لصحة البشر بعد أن تسبب البشر أنفسهم في ذلك.
في اعتقادي علينا أن نعي تماما أن 40 في المائة من عبء المراضة في العالم ناتج عن تلوث الهواء الذي تسببه الدول المتقدمة الصناعية التي لا يشكل سكانها أكثر من 15 في المائة من سكان العالم فقط. ولأن هذه النسبة البسيطة تستهلك 60 في المائة من موارد الأرض, في حين أن 85 في المائة من سكان الأرض لا يستهلكون أكثر من 40 في المائة من مواردها فنحتاج إلى تخطيط بعيد المدى واع له خاصية المرونة والتكيف مع التغيرات والتطورات الممكن مواجهتها مستقبلا. فهناك حاجة للاهتمام بمن يعيش تحت وطأة الأمراض المصاحبة للمواسم والمسببة بعدوى منتشرة وهم من الطبقات الفقيرة أو الذين يعيشون على حافة الفقر, وعلينا أن نعنى بالشرائح الفقيرة في برامج التوجيه للإصحاح الشامل. كما لا بد من الاهتمام بالذين فقدوا كل فرص مواجهة الكوارث الصحية لعدم توزيع الموارد بالتساوي عليهم لأنهم لم يكونوا مؤهلين علميا أو لم تتم توعيتهم صحيا بكفاية. كما نحتاج إلى فهم لغة الأرقام بشكل إيجابي لا سلبي, فبدلا من أن يسبب ذكر حجم الاستثمارات في القطاع الصحي (500 مليار ريال سنويا) أن يبدأ مزاولة المهنة غير المهنيين, وأن تنتشر المرافق غير المرخصة للعمل, لا بد أن تتنامى وتتعاظم في أنفسنا كيفية تعزيز الرقابة وتكثيف التنسيق بين القطاعات والأنظمة المختلفة بما يعود إيجابا على صحة المجتمع ويكفل بتوزيعه تنمية شمولية عادلة ومستدامة. لقد أصبحنا بمشاكل التنمية لا نفرق بين أيهما نبدأ بعلاجه: هل نبدأ بصحة البدن أم ببدن الصحة؟. لذلك أعتقد أنه آن الأوان أن نعيد ثقة المواطن في النظام الصحي, أن تتم مراجعة آلية العمل من سياسات ونظم وإجراءات مع التمسك بالاستراتيجيات الرئيسة, وتكثيف الدراسات في كل منحى بغية إنجاح النظم الصحية وتكاملها على الأقل محليا وعلى المستوى الخليجي لتكون مثالا يحتذى به. حيث من المهم تنمية الوعي الثقافي والاجتماعي والإداري والعملي، إضافة إلى الوعي الصحي لدى الموظف ومقدم الخدمة قبل المريض نفسه حتى يعود ذلك برضا المستفيد (المريض) عن النظام وفاعليته. ومن ثم نبدأ دراسة نحدد بها القيمة المضافة للخدمات المقدمة بالمرافق الصحية الحكومية والاستفادة من الطفرة الاقتصادية الحالية في رفع مستوى جودة الخدمات الصحية.
دعونا نتفاءل ونحن نعمل, فكثير من قادة العالم تقاربوا من بعضهم البعض أكثر من ذي قبل, فأصبحوا يركزون على كل ما يشغل المواطن فكريا وصحيا وأمنيا, ويجدون لذلك السبل الكفيلة بردم الفجوات بينهم وبين أممهم وتعميق العلاقات وتوحيد أساليب التصدي لكل حدث من شأنه أن يخلخل أيا من الثوابت الرئيسة, ولم يبق لنا سوى أن نثبت كمسؤولين ومنفذين أننا قادرون على الوصول - برؤى قياداتنا – إلى آفاق مضيئة تحقق مساعيهم نحو تنمية صحية مستدامة بإذن الله. والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي