رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


أعداء النجاح

كثيرون منا يسعون إلى إتقان صنيعهم أو يأملون في ذلك. ولكننا في المقابل نتوق أيضا للمديح على حٌسن صنيعنا وسماع الثناء على ما أنجزناه. قد نختلف في درجة رغبتنا في سماع الثناء وفي السبل والطرق اللاشعورية النفسية في الحصول عليه، والتي قد تدفع البعض إلى حد السماجة لإرغام الناس على الالتفات إلى أهميتهم القصوى ولعملهم الفريد، فيما هو في أحسن الأحوال عمل جيد فحسب.
وعلى أية حال.. فالعمل الجيد أو المتميز أو الناجح غالبا ما يقف له بالمرصاد أعداء كثيرون.. إنهم أعداء النجاح. وهم ليسوا على درجة واحدة من حيث العداء ولا يصدرون عن سبب بعينه. ففيهم (الغيورون) وفيهم (المتجاهلون) للعمل وصاحبه ومنهم (الباخلون) بالإشادة أو الإطراء. وهناك (المتسقطون) للعثرات أو الزلات أو النقائص والعيوب وهؤلاء عادة ما يكثرون من كلمات مثل (بس.. ولكن.. ولو) وهي وسيلة خبيثة لإطفاء وهج النجاح وإخماد وميضه وهم من قبيله: (حتى الشمس في وجهها كلف). على أن هناك أعداء للنجاح مصدره (الناجحون) والمشاهير أنفسهم الذين لا يطيقون أن يحظى غيرهم بالمديح والإشادة.. وهي خصيصة يكاد يشترك فيها أصحاب "الكار" الواحد سواء كانوا نجوم سينما، نجوم رياضة، مهندسين، أطباء، حرفيين، أكاديميين، رجال مال وأعمال أو كُتّاباً وشعراء.. إلخ. وأحسب أن الراحل الكبير عباس محمود العقاد واحد من هؤلاء، فقد أوغر صدره النجاح المدوي والشهرة الطاغية للشاعر الكبير أحمد شوقي، فحاول الحط من قامته الشعرية بتضخيم ما رآه مثالب لغوية وعيوباً فنية. بل إن العقاد لم يحتمل بزوغ نجم شاعر شاب هو الراحل كامل الشناوي ولم يعترف بشاعريته، وإمعانا منه في الجحود أحال قصيدته (لا تكذبي) إلى لجنة النثر.. لكن الإبداع كان أقوى من جحود العقاد وجبروته فقد طارت شهرة القصيدة في الآفاق، خصوصا بعدما غناها (كل بصوته) ثلاثة من عمالقة الفن: نجاة الصغيرة، عبد الحليم حافظ، وملحنها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، بل تناهب الفنانون وذواقة الشعر كل قصائد المرحوم كامل الشناوي بينما كسد شعر العقاد ودال!!
عداوة النجاح علة بشرية ومن المثالية واللامعقول والاستحالة "تنظيف" العالم منها.. إنما يبقى من المهم ألا نقع نحن فرائس في أيدي أعداء النجاح من أي صنف، بمعنى ألا نصاب بالعدوى فنتبنى وجهة نظرهم تلقائيا، فهم في الغالب يستبسلون في قلب الحقائق ولي أعناقها وتوجيهها حيث يرغبون، محاذرين بخبث أن ننتبه إلى إتقانهم دور الثعلب لأنهم عادة ما يمتلكون إما ذرابة اللسان أو بلاغة التعبير أو فن العرض، وبالتالي القدرة على تضليل المتلقي بالأسلوب للاستيلاء عليه موقفا.
على أن أسوأ أعداء النجاح، أولئك الذين يلجأون إلى الطعن في صاحب النجاح شخصيا والنبش والقدح فيما هو خارج ذلك العمل أو الإنجاز بالتعريض بالشخص سواء مسلكا أو جنسا أو عرقا أو معتقدا أو هوية. وأيا كان دافع أعداء النجاح، فلا خشية علينا ولا تثريب إذا نحن أحسنا فعلا التبصر والتمعن فيما يصدر عنهم من أقوال أو كتابات أو أفعال.
المؤسف أننا قد نكون أحد أعداء النجاح أو قد تشوبنا بعض تصرفاتهم، فننجرف معهم متناسين أن من العبث إخفاء ضوء الشمس بغربال، فالآخرون وإن جاملونا بالصمت أو بالكلام الموارب، فإنهم في الواقع لا يقروننا على غمطنا مميزات وإنجازات أولئك الذين قد نجاهد للحط من قدرهم أو النيل من مكانتهم.. فإنه مهما سولت لنا أنفسنا وبدا لنا أننا مقنعون، فإننا سنكتشف بعدئذ حقيقة لا مفر منها: أننا كنا نطلق النار على أنفسنا، وهذا بالضبط ما عناه جدنا الشاعر بقوله: الضد يظهر حسنه الضد؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي