طواحين عمل المرأة (2 من 3)
حواراتنا ودراساتنا ولجاننا ليست نابعة من احتياجاتنا الفعلية، فهل بحثنا عن مشكلات المرأة الحقيقية في مجتمعنا المسلم من خلال إحصائيات ودراسات يتم تحليلها من مختصين؟ جامعاتنا وكلياتنا وجمعياتنا مملوءة بالأبحاث الخاصة بوضع المرأة ومشكلاتنا الاجتماعية، ولكنها غالبا ما تكون مغطاة بالإهمال والنسيان، فلماذا لا نستفيد منها؟ تدرس البنات التدبير المنزلي في الابتدائي ولكن معظم أمهاتهن لا يعلمونهن إلى أن تكبر وتذهب إلى بيت الزوجية وهي جاهلة بأمور المنزل وتدبيره. هل مكنا المرأة أولا من مالها؟ هل أعطيناها الحق الذي لها ومنعنا عنها تسلُّط الأولياء ظلما وعدوانا عليها؟ كم من ابنة أصبحت عانسا لأن وليها لا يرغب في تزويجها إلا لابن عمها أو يختلق الأعذار لطمعه واستيلائه على مرتبها الشهري ويقول الأب أنتِ ومالكِ لي، وتقول البنت أصبر برِّا بوالدي وهذا من جهلها بأصول الدين. فلو ورثت بنت عن أمها تركة فلا يحق لوالدها أن يأخذها منها إلا بطيب نفس منها لا بالضغط والإكراه أو التسلط والمنع والتحايل بالغضب وغيره. فلو أراد الله له ذلك لما فرض للبنات شيئا، وفرض لها الله نصف الولد نصيبا صافيا لها ولا تكلف بنفقة بينما حصة أخيها أو حصة والدها يكلف بالنفقة والتكاليف الشرعية تجاه الآخرين.
ولا نجهل أن هناك صراعا ظاهرا وخفيا أحيانا بين من يمانع أن تعمل المرأة إلا في حدود ضيقة جدا ضاقت عقولهم بها وهناك من يريد أن تتبرج المرأة ليستبيحها ويغويها ويغوى بها.
علينا السعي إلى نشر الفضيلة في المجتمع عبر وسائل الإعلام المختلفة، حتى لا تكون المرأة التي تخرج من بيتها مستباحة لذئاب الطريق ومفترسي الطهر والعفاف في المجتمع، وعلينا تشغيل الشباب وملء وقته ببرامج عملية وتربوية ترفع من اهتماماته وتزكي أخلاقه وتبني ديانته وسلوكه وأن تسد الثغرات الموصلة إلى الفساد في الأسواق. كما علينا التوسع في دورات الجيش التدريبية مع توسع برامجها لاستغلال الشباب الجامعي وطاقاتهم في جزء من أشهر الصيف، وكذلك من لا يدرس من الشباب عامة يلتحق بالبرنامج عند بلوغه سن الـ 18 عاما ويكون ذلك شرطا للجميع للالتحاق بالوظائف. ولنرجع إلى شروط المجلس الذي يذكر أن تؤدي المرأة عملها في مكان منفصل تماما عن الرجال فهذا ولا شك من طواحين عمل المرأة. نعم هذا ممكن في أنشطة كثيرة ومستحيل في أنشطة أخرى، فلماذا لا يترك ذلك لظروف وطبيعة العمل؟
هل من الممكن أن نطلب من النساء عامة عدم الخروج من المنزل أو النزول إلى الأسواق إلا بمحرم وألا تتعامل أو تتكلم مع رجل إلا عن طريق محرمها ولا تذهب للسوبر ماركت؟ هل نمنعها من ركوب الطائرة بجانب راكب غريب عنها ؟ كيف نسمح لها بالتعامل مع الوافدين والمواطنين من الباعة في الأسواق أو سائق الليموزين ولا نسمح لها بالعمل في المراكز الكبيرة المفتوحة لتبيع للرجل كما تبيع للمرأة، أم أن البائع رجل مختلف عن الرجل المشتري؟ هل نمنعها من استخدام المصعد مع الرجال في العيادات أم نخصص مصعدا وسلالم خاصة بهن في كل عمارة؟ نتركهن يعملن كل ذلك ولكن عندما نأتي للعمل الذي هو أهم ضرورة لهن ولاقتصاد وطننا نرفض ذلك قولا أو فعلا. لا يمكن أن يكون الاختلاط بالحجاب الشرعي مسموح في السنة وممنوع في الفرض الذي لا غنى عنه خصوصا أن الدولة لن تستطيع أن تخصص راتبا لكل أنثى ولا يمكنها أن توظف كل الشباب وإن استطاعت اليوم فدخلها لن يكفيهم غدا، بل سيكون على كل شاب وشابة العمل ولو جزئيا لإيجاد دخل إضافي غير راتب المعيل لمواجهة تكاليف الحياة التي ترتفع ارتفاعا صاروخيا، واسألوا من رواتبهم دون الخمسة آلاف ريال وعندهم أطفال وإيجار شهري... إلخ. وإنني أشك أحيانا أن هناك أيدي خفية تعيق عمل المرأة بمشاركتهم في وضع القرارات وتركها عائمة دون تحديد وبعيدة عن أرض الواقع حتى لا تعمل المرأة.
لقد ورّث الله سبحانه وتعالى المرأة ومكنها من مالها، لذلك إذا ورثت مع أخواتها وإخوانها مؤسسة كان يملكها والدهم مثلا ورغبوا في تحويلها إلى شركة وقررن أن يخترن أخاهن وبعض الأخوات أعضاء في مجلس الإدارة، ترفض وزارة التجارة والصناعة ذلك - وهي التي كلفت بمفاوضات منظمة التجارة العالمية - إلا بموافقة خاصة من الرياض بعد أن يكتبن تعهدا خطيا بعدم مزاولة الإدارة بمفردهن وبشكل يسمح لهن بالاختلاط بالرجال الأجانب؟ لا تضحكوا أو تستغربوا فالأدلة موجودة وإذا رغبت إحداهن أن تحول مهنتها من ربة بيت إلى سيدة أعمال، فإدارة الأحوال المدنية لا تمانع، ولكن تشترط خطابا من وزارة التجارة والصناعة التي أنجزت إتمام الاتفاقية للانضمام إلى المنظمة، ولكن موظف الوزارة يرفض لأن شركة واحدة لا تكفي ويجب أن يكون لديها عدة شركات. هل هو نظام مكتوب نريد أن نقرأه أم هي تعليمات مكتوبة صادرة من مسؤول سابق في الوزارة؟، أم هي اجتهادات من كل موظف. ليت الوزارة وكل وزارة تتكرم بكتابة الشروط والممنوعات التي تطبق على الجميع وكذلك التي تطبق على المرأة لوحدها في كل نشاط من أنشطة الوزارة حتى لا يتصرف كل موظف على هواه ويتمكن التاجر والمواطن من مراجعتها والمطالبة بتعديلها وعدم ترك المواضيع عائمة ويتخبط المستثمر ذكرا أو أنثى بين دهاليز الوزارة وفروعها أو بين الوزارات المختلفة. سبحان الله الذي أعطى المرأة حق تملك مالها مثل أخيها والوزارة تمنعها من إدارته إلا بالريموت عن بعد.
هل نمنع المرأة من البحث عن أرض وشرائها أو الاجتماع بالمهندسين لتصميم عمارة أو دار لها، أو التحدث مع مقاول الديكور أو الفرش أو حتى الجزار ومقابلتهم ؟ فكيف نمنعها من إدارة أملاكها وشركتها والاجتماع بموظفيها الذين تفتح لهم بيوتهم من حر مالها، وبالتأكيد لن تخلو بهم خلوة محرمة في كل ذلك. لماذا نثق بها في الأولى ونشك فيها ونمنعها قسرا عند إدارة مالها؟!
لماذا لا نصرح أننا لا نريد للمرأة أن تعمل ونرتاح من الطواحين الفارغة التي لن توصلنا إلى حل واقعي؟ ألا يجدر بنا أن نبحث عما يرضي الله ويحقق مصالح العباد؟.. وللموضوع بقية.